تدخلات خارجية تضغط للاسراع في التأليف… العقبات الداخلية تتخطى الحكومة الى ما بعد العهد
وصلت مشاورات التأليف إلى طريق مسدود، ومعها يبدو واضحا ان عملية استرهان تأليف الحكومة ليست مرشحة للخروج من دوامة الشروط الأسرة، بما يعني ان ابعادا تتجاوز اللحظة الحالية الداخلية تتحكم بالمأزق، ولا افق قريبا لاي انفراج محتمل لهذه الازمة.
وعليه، لم تُسجّل اي حركة جديدة على تشكيل الحكومة، بعد الكلام غير الرسمي عن زيارة الرئيس المكلف سعد الحريري الى الرئيس ميشال عون امس الاول بعيداً عن الاعلام. فيما كثرت التسريبات من جهات عديدة تفيد ان الكرة اصبحت في ملعب الحريري بعد المواقف المعلنة لأغلب الاطراف، وبعد المعلومات عن استياء فرنسي من المماطلة في تشكيل الحكومة والتلويح بوقف كل اشكال الدعم للبنان بما فيها تأجيل اوالغاء مؤتمر الدول المانحة الذي ستدعو اليه فرنسا. وان الحريري قد يبادر الى تقديم مسودة حكومية الى رئيس الجمهورية قريباً.
وبينما يبقى المترقبون على أهبة الترقب بانتظار الخطوة التي سيقدم عليها الرئيس المكلف في مواجهة عرقلة التأليف خلال الأيام المقبلة، سرت أنباء مساءً عن نيته عقد مؤتمر صحفي اليوم بهذا الخصوص، غير أنّ مستشاره الإعلامي حسين الوجه سارع إلى نفيها، مقابل تأكيد أوساط مطلعة على أجواء الرئيس المكلف أنه لا يزال على اعتصامه بحبل الصمت “حتى يقضي الله امراً كان مفعولا”.
الجدار الاسمنتي
اذاً، بات واضحاً ان تأليف الحكومة يصطدم بما يوصف بأنه “جدار اسمنتي” رفعته بعبدا ومعها التيار الوطني الحر، بوجه الخيار الذي سيعتمده الرئيس سعد الحريري في مقاربة عملية تشكيل “وزارة مهمة” تحاكي المبادرة الفرنسية، وحسب معلومات “اللواء” فإن الرئيس المكلف لن يأخذ بما يطرحه باسيل، لجهة التنصل من حكومة اخصائيين، واصراره (أي باسيل) على تسمية كل الوزراء المسيحيين، وليس فقط وزراء التيار أو تكتل لبنان القوي..
وعليه تتجه الانظار الى الخطوة المقبلة للحريري وهل سيبادر الى التوافق مع عون على التشكيلة ام يقدم مسودة من عنده وينتظر رد عون عليها ليبني على الشيء مقتضاه؟.
وأوضحت مصادر سياسية مطلعة لـ”اللواء” أن الخرق في الملف الحكومي مطلوب من الرئيس المكلف تأليف الحكومة لجهة اعتماد وحدة المعايير في التأليف ضمن التشاور الوطني مع جميع الكتل في حين لا بد من معرفة اين تقف حدود المداورة وهل هي من مداورة طائفية مذهبية أو سياسية وعدد الوزراء والحقائب بغية عدم إرهاق الوزراء في حكومة المهمة والتوزيع أي إسقاط الأسماء بالتوافق مع رئيس الجمهورية.
ولاحظت أنه لا بد للرئيس المكلف من الوعود والمستجد من العهود وسألت ماذا عن تسمية حزب الله من لا يدور في فلكه وما هي الشروط الأميركية أن وضعت وكيف تتم محاكاة المبادرة الفرنسية ولفتت إلى أن ليس مطلوبا الاستمرار في تصريف الأعمال إلى ما لا نهاية وهناك استحقاقات وبرامج مساعدات ينتظر والبلد لا يستطيع تحمل الفراغ في السلطة الإجرائية.
وكررت القول أن الخرق هو لدى الرئيس المكلف ومتى حصل ذلك تسير عملية التأليف وفق ما يجب وتقترن بمبادرة رئيس الجمهورية إلى التأليف.
وفهم أن اللقاء السري بين عون والحريري الذي عقد دون الإعلان عنه لم يحمل معه أي تطور بسرع في التأليف.
