الحدث

التّأليف.. الحريري يَسقطُ بِفخّ “السياديّة”

“ليبانون ديبايت”- عبدالله قمح

مشكلةُ سعد الحريري الدائمة أنه لا يحسب الظروف جيداً، يوقع نفسه في مطبّات سياسية ويصعّد على أخرى ويكبّل نفسه بمجموعة التزامات وتعهدات تثقل كاهله ثم يجهد لتحرير نفسه منها بعد حين ومن دون توقف. السؤال الدائم: هل أن المشكلة مشكلة مستشارين أم فشل في قراءة معطيات سياسية؟

راهنَ الحريري سابقاً على المبادرة الفرنسية وانتظرها ثم وقف متفرجاً على مسار تهاويها ثم عاد ووطّن نفسه على محاولة إنقاذها، ليصطدم بواقع أنه زادها سوءاً. راهنَ على العقوبات الاميركية وأن في إمكانها إنتشال “واقع التأليف المرّ” من قمقم بعبدا والحاضنة المسيحية لها فوجد أن العقوبات زادت من التأليف تشدّداً وتعطلاً، وها هو الآن يُراهن على واقع فرنسي جديد!

الأمور تقرأ بداية من طالعها. زيارة كبير مستشاري الرئيس الفرنسي، باتريك دوريل لم تسفر عن شيء لغاية الآن سوى مجموعة أحاديث وأكثر من 5 فناجين قهوة، وحيث أن الامور كذلك فإن رهانات الحريري يجدر أن تبقى محدودة وفي سياقها وتحت سقف أن الموفد الفرنسي لم يحضر إلى بيروت بنية انتشال المبادرة من مأزقها بل لدراسة مدى سبل نجاحها والبناء على النتائج في الموقف السياسي المستجد.

طوال الاسبوع الماضي سعى الحريري إلى إدخال “مسألة العقوبات” في عنق مسار تأليف الحكومة ولم يبالِ بكل النصائح التي أسديت إليه حول تجنّب المرور بهذا المسرب. لم يكترث. أعاد استنهاض فكرة رفض لقاء اي كتلة سياسية على قاعدة “إنني اؤلف مع رئيس الجمهورية فقط”، وهذا الاستنهاض لم يكن ليحدث لولا بروز عامل إسقاط العقوبات على جبران، أي أنه عملياً حاول استغلال ذلك في محاولة عزل نفسه عن اي لقاء من هذا النوع مع اي كتلة على قاعدة أن اللقاء مع اي رئيس كتلة يفرض لقاء رؤساء كتل آخرين، وطالما أن العقوبات واقعة على احدهم، معنى ذلك أن تجنب أي لقاء أفضل.

ظنَّ الحريري أن هذا الأسلوب سيعفيه من واجباته، لكنه اكتشف لاحقاً أنه عرقل مسار التأليف. رئاسة الجمهورية مثلاً لم تعتد بتبريرات الحريري الراهنة. قرأت في طالع الحريري أنه “غاوي عقوبات”، لذلك اسقطت طبائع التشدّد على مسار التأليف، وفي اللقاء الأخير، إحالته إلى الكتل ليقيم التفاهمات معها ثم يعود إلى القصر حاملاً مسودة. الرئاسة تعلم يقيناً، أنه وحالما يدخل الحريري “كوع الكتل” لن يخرج منها إلا بحكومة من 45 وزيراً وما فوق. هذا يعني أن نصيحة القصر كانت مشروع مشكل ليس إلّا.

من جهة ثانية، كان القصر راضخاً لمطلب الـ18 مقعداً مقابل وزارة الطاقة، الآن وفي ظلّ التغيرات التي حصلت بدل رأيه، بات يسعى خلف حكومة من 24 مقعداً متبنياً نظرة “التيار” بكل تفاصيلها مقرشاً خطاب “السيد” على النحو الذي يُعيد تشكيل “جبهة” تتكفل بإعادة “جبران” إلى الحكومة ولو بعناصر تمثيلية سياسية صريحة. ويرفع القصر سقف طلباته من خلال إعتماد مبدأ إخضاع الوزارات السيادية إلى المنطق، وهذا ما يستدرج “التسييس” إلى التأليف، على إعتبار أن الحالة الراهنة حساسة وتحتاج إلى معالجات، وهذا لن يكون في مقدور أي وزير خالٍ من الدسم السياسي تحقيقها.

لذا، بتنا عملياً في مربع حكومة “إختصا-سياسة” (بإستبدال الصاد بسين) محكومة أن تذهب الحقائب السيادية الأربع فيها + العدل إلى وزراء تسميهم الكتل السياسية الرئيسية.

هنا، ماذا فعل الحريري؟ بتشدده استدرج تشدداً أكبر. بات الآن محكوماً بالتفاوض تحت هذا السقف. قبل أسبوع من الآن كان تفاوضه يدور حول 18 وزيراً بصفة “لا سياسي” بل وتساهم الكتل الرئيسية في تقديم اسماءٍ بناء على لوائح، الآن باتت 5 أحزاب على الأقل تريد إسقاط ممثليها المسيّسين، لماذا؟ لأن لا ثقة بحكومة تحكم في ظل العقوبات بوزراء غير مسيسين و “بلا ركاب”.

وضع من هذا القبيل أدخل الحكومة إلى الثلاجة. ثمة من يجزم أن “نثر” الاجواء الايجابية وتعميمها عبر وسائل الاعلام خلال الايام الماضية لا اسس راسخة له، بل هو كناية عن بث اجواء ايجابية لاستقبال الموفد الفرنسي لا اكثر!

ولكن ماذا عن لقاءات قصر بعبدا؟ تؤكد المصادر أن لا شيء واضح حتى الآن سوى إجراء مسح دوري على عدد فناجين القهوة المشروبة، فكيف يمكن البناء على تفاهمات حكومية في ظل غياب أي “مسودة” حملها الحريري إلى بعبدا، وفي ظل التقلبات الدائمة حيال التسريبات التي تصدر من المرتفعات السياسية؟

هذا كله يقود إلى واقع واحد، أن وضع الحريري معقد، وفيما لو بقيت الامور على حالها السياسية الراهنة، معنى ذلك أن عيدي الميلاد ورأس السنة سيمران فارغين من الاصلاء، وربما تمضي الامور إلى إتجاهات أبعد، طالما أن البعض ربط تأليف الحكومة بالانتخابات الاميركية وهذا يعني بالتالي أن ولادتها محكومة بإنتهاء مفاعيل الانتخابات الاميركية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى