العراق يسعى لترسيخ سيادة الدولة باعتقال قادة الميليشيات مراقبون يعدونها بداية مواجهة حذرة وآخرون يرونها استعراضية
أُبعد قائد ميليشيات سرايا الخراساني حامد الجزائري من منصبه في سبتمبر الماضي (وسائل التواصل)
على الرغم من فشل الحكومة العراقية نسبياً في مواجهة الفصائل الشيعية التي بدت نتائجها واضحة في يونيو (حزيران) الماضي، عندما اعتقل جهاز مكافحة الإرهاب خلية مسلحة تتبع هذه الفصائل، مسؤولة عن عمليات القصف بصواريخ “كاتيوشا”، وردت عليها ميليشيات كتائب حزب الله بمحاصرة مكتب رئيس الحكومة ومقر جهاز مكافحة الإرهاب داخل المنطقة الخضراء، مما أجبر الأجهزة الأمنية على الإفراج عنهم.
لكن هذه الخسارة في النزال مع الفصائل الشيعية لم تمنع الحكومة من اتباع سياسية القضم التدرجي لبعض قادة الفصائل الشيعية المتهمين بعمليات خطف وقتل وابتزاز لسكان بعض المناطق والشركات الأجنبية، كما حصل مع القيادي البارز في ميليشيات سرايا الخراساني ميثم العكيلي، المتهم بالابتزاز والقتل.
ويبدو أن العكيلي عبر الخطوط الحمراء للفصائل المسلحة التي تخّلت عنه في مايو (أيار) الماضي، مما سمح للحكومة باعتقاله أثناء عملية عسكرية واسعة جنوب العاصمة، قتلت خلالها عدداً من مرافقيه الذين تبادلوا إطلاق النار مع الأجهزة الأمنية، ومن ثم صدر بحقة حكم الإعدام في 10 سبتمبر (أيلول) الماضي، ليشكل أول محاكمة حقيقية لأحد الأجنحة المسلحة الشيعية منذ العام 2014.
وفي 24 سبتمبر، أُبعد قائد ميليشيات سرايا الخراساني (لواء 18 حشد شعبي) حامد الجزائري من منصبه بأمر قيادة الحشد الشعبي، وعين بدلاً منه أحمد الياسري، الذي أعلن حينها التبرؤ من كل التصريحات ومواقف الجزائري المتهم بالمشاركة في قتل المتظاهرين من طريق الإشراف على مجاميع القناصة التي استهدفتهم في بغداد وبعض مدن الجنوب، خلال الأيام العشرة الأولى من أكتوبر (تشرين الأول).
عصيان الأوامر
ويقول رئيس مركز كلواذا للدراسات وقياس الرأي العام العراقي باسل حسين، إن اعتقال حامد الجزائري زعيم ميليشيات سرايا الخرساني في بغداد مع 15 من أتباعه، ثمّ اعتقال علي الياسري أمين عام السرايا، يعد تحولاً مهماً، لا سيما أنه جاء بعد أيام من إعلان أربعة فصائل شيعية عراقية مسلحة مرتبطة بالمرجع الديني علي السيستاني انسحابها من هيئة الحشد الشعبي، وتشكيل قوة رديفة تعرف باسم “حشد العتبات المقدسة”.
ويمكن أن تفسر حملة الاعتقالات عبر اتجاهات عدة، منها أنه جاء بسبب رفض كتائب الخراساني الامتثال لقرار الهدنة، فضلاً عن الأنباء المتواترة عن نيتها مهاجمة أهداف أميركية، مما رفع حال التأهب في العراق، بحسب حسين.
ويضيف أن هذه العملية يمكن أن تفسر على أنها بداية لمواجهة حذرة بين الدولة والميليشيات، التي يمكن لرئيس الوزراء الكاظمي استثمارها مع وجود دعم داخلي ازداد قوة مع خطوة انسحاب فصائل الحشد، وأيضاً مجيء إدارة أميركية جديدة، ترغب طهران بإرسال رسائل مبكرة إليها من خلال العراق، عن عدم رغبتها في التصعيد وتجنب المواجهة، في انتظار تسلّم الإدارة الجديدة في يناير (كانون الثاني) المقبل مقاليد السلطة والبدء في حوار جديد.
سياسة قضم الأطراف
ويقلل متابعو الشأن العراقي من أهميتها، إذ عدّوها استعراضية أكثر منها مؤثرة في سطوة الميليشيات على الشارع العراقي. ويرجح الكاتب والصحافي العراقي علي البيدر أن يتبع رئيس الوزراء سياسة القضم من الأطراف للإيهام بمجابهة بعض الفصائل، معتبراً أن أية عمليات مستقبلية ستكون شكلية.
ويضيف البيدر أن هناك صراعاً داخل مؤسسة الحشد على الزعامة والإدارة فيها، مشيراً إلى أن السلوكيات غير المنضبطة لبعض الفصائل، جعلت أطرافاً داخل الحشد تشعر أنها ستُجرم أيضاً، وتحاول عزل نفسها عنه والحفاظ على انتصاراتها من أجل ألا تسجل عليها أية ملاحظات، في محاولة منها لتطبيق فتوى المرجعية، وبذلك تكون تحت تصرف القائد العام للقوات المسلحة.
ويستبعد البيدر احتمال مواجهة بعض الفصائل المسلحة، وبعض الفصائل بإمكانها إحراج رئيس الوزراء، معتبراً ما يجري من اعتقالات قضية استعراضية لا أكثر أمام العراقيين، لإيهامهم بمجابهة الفصائل، وأن أي عمليات قد تحدث ستكون مشكلة.
جزء من ورقة تفاوضية
ويعتقد الصحافي والكاتب باسم الشرع أنه لم يتم التفاعل مع هذه الاعتقالات شعبياً، لقناعة الشارع العراقي بأن الدولة العميقة التي تقودها هذه الفصائل أقوى من الدولة الرسمية وأجهزتها الأمنية كافة.
ويضيف الشرع أن الاعتقالات إيجابية لمنع أية تحركات للفصائل خارج نطاق هيئة الحشد الشعبي، خصوصاً في ما يتعلق بقضية وجود القوات الأميركية، التي تختلف بينها في وجهات النظر حيال استهدافها من عدمه خلال الفترة الحالية.
ويشير الشرع إلى أن هناك شبه إجماع سواء من قيادة الهيئة أو من الفصائل التي انشقت عنها أخيراً، والتابعة لمرجعية النجف، على التعامل مع ملف إخراج القوات الأميركية بطريقة لا تستفز إدارة ترمب المنتهية ولايتها للقيام بهجمات شبيهة بالتي وقعت العام الماضي.
ويتحدث الشرع عن دعم إيراني لهذا الإجماع، كونه جزء مهم من ورقة تفاوضية تحاول طهران إيصالها إلى إدارة البيت الأبيض الجديدة، تتمثل في عدم الحفاظ على مصالح أميركا وحلفائها في العراق إلا من خلال الاتفاق معها على حلول، مبيناً أن المصلحة العراقية في كل هذه التطورات مغيّبة، ولا تبدو حاضرة لدى غالبية الساسة العراقيين.