ولعل ما استوقف المراقبين في الآونة الأخيرة هو ابتعاد المعنيين المباشرين بمسار تأليف الحكومة أي رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري عن تسليط الأضواء على لقاءاتهما والتكتم حتى على خبر انعقاد اللقاء الأخير الذي عقد بينهما اول من امس في قصر بعبدا بما يكشف تاليا اتساع الهوة في مسار التاليف بدل اقتراب التعقيدات من تسويات وحلول. وأكدت المعطيات المتوافرة امس في هذا السياق ان التاليف الحكومي يدور في حلقة مفرغة بما يصعب معه توقع أي حلحلة وشيكة في دوامة التعقيدات والمواقف المتصلبة. وادرج الحراك السياسي الأخير في اطار مساعي الرئيس الحريري المستمرة للوصول الى نتيجة انطلاقا من المرتكزات التي أرساها منذ تكليفه لتشكيل “حكومة مهمة” تضم 18 وزيرا من أصحاب الاختصاص غير الخاضعين للقرار السياسي من دون اقفال الباب امام مناقشة الأسماء المطروحة مع المكونات السياسية كافة. وتؤكد هذه المعطيات ان الحريري، الذي نفى مستشاره الإعلامي حسين الوجه مساء امس ان يكون على جدول أعماله اليوم أي مؤتمر صحافي، لا يزال متمسكا بموقفه من ركائز هذه الحكومة بعدما كان قطع شوطا كبيرا في مناقشتها مع رئيس الجمهورية، وانه لن يتراجع عنها من منطلق ان المعايير التي تتألف على أساسها الحكومة المقبلة وحدها ستكون قادرة على وقف الانهيار وتنفيذ الإصلاحات المطلوبة.
نهاية السنة؟
ولكن المخاوف تتصاعد من تمدد ازمة التاليف الى ما يتجاوز الشهر الحالي وربما أيضا الشهر المقبل اذا ثبت ربط ازمة التاليف وافتعال سلاسل الشروط والتعقيدات بأبعاد إقليمية لم تعد خافية على احد علما ان البلاد تترنح بقوة امام هوة سحيقة من الازمات والانهيارات التي تضغط بقوة هائلة. ويبدو ان الخلافات بين عون والحريري لم تقترب بعد من أي قاسم مشترك اقله بعدما اتسعت الهوة في شكل لافت عقب فرض العقوبات الأميركية على رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل وافتعال اتهامات في وجه الحريري من انه يساير المناخ الأميركي في بعض جوانب طروحاته لتأليف الحكومة. وفي هذا السياق بالذات تحدثت امس مصادر مطلعة عن عدم توصل اللقاء الأخير السري بين عون والحريري الى أي جديد مشيرة الى ان النقاش يحصر كما في كل مرة، بحسب قول المصادر نفسها، بالاسماء المسيحية دون ان يتطرق الى أسماء الوزراء من الطوائف الإسلامية سواء الشيعية او السنية او الدرزية. وأسوة بما تردده جهات سياسية تسعى الى تقييد الحريري في مسار التاليف بشروطها تتحدث المصادر نفسها عن “قيود خارجية مفروضة على حقائب محددة كالمال والأشغال والطاقة والاتصالات وتتعلق بإبعاد أحزاب معينة عن التوزير المباشر وغير المباشر”.
وتؤكد المصادر لـ”نداء الوطن” أنّ الأطراف السياسية كلها تتعامل مع هذا الواقع في الخفاء وتتعامى عنه في العلن… وحول سؤال “ماذا بعد نهاية عهد ميشال عون؟” يدور الكباش الحكومي ويحتدم “الصراع الوجودي” في التشكيلة الوزارية المرتقبة، لتتفرع منه العقبات والعراقيل والشروط المتبادلة على طاولة التأليف، معربةً عن اعتقادها بأنّ كل مطلب من المطالب التي اعترضت حتى الساعة الطريق أمام ولادة الحكومة يكاد لا يكون منفصلاً عن هاجس الشغور الرئاسي سواءً لأسباب طبيعية، في حال أصاب الرئيس مكروهاً، أو لأسباب دستورية مع انتهاء عهده دون انتخاب خلف له.
