لماذا على السعودية أن تكون جزءا من الاتفاق الأميركي – الإيراني؟ أمن منطقة الخليج يتأثر بسلوكيات القوى المكونة لها ومن ضمنها طهران
منذ أيام عدة، صرّح وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان أن السعودية يجب أن تكون شريكاً للولايات المتحدة في أية مناقشات مع إيران، للمضي قدماً في أي تعاون إقليمي معها، إذ تسعى المملكة إلى الدخول في شراكة مع الإدارة الأميركية في شأن اتفاق جديد محتمل، لن يقيد الأنشطة النووية الإيرانية وحسب، بل يسعى أيضاً إلى معالجة نشاط إيران الإقليمي.
واعتبر وزير الخارجية السعودي أن مثل هذا الاتفاق يمكن أن يسمى “++ JCPOA”، بدلاً من خطة العمل الشاملة المشتركة التي وقعت عام 2015 بين إيران والقوى الغربية، وحدت الطموحات النووية لطهران في مقابل رفع العقوبات عنها.
واعتبر وزير الخارجية السعودي أن الاتفاق الجديد يمكن أن يذهب إلى أبعد من ذلك، إذ يُعالج من خلاله “تسليح” إيران للميليشيات، سواء كانت جماعة الحوثي في اليمن أو الميليشيات الشيعية في العراق أو سوريا أو لبنان، بل ويشمل أيضاً برامجها للصواريخ الباليستية والأسلحة الأخرى، التي تواصل استخدامها لنشر الفوضى في جميع أنحاء المنطقة.
ويُثار هنا السؤال حول لماذا لا بد من أن يكون الاتفاق الإطاري الجديد، حال الوصول إليه بين إيران والولايات المتحدة، شاملاً السعودية؟
الإجابة تكمن في طبيعة الشرق الأوسط كنظام إقليمي، وخصوصاً منطقة الخليج كنظام إقليمي متفرع منه. ففي واقع الأمر، إن أمن منطقة الخليج يتأثر بسلوكيات القوى المكونة له، ومن ضمنها إيران، ومن ثم فإن أي سلوك إيراني في شأن منطقة الخليج أو الشرق الأوسط لديه تداعيات أمنية تمتد إلى الدول المجاورة الأخرى.
ولا بد عند العمل من إيجاد آليات لحل وتسوية ما تمثله طهران من تهديدات تمتد بطبيعتها إلى أمن ومصالح الدول الأخرى، وأن تكون هذه الأخيرة جزءاً من تلك الاتفاقات، لا سيما أن جميع الدول الغربية وحتى الدول الخليجية المعنية بسلوك إيران ترى أنه لا بد من التعامل مع الملفات في إطار صفقة كبرى.
فالاتفاق مع إيران ليس مجرد اتفاق إطاري يحلّ المسألة النووية في مقابل دمجها مع المجتمع الدولي اقتصادياً وسياسياً وحسب، بل هو نتيجة للتوافق الأمني الذي تتسم به منطقة الخليج والشرق الأوسط عامة، أي اعتماد أمن دول نظامها الإقليمي على سلوك الوحدات المكونة له، وبالتالي يجب أن يمثل إطاراً شاملاً يضمن استقرار أمن هذا النظام الإقليمي، خصوصاً أنه من المتوقع إذا أنجز اتفاق جديد يرفع عن إيران عزلتها الدولية، أن تسعى طهران إلى رفع عزلتها الإقليمية عبر إعادة طرح مشاريع للتعاون الاقتصادي مع دول الخليج لحل أزمتها الاقتصادية المتفاقمة في السنوات الأخيرة.
ومن ثم فلا بد لأي اتفاق جديد من أن يحل قضايا عدة، حتى يمكن التوصل إلى مشروع أمني بين إيران ودول الخليج العربي. ومن بين هذه القضايا، استمرار البرامج الإيرانية الجارية لتطوير ترسانة عسكرية تقليدية، والحصول على أسلحة الدمار الشامل، بما في ذلك استمرار طموحها في امتلاك أسلحة نووية، ودورها النشط في محاولة زعزعة استقرار الخليج، واستمرار مبادئ تصدير الثورة، ومحاولة طهران السيطرة على منطقة الخليج باعتبارها القوة المهيمنة الوحيدة، والتوقف عن التدخل في صراعات الدول العربية، والحد من توظيف أدواتها فيها، واحترام قرارات الأمم المتحدة في شأن الصراعات المتفجرة في تلك الدول. إذاً، عليها التوقف عن تقديم الدعم المالي والعسكري للحلفاء من أنظمة وفصائل مسلحة، وإلا فستفرض العقوبات عليها.
لقد وفرت إيران الأسلحة والتدريب والمستشارين العسكريين لدعم الحكومات والحركات المتحالفة معها، مثل نظام بشار الأسد في سوريا، وحزب الله اللبناني، وحركة حماس الفلسطينية، وحركة أنصارالله في اليمن، والميليشيات الشيعية في العراق. ومن ثم على إيران أن تدرك أن هناك توازناً إقليمياً قائماً، تسعى بعض القوى في المنطقة مثل السعودية وبعض دول الخليج من جيران طهران إلى الحفاظ عليه، وهي لن تسمح لإيران بأن تخل به. وبالتالي، هذا هو الإطار الإقليمي الذي يمكن أن تقبل به القوى الإقليمية الكبرى في المنطقة لاحتواء السلوك الإيراني. وما يجعل هذا الإطار أكثر إلحاحاً هو تعقيدات المشهد الداخلي الإيراني الذي ينذر بمجيء مرشد إيراني جديد ثوري، وأن يكون الرئيس المقبل من الحرس الثوري، وفي أفضل الظروف قد يأتي من التيار المتشدد.