ترسیم نصر الله وفساد باسیل ومشافي قطر
علي شندب -اللواء
منذ إعلان رئیس البرلمان اللبناني ورئیس حركة أمل نبیه بري عن «اتفاق الاطار» لترسیم الحدود اللبنانیة مع اسرائیل (ولیس فلسطین المحتلة)، وعیون وآذان الرأي العام وخصوصا بیئة الثنائي الشیعي، متأهبة لمعرفة تخریجة زعیم حزب لله لموقفه المعلن الذي سیتطابق مع موقفه المضمر من ملف الترسیم.
وضرب الناس، إحیاء حزب لله لذكرى أربعین الحسین التي أتت بعد اسبوع على اعلان اتفاق الاطار، موعدا لفك شیفرة موقف نصر الله وحزبه من الترسیم. لكن فاجأ جمهوره والرأي العام یوم عاشوراء الماضي بتنحیة الكلام في القضايا السیاسیة المحلیة والاقلیمیة والدولیة جانبا، لیسهب وخلافا للعادة في الكلام عن مظلومیة الحسین حصرا.
ففي ذكرى عاشوراء 2019 مثلا، أطلق زعیم حزب لله، على مرشد ایران علي خامنئي، لقب «حسین العصر»، فأشعل غضب الشیعة العرب كما وكل الشیعة الذین لا یتبعون ولایة الفقیه. وسرعان ما تحول اختراع «حسین العصر» وصاحب ملكیته الفكریة حسن نصر الله الى موجة عارمة من التهكم والتندر والنقد الساخر الذي اجتاح وسائل التواصل على امتداد الانتشار الشیعي.
لكن موقف حزب الله من الترسیم بقي محل رصد ومتابعة سیما وان بیان كتلة نواب حزب لله لم یفِ بالغرض المطلوب، حتى حسم الأمر نصر الله شخصیا الخمیس الماضي بخطاب مسهب ومطول أكد فیه وقوف حزب لله الى جانب ترسیم الحدود. وأن الحزب یقف خلف الدولة اللبنانیة، وما تطالب به الدولة. الدولة التي هي من أعلن أن مزارع شبعا وتلال كفرشوبا محتلتین ولیس حزب الله. وأن الخلاف الذي ظهر مع رئیس الجمهوریة حول حصر الوفد التفاوضي بالعسكریین والذي عبّر عنه بیان «الفجر الشهیر» هو الذي حمى الوفد اللبناني المفاوض بحسب نصر الله.
ما یعني ضمنا أن الخلاف المعلن مع رئیس الجمهوریة حول تشكیلة الوفد المفاوض كان للاستهلاك المحلي بهدف إرضاء البیئة المصدومة من التفاوض الذي یشكل اعترافا حاسما باسرائیل خلافا لكل صواریخ ایران وأذرعتها الصوتیة بتدمیر اسرائیل خلال 7 دقائق ونصف.
وبمنطق استنسابي رفض نصر الله وصف مفاوضات الترسیم بأنها ضمن سیاق التطبیع في المنطقة. انه المنطق الاستنسابي الذي یحلّل فیه نصر الله لحزبه التفاوض عندما یخدم مصلحة المصلحة العلیا، ویحرّم مثل هذا التفاوض ویسمیه خیانة وتطبیعا وتنازلا عندما یكون لمصلحة الشعب الفلسطیني كما فعل ابوعمار عبر اتفاق أوسلو. ویومها طالب نصر الله باغتیال یاسر عرفات بعدما وصفه بخائن القضیة الفلسطینیة.
لكن مناخا لبنانیا واسعا عبّر عن نفسه عبر الاعلام ووسائل التواصل، اعتبر مفاوضات ترسیم حدود لبنان مع اسرائیل بمثابة السدّ الذي جوّف الأبعاد الدعائیة لصورة «سنصلي في القدس» التي سبق وروّجها خامنئي على تویتر وهي الصورة التي تضمه ونصر الله مع إسماعیل هنیة، ومفتي القدس الشیخ محمد حسین، ورئیس حركة الجهاد في فلسطین زیاد النخالة، والمعارض البحریني عیسى قاسم، والرئیس السوري بشار الاسد، وآخرین للمفارقة لیس بینهم أي من مسؤولي الحشد الشعبي العراقي.
اذن مرّر نصر الله الوقت الاستراتیجي، وصام عن الكلام المباح بملف الترسیم نحو أربعین یوما برد خلالها جرح الترسیم، وجرت میاه لبنانیة وإقلیمیة ودولیة كثیرة، تحوّل ملف الترسیم بعدها لما یشبه الخبر العادي ما سهّل هضمه حتى على بیئات وطنیة مقاومة ومن قبل ولادة حزب لله. تماما كما سهّل على نصر الله أن یلقي بثقله خلفه في المفاوضات التي تشهدها الناقورة وبوتیرة عادیة.
خلال خطابه المسهب لمناسبة یوم الجریح جهد نصر الله الى نفي تهمة الفساد التي تلاحق حزبه وحلفاءه لیس من قوى 8 آذار وحسب، وانما من كامل منظومة میلیشيا المال والسلطة والسلاح المتمركزة على ضفتي 8 و 14 اذار. انها المنظومة نفسها التي تحاول اعادة انتاج نفسها عبر المبادرة الفرنسیة التي تحاول تجدید شبابها بعدما لفظت أنفاسها، متوسّلة تداعیات العقوبات الامیركیة على جبران باسیل رئیس التیار الوطني الحر.