ضغوطات خارجية
وزادت السفيرة الأميركية أمس من مستوى ضغوطها على الحريري، بقولها إن بلادها “تريد تحاشي فشل الدولة في لبنان، ويجب أن تكون لهذا الأمر الأولوية القصوى، لكن لا يمكن أن نرغب في ذلك فعلاً أكثر من رغبتهم هم فيه”. وأكدت في الوقت عينه، بحسب ما نقلت عنها وكالة “رويترز”، أنه “لا خطط إنقاذ للبنان من دون إصلاحات”، مضيفة: “اكتسبنا حنكة. وسيكون هناك نهج تدريجي خطوة خطوة، ولا شيء مجانياً”. وقالت شيا إن على المانحين التشبث بموقفهم، وإلا فإن النخبة السياسية لن تأخذهم على محمل الجد. وأضافت “إذا لم يشعروا بأهمية عنصر الوقت لتأليف حكومة، فكيف نواصل الضغط عليهم؟ هم ينظرون إلينا ولسان حالهم يقول “حاولوا أن تجعلونا ننفّذ الإصلاح، سيكون من الممتع مشاهدتكم تحاولون ذلك”.
كلام شيا يبدو تكراراً لموقف وزير خارجيتها، مايك بومبيو، الذي أعلنه في زيارته لبنان في آذار 2019، ووضع لها هدفاً وحيداً، وهو الهجوم على حزب الله وعزله. ومنذ ذلك الحين، يموّه الأميركيون هدف إخراج حزب الله من الحكومة، بعبارة “إصلاحات”. وكرر بومبيو ذلك أكثر من مرة طوال العام الجاري.
وبحسب “الأخبار” يبدو جلياً أن الجانب الفرنسي يلاقي الأميركيين في سياستهم، من خلال اتفاق الجانبين على تحميل مسؤولية تأخير تأليف الحكومة لباسيل، عبر القول إنه العقبة التي تحول دون إبصار التشكيلة الحكومية النور.
في المقابل، دعت روسيا الحريري إلى التفاوض مع جميع الكتل النيابية، من دون استثناء أيّ فريق، حتى الذين لم يسمّوه خلال الاستشارات النيابية التي حصلت في قصر بعبدا. فبحسب مصادر مطّلعة على التواصل الدبلوماسي القائم بين الجانب الروسي والجهات اللبنانية، تدفع موسكو باتجاه “البدء في حوار لبناني وطني شامل من دون تدخل أجنبي، ليساهم ذلك في تأليف الحكومة المنتظرة في أسرع وقت”. الدعوة الروسية للحريري بالتشاور مع مختلف الأطراف الممثلة في البرلمان تعني بشكل خاص رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. فقد علمت “الأخبار” أن “التواصل الروسي مع الحريري وباسيل مستمر للدفع بهذا الاتجاه”، علماً بأن السفير الروسي ألكسندر روداكوف ينشط من ناحية الزيارات البروتوكولية والسياسية التي تشمل مختلف المراجع السياسية والحزبية والدينية في بيروت، من منطلق “حرص روسيا على استمرار علاقات الصداقة التاريخية مع لبنان بمختلف أطيافه، حتى مع من لا تتفق موسكو في مواقفها معهم ولا تشاركهم النظرة نفسها تجاه الملفات السياسية التي تعني المنطقة”. وبناءً على ما استقاه روداكوف من جولاته، فقد زوّد خارجية بلاده “بتقارير مفصّلة حول نتائج جولته، وحملت معظمها تقييماً إيجابياً، ما قد يفسر على أنه تجاوب لبناني بخصوص المقترح الروسي”.
في موازاة ذلك، ذكرت مصادر مطّلعة لـ”الأخبار” أن زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف للبنان لم تُلغَ من جدول الأعمال، بل هي مؤجلة بانتظار توافر الظروف الملائمة. ورأت المصادر أن تأليف الحكومة المرتقبة سيكون عاملاً حاسماً في تحديد موعد زيارة وزير الخارجية الروسي. فبناءً على الاتصالات المتبادلة بين الخارجية الروسية وبعض الجهات اللبنانية المرتبطة بمسار تأليف الحكومة، ترى الأوساط المطّلعة أن “مسألة التأليف بعد التوافق حول الأسماء، ممكنة قبيل نهاية هذا العام. وبذلك تكون زيارة لافروف أيضاً ممكنة قبيل نهاية العام”.
الى ذلك، تلقى الوسط السياسي امس رسالة اممية جديدة تحضه على تشكيل الحكومة بسرعة وتولى نقل الرسالة المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش الذي اعلن انه قدم إحاطة الى مجلس الامن حول الوضع في لبنان “حاشدا الدعم للبلد ولشعبه الذي يعاني من ازمة وجودية متفاقمة”. وأضاف في تغريدة :”في المقابل رسالة من مجلس الامن الى قادة لبنان واضحة: شكلوا حكومة دون مزيد من التأخير، حكومة فعالة وقادرة على الإصلاح والتغيير، حكومة تعمل ضد الفساد ومن اجل العدالة والشفافية والمساءلة. هل سيصغون؟”.