لماذا على بايدن اعتبار اليمين المتطرف تهديدا للأمن بمثل خطورة “داعش”؟ تمرس ترمب في لعبة المغازلة مع جماعات راديكالية عنفية ويمكن للرئيس المنتخب استخدام تلك الوقائع لفضح حركة الرئيس المغادر للبيت الأبيض
إنها مرعبة تلك المؤامرة المزعومة التي وصفها مدعون عامون في الولايات المتحدة قبل أيام. إذ بحسب لائحة الاتهام التي قدمت الأسبوع الفائت أمام محكمة فيدرالية في ولاية كارولينا الشمالية، فإن مجموعة من أربعة رجال، (ثلاثة منهم مرتبطون مع الجيش الأميركي)، سعت إلى إثارة انتفاضة مسلحة ضد الحكومة، من قِبل المنادين بتفوق العرق الأبيض. وقد اعتبرت المجموعة نفسها فرقة “أس أس” SS مستجدة، نسبة إلى الفرقة الشهيرة التي أسسها أدولف هتلر وعرفت بالـ”شوتزتافل” SS، وكانت أكثر قوات العاصفة النازية التزاماً في “تقويض النظام السابق”.
وفي هذا الإطار، كتب أحد أعضاء المجموعة في رسالة وجهها عبر الإنترنت “في نهاية المطاف علينا إخراج بنادقنا والبدء بالعمل”. وأضاف الرجل “إننا نقوم بوضع إطار عام لمنظمة مسلحة للسيطرة على الحكومة المحلية وكذلك الصناعة. ويتطلب ذلك حرباً برية تذكر كثيراً بما حصل في العراق، إذ إننا سوف نواجه بالدرجة الأولى قوى مسلحة مؤلفة من مجرمين وأفراد عصابات”.
وفي السياق ذاته، يشير المدعون العامون الذين تابعوا القضية، إلى أن المتآمرين لم يقصروا نشاطهم وظهورهم على الإنترنت وحده. بل زعم الادعاء أنهم نقلوا بطريقة غير شرعية أسلحة بين حدود الولايات، كما عمدوا في مرة واحدة على الأقل، إلى تتبع تظاهرة سلمية لحركة “حياة السود مهمة” Black Lives Matter واستطلعوا السبل التي تسمح لهم في البدء بإطلاق الرصاص على أفراد في تلك التظاهرة. في المقابل، أشار مدعون عامون في ولاية ميشيغان إلى أن عصابة مسلحة يمينية متطرفة، كانت تُخطط للسيطرة على مجلس نواب الولاية، والشروع في إعدام السياسيين وبث ذلك مباشرة عبر شاشات التلفزة.
وفي موضوع متصل، اعتُبرت ظاهرة نهوض جماعات اليمين المتطرف العنفية في أنحاء العالم الغربي، من أخطر التطورات الحاصلة في السنوات الفائتة وأكثرها إثارة للقلق. وقد شجع دونالد ترمب تلك الظاهرة، إذ ناشد على الملأ إحدى جماعات اليمين المتطرف المسلحة، المعروفة بالـ”براود بويز” Proud Boys (صبية فخورون)، “الاستعداد” في يوم الانتخابات.
أمام هذا الواقع، سيواجَه الرئيس المنتخب جو بايدن حين يقسم اليمين في ظهيرة يوم 20 يناير (كانون الثاني)، بعناوين كثيرة في أجندته. وتتضمن أولوياته إصلاح طريقة الولايات المتحدة في التعامل مع كوفيد-19، ومواجهة احتمالات الانهيار الاقتصادي، الذي قد تتسبب به الجائحة، إضافة إلى ترميم العلاقات المتداعية مع الحلفاء الدوليين والعودة للالتزام بالمؤسسات الدولية التي أهملها ترمب.
في المقابل، سيكون على بايدن أيضاً التعامل مع تلك المجموعات الميليشياوية اليمينية الساخطة التي تغدو أكثر فأكثر، خطراً عالمياً. وإن إحدى الطرق التي يمكن لإدارة بايدن التعامل من خلالها بحزم مع مدى التهديد الصادر من تلك المجموعات، بالتالي تشجيع المؤسسات القانونية على الاستمرار في ملاحقة الجماعات العنفية، تتمثل في إصدار أمر تنفيذي يُعلن ميليشيات اليمين المتطرف خطراً يهدد الأمن القومي للولايات المتحدة والأمن العالمي.
وفي الإطار ذاته، رحب خبراء أمنيون السنة الفائتة بقرار أصدرته وزارة الأمن القومي الأميركية، يقضي بإصدار إستراتيجية منقحة عن مكافحة الإرهاب، توازن في تركيزها بين جماعات الكراهية اليمينية المتطرفة والمتشددين الإسلاميين الأجانب على حد سواء.
