اكتسب صعود كامالا هاريس زخماً منقطع النظير؛ زخمٌ يعود، بدايةً، إلى كونها أوّل امرأة تتولّى منصب نيابة الرئاسة في الولايات المتحدة، وهي نفسها أوّل امرأة سوداء تصبح مدّعية عامة لولاية كاليفورنيا، والأولى المنحدرة – لجهة والدتها – مِن جنوب شرق آسيا، لتحصل على مقعدٍ في مجلس الشيوخ، وربّما تكون أوّل رئيسةٍ مقبلة لأميركا. هذه العوامل مجتمعةً، إلى جانب شخصيتها الكاريزميّة، أسهمت في جعل جو بايدن مقبولاً لدى طيف متنوّع من الأميركيين. لم يكن اختيار هاريس نائبةً للرئيس وليدَ صدفةٍ؛ فهي، وإن وُصفت بالتقدّمية، فَلَيست إلّا صورةً طبق الأصل عن مؤسّسة الحزب الديموقراطي وخياراتها، إن على مستوى السياسات الداخلية، أو تلك الخارجية. وفيها، جرى تغييب بعض آرائها ومواقفها لمصلحة لحظة الانبهار الليبرالية. يمكن فهم ذلك موقّتاً، نظراً إلى الحماسة التي سادت العالم، انطلاقاً من ساحة تايمز في نيويورك، وصولاً إلى قرية ثولاسيندرابورام في ولاية تاميل نادو الهندية، موطن أجداد كامالا.

من نيابة الرئاسة إلى الرئاسة؟
ولدت كامالا هاريس (56 عاماً) في أوكلاند/ كاليفورنيا التي كانت، حينذاك، معقلاً للحريات المدنية والأنشطة المناهضة للحرب. والداها دونالد هاريس، الأستاذ في الاقتصاد، وشيامالا غوبالان، الباحثة في سرطان الثدي، انفصلا لمّا كانت في السابعة، فتعهّدت والدتها بتربيتها مع شقيقتها مايا. بدأ صعودها بعد تخرّجها من جامعة هوارد في العاصمة واشنطن حيث درست الحقوق، وصولاً إلى انتخابها مدعيّة عامة لسان فرنسيسكو لفترتين (2004-2011)، قبل أن تصبح مدّعية ولاية كاليفورنيا. وَصفُ هاريس لنفسها بأنها «مدّعية تقدّمية» جعلها هدفاً للانتقادات؛ فاتُّهمت مِن جانب التقدّميين بتثبيت أحكامٍ قاسية ومعارَضة بعض الإصلاحات في كاليفورنيا. يرى البعض، على غرار بريانا جوي غراي، المتحدّثة السابقة باسم بيرني ساندرز، أنّها قبل أيّ شيء «شرطيّة» انتهجت، حين كانت مدّعية لسان فرانسيسكو، سياسة قمعية طاولت بصورة خاصّة الأقليات. وهي، وفق آخرين، لم تبذل جهداً كافياً للتحقيق في حوادث إطلاق الشرطة للنار، وقضايا أدين فيها مُتّهمون من طريق الخطأ عندما كانت في منصبها. أسهم تأرجح آرائها في الرعاية الصحية وتذبذب موقفها من ماضيها في سلك الادعاء العام، بخروجها باكراً من السباق إلى البيت الأبيض. لكن فوزها بنيابة الرئاسة يضعها قاب قوسين من قيادة الولايات المتحدة، باعتبارها الأقرب إلى نَيل ترشيح الحزب الديموقراطي بعد أربع سنوات، خصوصاً في ظلّ توقُّعات تشير إلى احتمال أن يتوّلى بايدن (77 عاماً) الرئاسة لولاية واحدة.