انه جبران باسیل الذي خصّص حسن نصر الله حیّزا واسعا من خطابه الاخیر، لإمتداح شجاعته برفضه قبول الشروط الامیركیة بفك ارتباطه مع حزب لله. وهو جبران باسیل الذي بیّنت السفیرة الامیركیة في بیروت دوروثي شیا دفتر شروطه للابتعاد عن حزب لله. وهي الشروط التي لطالما أتقن باسیل فرضها على شركائه في منظومة الفساد. وهي الشروط التي لطالما اقتدر باسیل على ابتزاز حزب نصر الله بها عندما لقنه درسا في فن المقایضة. ولعلّ اخر ابداعات باسیل كانت «معمل سلعاتا الكهربائي مقابل السلاح». إنها المقایضة المتناسلة من معادلة «غطوا على سلاحنا نغطي على فسادكم».
وهي الشروط التي ما ان تبلغتها واشنطن حتى عمدت الى هدر ماء وجه باسیل الأخلاقي قبل السیاسي، وتقدیمه هدیة الى نصر الله لیفعل به ما یشاء، أنى ومتى وكیفما شاء.
ولربما كانت خطیئة باسیل القاتلة أنه كان یتعامل مع الادارة الامیركیة بنفس الأسلوب الذي تعامل فیه مع عدوه اللدود سمیر جعجع مثلا.
فعدم استقبال باسیل لنظیره الأمیركي ریكس تیلرسون في مطار رفیق الحریري كان الصفعة الأولى التي تتلقاها رئیس الدبلوماسیة الترامبیة خلال زیارته بیروت عام 2018. وقد شكّل انتظار تیلرسون في احدى قاعات القصر الجمهوري بعض الوقت لحضور باسیل ثم الرئیس میشال عون الصفعة الثانیة التي بیّنت أن ساكن قصر بعبدا یحاول الثأر بهذه الطریقة من أصحاب البصمات الذین طردوه من ذات القصر ذات 13 تشرین لخروجه عن التسویة اللبنانیة والعربیة والدولیة.
اذن عقوبات واشنطن على باسیل التي أتت وفق مضبطة اتهام «ماغنیتسكي» الخاص بمحاسبة الفاسدین، تحمل مضامین ثأر بأثر رجعي له تداعیات مستقبلیة، تتمثّل خصوصا باغتیال مستقبل جبران باسیل الرئاسي، والذي لا ینفع معه إقفال نصر الله المجلس النیابي لأجله قرنین لا سنتین، والذي لا یضاهیه في تداعیاته غیر المكتملة الوضوح إلا طرد رئیس الحكومة العسكریة میشال عون من قصر بعبدا ذات 13 تشرین مضى.
13 تشرین التي استعاد جبران باسیل، بصفته وكیل العهد القوي ووریثه لما قبل عقوبات ماغنیتسكي، ذكراها منذ شهر مضى باطلاقه النار على اتفاق الطائف واعلانه الطلاق معه بالقول «لا إمكانیة للعیش مع هذا الدستور النتن والعفن.. الذي فُرض علینا بقوة المدافع والطائرات یوم 13 تشرین».
ربما فات باسیل أن الطائف تسویة لبنانیة برعایة عربیة دولیة، وأن الراعي الدولي ایاه هو من صنّفه فاسدا وفرض علیه العقوبات بتهمة الفساد، وأن الراعي الدولي ایاه هو من كان یقدم باسیل اوراق اعتماده الرئاسیة بصیغة شروط توّهم وریث العهد القوي بقدرته على فرضها على إدارة ترمب حتى ولو جمعت حقائبها للرحیل.
تداعیات العقوبات على باسیل كما وفشل نصر الله في نفي صفة الفساد عن شریكه في تفاهم مار مخایل الذي أثخنته جراح كثیرة، ستعقد مهمة سعد الحریري في تشكیل حكومة مهمّة وفق مواصفات ماكرون الذي بدت زیارة موفده الى بیروت متسلحة ومستقویة بسیف العقوبات المسلط.
لكن من قال أن العقوبات نهایة المطاف ولیس بدایته. ومن قال أن إقالة ترمب لوزیر دفاعه مارك اسبر وغیره من قادة البنتاغون لیس في سیاق تشكیل مجلس حرب تسهب الصحافة الامیركیة في الحدیث عنها؟
ثم من قال أن طائرات قطر التي نقلت الى مطار بیروت مستشفیین میدانیین أحدهما لمدینة صور والآخر لمدینة طرابلس هما فعلا لمواجهة تداعیات كورونا؟
سؤالنا حول مستشفیات قطر المیدانیة، متناسل من مستشفیات مشابهة أقامتها قطر على الحدود التونسیة اللیبیة استباقیا وبعضها تزامنا مع بدء عدوان الناتو على لیبيا عام 2011 بحجة حمایة المدنیین والذي كان فیه صوت حسن نصر الله موازيا ومواكبا ومباركا لصواریخ الكروز والتوماهوك ودوي انفجاراتها وهي تدك المدن والمواقع اللیبیة، بل وأكثر إیلاما منها.