في السياق نفسه، شهدت الولايات المتحدة تصاعداً في عدد الهجمات، التي يشنها متطرفون يمينيون متشددون بدوافع عرقية، وقد تخطت تلك الهجمات معدل هجمات المجموعات المتطرفة الإسلامية. وبحسب عدد من الباحثين والخبراء في شؤون الأمن، تستخدم المجموعات المتعصبة من الطرفين كليهما (اليمين المتطرف والمتشددون الإسلاميون) المناهج والسبل ذاتها في تجنيد العناصر وتدريبهم وتنفيذ الهجمات. وفي مذكرة أرسلها عميل الـ”أف بي آي” (الشرطة الفيدرالية) السابق علي صوفان إلى المشتركين في خدمات وكالة الاستشارات الأمنية التي أسسها تحت مسمى “مجموعة صوفان” Soufan Group، ورد أنه “جرى تخصيص عدد كبير من القوى العاملة والمصادر بغية تحديد وفهم الأيديولوجيات العنفية، التي تنشرها على الإنترنت مجموعات كـالقاعدة وداعش، وكذلك السعي إلى ردعها”. وتابع صوفان، “في المقابل، لم يجر التركيز بالمستوى ذاته على مجموعات المتعصبين البيض المتطرفة، التي تتحرك منذ زمن طويل مستخدمة الأساليب نفسها، بالتالي تتبع عمداً التكتيكات المعتمدة على وسائط التواصل الاجتماعي من قِبل المتشددين الإسلاميين”.
في هذا الإطار، من المستطاع الإشارة إلى أن استخدام أمر رئاسي تنفيذي بهدف حشد القدرات الحكومية في مواجهة تهديدات مسلحة، ليس سابقة مستجدة. فقد أصدر جورج دبليو بوش أمراً تنفيذيا حمل الرقم 13224 في 23 سبتمبر (أيلول) 2001، منح بموجبه المسؤولين آليةً في تعطيل تمويل تنظيم القاعدة وغيرها من المجموعات “بغية وقف شرور الأنشطة الإرهابية”. وفي السنة الفائتة، عدل ترمب هذا القانون.
في منحىً آخر، يستطيع بايدن إما إصدار قانون جديد، أو أخذ ما فعله ترمب نفسه، مع إضافة مجموعات اليمين المتطرف والإرهاب المحلي إلى لائحة الأهداف فيه. إذ إن جهود تسليط الانتباه إلى هذه المجموعات، ينبغي أن تتسم بأبعاد عالمية، على غرار ما يحصل في التعامل مع تنظيمي داعش، والقاعدة. وفي هذا الإطار، بدأت كندا والمملكة المتحدة وعدد من الدول الأخرى، في إثارة موضوع مجموعات المتعصبين البيض العالمية.
من هذا المنطلق، بعد إصدار أمر تنفيذي يعتبر التهديد الذي تشكله مجموعات المتعصبين البيض والفاشيين معادلاً لتهديدات تنظيمي داعش، والقاعدة، يمكن لواشنطن الاقتراب من مجلس الأمن الدولي في الأمم المتحدة بشأن قرار يخصص لمحاربة هكذا مجموعات وتنظيمات، باعتبارها خطراً عالمياً.
على الأرجح، قد تستخدم روسيا الفيتو (حق النقض)، لكن ذلك لن يسهم إلا في تسليط الضوء على الدور الأحادي والشائن الذي يلعبه الكرملين في الترويج لمجموعات التعصب الأبيض، وحركات اليمين المتطرف في العالم.
والجدير ذكره في ذلك الأمر، أن خبراء الأمن عملوا عبر سنوات عدة، على إطلاق تحذيرات من الأخطار الأمنية الوخيمة التي تطرحها مجموعات اليمين المتطرف والأيديولوجيات اليمينية، في وجه حكومات الدول الغربية، من بينها ألمانيا التي عملت فيها الشرطة في وقت سابق من هذا العام على تفكيك شبكة إرهابية مزعومة خططت لمهاجمة مهاجرين وجماعات من الأقليات.
في المقابل، من شأن رسم علامة صارخة وبغيضة على ظهر اليمين المتطرف العنيف أيضاً، الإسهام في مساعدة بايدن على متابعة أهدافه السياسية الأخرى. إذ مارس خصمه ترمب، مراراً وتكراراً لعبة مغازلة جماعات اليمين المتطرف العنفية. وشمل ذلك إشادته بجماعة “صبية فخورون”، ووصفه المتعصبين العرقيين المستعرضين في “تشارلوتفيل” بولاية فيرجينيا، أنهم “جماعة طيبون”. وشمل أيضاً تقبله وتبنيه أنصار نظرية المؤامرة الغريبة “كيو آنون” QAnon التي اعتبرتها الشرطة الفيدرالية (أف بي آي) تهديداً إرهابيا محتملاً.
وحاضراً، ما زالت مجموعات مسلحة كهذه تجوب الشوارع، متجاوزة القوانين بوقاحة، مهددة المسؤولين المنتخبين في محاولة منها لدعم دونالد ترمب. بالتالي ثمة فرصة أمام بايدن لاستخدام هكذا وقائع في فضح حركة الرئيس المغادر للبيت الأبيض، التي تضم منابر إعلامية ومراكز فكرية. إذ أظهر هؤلاء عبر ألاعيبهم ورفضهم المستمر لنتائج انتخابات 3 نوفمبر (تشرين الثاني) الرئاسية، أنهم يمثلون تهديداً للديمقراطية الأميركية. وضمن هذا الإطار، يمكن لوسم الجناح الترمبي في اليمين السياسي بصفة الداعم المحتمل للإرهاب، والمتسبب بأخطار أمنية، يمكن أن يساعد في إبعاد المناصرين عنه، ويمهد الطريق أمام ولادة معارضة سياسية أكثر اتزاناً وحنكة في مواجهة إدارة بايدن.
© The Independent