إسرائيل… الصحراء التي أزهرت
دعم كامالا هاريس المُطلق لإسرائيل يريح الكيان العبري، وإن كان يقلقه تأييدها العودة المشروطة إلى الاتفاق النووي مع إيران. بالنسبة إلى نائبة الرئيس المنتخب، «دعم أميركا لأمن إسرائيل يجب أن يكون صلباً. بينما تستمر إيران في إطلاق صواريخ باليستية وتقوم بتسليح وتمويل وكيلها الإرهابي حزب الله، يجب أن نقف إلى جانب إسرائيل. بينما تسيطر حماس على غزة وتطلق الصواريخ عبر الحدود الجنوبية لإسرائيل، يجب أن نقف إلى جانب إسرائيل…». في خطابها هذا الذي ألقته أمام «إيباك» في عام 2017، كرّرت ما دأب أقرانها في الحزب الديموقراطي على ترداده، فقالت: «اسمحوا لي أن أكون واضحة في شأن ما أؤمن به. أقف إلى جانب إسرائيل بسبب قِيَمنا المشتركة التي تعتبر أساسية جداً لدولتينا». ولأن «الروابط بين الولايات المتحدة وإسرائيل غير قابلة للكسر»، تقول: «لا يمكننا أبداً أن ندع أحداً يدق إسفيناً بيننا… أعتقد أن تلك قضيّة يجب ألّا تكون أبداً حزبيّة».
غالباً ما خرجت هاريس، بصفتها سناتوراً عن كاليفورنيا، دفاعاً عن إسرائيل. عارضت ربط المساعدات للأخيرة بتغيير سياستها في الضفة الغربية، وهو طرحٌ تبنّته النائبة إلهان عمر والسناتور بيرني ساندرز. كانت كامالا، المتزوجة من المحامي اليهودي دوغلاس إمهوف، صريحةً لدى حديثها عن إيمانها بحقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها. ولها أيضاً علاقات صلبة مع «إيباك»، إذ توصف بأنها أكثر ميلاً إلى لوبي الضغط النافذ منه إلى «جاي ستريت». دعمها المتّسق لتل أبيب تجلّى خصوصاً في خلال اجتماعها مع أعضاء اللوبي العام الماضي. «من الرائع أن ألتقي في مكتبي بقادة إيباك في كاليفورنيا لمناقشة الحاجة إلى تحالف قوي بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وحقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها، والتزامي بمكافحة معاداة السامية في بلادنا وحول العالم»، على حدّ تعبيرها. كانت هناك قضيّة واحدة «انحرفت» فيها هاريس عن اللوبي، حين صوّتت ضدّ مشروع «قانون إسرائيل المناهض للمقاطعة» الذي يجرِّم مقاطعة الكيان العبري، على أساس أنه ينتهك حقوق التعبير، أي التعديل الأول في الدستور الأميركي.
حين يتعلّق الأمر بسياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل، تعكس مواقفها، بشكل أو بآخر، الفلسفة «الديموقراطية» السائدة منذ عقد. تؤيّد هاريس حلّ الدولتين، وتؤمن بعلاقة قوية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وترى ضرورةً في استمرار المساعدات العسكرية الأميركية للكيان العبري. «أوضح جو أنه لن يربط المساعدة الأمنية بأيّ قرارات سياسية تتّخذها إسرائيل، ولا يمكنني الموافقة أكثر. ستحافظ إدارة بايدن – هاريس على التزامها بأمن إسرائيل، بما في ذلك التعاون العسكري والاستخباري غير المسبوق الذي كان رائداً أثناء إدارة أوباما – بايدن، وضمان أن إسرائيل ستحافظ دائماً على تفوّقها العسكري النوعي». على عكس بعض الأعضاء الأكثر ليبرالية في التجمّع الحزبي، مثل بيرني ساندرز وألكساندريا أوكاسيو كورتيز، لم تخالف موقف الحزب الداعم تقليدياً لإسرائيل، أو تدعو إلى تغييرات جوهرية في طبيعة التحالف.
تعتقد كامالا أن إسرائيل كانت واحة قاحلة حين استعمرها اليهود، وأن المساعدات التي قدّمتها هي وجيرانها وآخرون لزراعة الأشجار في تلك الأرض، جعلتها تزهر. تقول: «نشأتُ في منطقة على البحر. هناك حيث أتذكّر صناديق جمع التبرعات لزراعة الأشجار في إسرائيل… بعد سنوات، عندما زرتها للمرّة الأولى، رأيت ثمار هذا الجهد والبراعة الإسرائيلية في جعل الصحراء تزهر!».