وثيقة التعاون الدفاعي بين إيران والعراق.. الأهداف والضرورات
إن تجربة التعاون الناجح والمصالح الأمنية المشتركة، إلى جانب رفع حظر الأسلحة المفروض على إيران بموجب قرار مجلس الأمن الدولي والقدرات العسكرية والاستخبارية الأمنية الواسعة، ستمكن إيران من أن تصبح الشريك الأمني الرئيس للعراق، وأن زيارة وزير الدفاع العراقي الى طهران، هي خطوة كبيرة في هذا الاتجاه.
الوقت-لقد كان توفير الأمن وتعزيز القدرات العسكرية خلال السنوات التي أعقبت احتلال العراق عام 2003 دائما الشغل الشاغل للمسؤولين العراقيين ومطالب الشعب العراقي. وقد أصبح هذا الموضوع مهم بشكل خاص للعراقيين خلال السنوات الأخيرة،و لا سيما في ظل التجربة المريرة للعراقيين عند احتلال تنظيم داعش الإرهابي للعراق وعجز الجيش العراقي المدعوم من الغرب عن صد إرهابيي داعش في عام 2014 ، فضلاً عن عدم قدرة الأجهزة الأمنية العراقية على توقع مثل هذا الحدث. في غضون ذلك ، أصبح موضوع إعادة النظر في الشراكات العسكرية والأمنية مع الأجانب ضرورة لقطاع كبير من السياسيين والنخب والمجتمع العراقيين.
بالنظر إلى هذه الضرورة ، فإن جمهورية إيران الإسلامية هي الخيار الرئيس لإبرام المعاهدات العسكرية والأمنية بسبب قربها الإقليمي وحدودها المشتركة الطويلة، والقواسم المشتركة الدينية والثقافية، والوحدة السياسية، والشراكة الاقتصادية الواسعة، وخاصة المصالح والتهديدات الأمنية المشتركة مع العراق.
في وقت سابق من هذا الأسبوع، استقبل وزير الدفاع الإيراني، العميد أمير حاتمي، وزير الدفاع العراقي، جمعة عناد سعدون، رسمياً، خلال زيارة الأخير لطهران. وحضر سعدون طهران بدعوة من وزير الدفاع الإيراني، والتقى سعدون خلال الزيارة بمختلف المسؤولين العسكريين والسياسيين الإيرانيين، وكان محور الزيارة، يدور حول المحادثات بشأن تعزيز التعاون الأمني والعسكري بين البلدين.
وفي هذا الصدد، أعلن رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الجنرال باقري، الأحد 15 تشرين الثاني، عن صياغة وثيقة للتعاون الدفاعي الإيراني العراقي، وهي في مراحلها النهائية وسيتم التوقيع عليها في القريب العاجل.
انسحاب أمريكا من العراق ولغز بغداد الأمني
منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، كانت أمريكا طرفاً رئيساً في الاتفاقيات الأمنية والعسكرية لتلبية الاحتياجات في هذه المجالات. ومع ذلك ، لم تتصرف واشنطن أبداً كحليف ، ولم تلبِّ غايات العراق من إبرام اتفاقيات أمنية وعسكرية مع أمريكا.
في ذروة الاحتياجات الأمنية والعسكرية لبغداد في الأيام الأولى لظهور تنظيم داعش في عام 2014 ، كانت أمريكا غير مبالية بطلب العراق للمساعدة، ونتيجة لذلك ، تمكن هذا التنظيم الإرهابي من بسط سيطرته على أجزاء كبيرة من المحافظات العراقية الغربية والوسطى. ولكن إضافة إلى عدم الوفاء بالتزاماتها، واصلت أمريكا وجودها العسكري في العراق ليس كحليف ولكن إلى حد كبير كقوات احتلال.
بموجب الاتفاقية الأمنية المنعقدة عام 2008 بين العراق وأمريكا، طُلب من الأخيرة سحب قواتها من العراق بحلول 31 ديسمبر 2011 ، لكن واشنطن رفضت مراراً قبول هذا الالتزام تحت ذرائع عديدة في كل مرة. حتى أن البيت الأبيض استخدم ظهور تنظيم داعش ، والذي كان ، بناءً على الأدلة العديدة، سيناريو مخططاً مسبقاً من قبل أجهزة المخابرات الأمريكية والسعودية والإسرائيلية، كذريعة لعودة القوات الأمريكية بشكل كبير إلى العراق، الأمر الذي كان يمثل تحدياً أمنياً كبيراً للحكومة العراقية.
شنت أمريكا بشكل متكرر عمليات عسكرية ضد قوات الحشد الشعبي العراقية، والتي كانت العقبة الرئيسة أمام تقدم داعش وتقسيم العراق خلال هذه الفترة. وإحدى هذه العمليات، حدثت في الأيام الأخيرة من عام 2019، حيث استهدفت الطائرات الحربية الأمريكية مقرات لواء 45 و 46 التابعة لقوات الحشد الشعبي في منطقة القائم بمحافظة الأنبار الغربية، والتي قُتل فيها وفق آخر الأرقام أكثر من 30 عنصراً من عناصر الحشد الشعبي ، وجُرح عشرات آخرون.
في هذه الأثناء، كان معبر القائم الحدودي نقطة استراتيجية للحزام الأمني بين طهران وبغداد ودمشق، والذي استطاع تنظيم داعش استخدامه لإنشاء طريق لهروب ونقل قواته وتنفيذ أعمال إرهابية ضد أمن العراق وسوريا.
ووقعت هذه الهجمات التي تكررت عدة مرات في الوقت الذي كان فيه الحشد الشعبي، وفق قرار من مجلس النواب العراقي عام 2016 ، يُعد هيئة شرعية وحكومية، يخضع لإشراف رئيس الوزراء العراقي، بصفته القائد العام للقوات المسلحة. وقد أدان الشعب العراقي ومسؤولون وشخصيات سياسية وتنفيذية الهجمات باعتبارها انتهاكاً للسيادة الوطنية ووحدة الأراضي.
إن التشكيك في شرعية الوجود العسكري الأمريكي، انتهت تماماً عندما أصدر البيت الأبيض قراره باغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي أمهندس، حيث كان سليماني ضيفاً رسمياً للحكومة العراقية.
وأدت هذه الخطوة إلى احتجاج ملايين العراقيين على طرد القوات الأمريكية وإصدار قرار بهذا الخصوص في البرلمان. لكن بدلاً من الامتثال للإرادة الوطنية للعراقيين، هددت واشنطن بغداد بعقوبات غير مسبوقة، وقامت في خطوة تُعد انتهاكاً للسيادة الوطنية العراقية، بنقل نظام باتريوت إلى أراضيها.
لقد أصبح هذا الأمر لغزاً أمنياً للحكومة العراقية. فمن ناحية ، صرحت قوات الحشد الشعبي أنه إذا رفضت حكومة أمريكا مغادرة العراق ، فسوف تعامل كدولة محتلة ومعادية. من ناحية أخرى ، تنفذ فلول داعش بين الحين والآخر عمليات سريعة في مناطق الوسط لخلق حالة من انعدام الأمن والانقسامات العرقية والدينية ، فيما تتأثر الحكومة بشدة بالأزمة الاقتصادية وتفشي وباء كورونا.
إيران ، الخيار المفضل للتحالف العسكري والأمني العراقي
أظهرت تجربة ظهور داعش للحكومة العراقية أن عليها التفكير في تنويع التحالفات الأمنية الأجنبية. ومن عدة نواحًٍ، تُعد إيران الخيار الأكثر تفضيلاً لبغداد. أولاً ، وقفت إيران إلى جانب بغداد كدولة جارة وصديقة في الأوقات الصعبة وأثناء أزمة الإرهاب ، وخلال هذه الفترة لم تتردد في مساعدة البلد المجاور لها، بل تحملت نفقات كثيرة.
ثانياً، كانت تجربة التعاون العسكري والأمني بين البلدين ناجحة للغاية. وتأسست اللجنة الرباعية لتبادل المعلومات والتعاون الأمني بين إيران والعراق وروسيا وسوريا في عام 2015 بهدف تبادل المعلومات لمكافحة الإرهاب، بعضوية المؤسسات العسكرية لجمهورية إيران الإسلامية وسوريا وروسيا والعراق في بغداد، ومنذ ذلك الحين، عُقدت اجتماعات مختلفة للتنسيق وتبادل المعلومات بين الدول الأعضاء.
وكان تبادل المعلومات، وخاصة الإمداد الاستخباري للقوات العراقية والسورية في تحديد واستهداف المواقع المهمة والحساسة لإرهابيي داعش والتكفيريين في العراق وفي بعض الحالات في سوريا، من أهم وأنجح وظائف هذه اللجنة خلال فترة نشاطها.
كما وقع البَلَدان في أغسطس 2017 مذكرة تفاهم تهدف إلى بدء مجموعة واسعة من التعاون الدفاعي العسكري في مختلف المجالات التي يتفق عليها الطرفان. وكان توسيع التعاون وتبادل الخبرات في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف وأمن الحدود والتدريب والدعم اللوجستي والفني والعسكري من بين بنود مذكرة التفاهم هذه.
في ظل هذه الظروف، فإن تجربة التعاون الناجح والمصالح الأمنية المشتركة، إلى جانب رفع حظر الأسلحة المفروض على إيران بموجب قرار مجلس الأمن الدولي والقدرات العسكرية والاستخبارية الأمنية الواسعة، ستمكن إيران من أن تصبح الشريك الأمني الرئيس للعراق، وأن زيارة وزير الدفاع العراقي الى طهران، هي خطوة كبيرة في هذا الاتجاه.