لبنان أضاع فرصة ثمانية أشهر قبل الموجة الثانية
الأخبار- هيام القصيفي
بحسب اختصاصيين إداريين في القطاع الصحي، أضاع لبنان فرصاً مهمة في احتواء انتشار المرض، بعد مهلة الإقفال الأولى، من خلال تدابير مجتزأة وكيفية وعدم اتخاذ قرارات صائبة في المكان والزمان المناسبين. لكن الأهم أنه أضاع فرصة انحسار الوباء في نهاية المرحلة الأولى بعدم اتخاذ الخطوات الطبية واللوجيستية استعداداً للموجة الثانية. وهو لم يأخذ من التجارب الأوروبية سوى عنوان الإقفال. إذ حمل بعض المسؤولين إلى الاجتماعات الأخيرة لائحة استثناءات تحتمل الكثير من التأويلات وتسمح بحياة شبه طبيعية، كما قال أحد المشاركين، وتكاد تكون أكبر من لائحة المؤسسات التي ستُقفل.
ومنذ شباط الماضي يسود تخبط في كيفية توزيع المسؤوليات والتدابير العملانية – الطبية التي كان يفترض أن تتخذها السلطات الرسمية بالتعاون مع القطاع الاستشفائي الخاص، عدا التنافس بين عدد من المسؤولين والوزراء، خصوصاً بعد الغرق في آليات الفحوص المخبرية عشوائياً. وبعد الرابع من آب جرى التذرّع بالانفجار والمساعدات وإصابة بعض المستشفيات أو انشغال بعضها بمعالجة المصابين، ومن ثم باستقالة الحكومة وتكليف مصطفى أديب ومن ثم الرئيس سعد الحريري، فجرى إهمال الاستعداد لمواجهة المرحلة الثانية مع فصل الشتاء.
في فرنسا التي أكثر ما يحذو لبنان حذوها، كما كل الدول الأوروبية، شُكّلت منذ اللحظة الأولى لانتشار الفيروس خلية خاصة للأزمة، طبية وإدارية، وطاقمٌ خاص للخروج التدريجي من الحجر، وصولاً إلى الحجر مرة أخرى. وفي خطابه، قبل الحجر الثاني، شرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الخيارات وسبل الإفادة من أخطاء المرحلة السابقة وحسناتها لتعزيز المستشفيات والأسرّة وأجهزة التنفس والأدوية والأقنعة وتجهيز الطواقم الطبية. ومع ذلك اتُّخذ قرار الحجر الثاني بعدما بدأت موجة كورونا الثانية أكثر قساوة وتشهد طبياً مستويات عدة وسريعة من التحول تستدعي التعامل معها بحذر أكبر.
منذ شباط، لم تشكل الحكومة خلية إدارة أزمة بالمعنى الفعلي وليس بمعنى لجنة توصيات. ليست مهمة المجلس الأعلى للدفاع أن يكون صاحب قرار كهذا، ولو في غياب الحكومة. والأخيرة لم تتمكّن قبل استقالتها، وبعدها، من تنظيم تنسيق واضح وعملي بين القطاع الصحي الرسمي والخاص، على ضوء مطالبات المستشفيات الخاصة بما لديها من أموال في ذمة الدولة، إلى جانب تقاعس الكثير منها عن الدخول بفاعلية إلى أن تكون عنصراً أساسياً في مواجهة المرض خلال الأشهر الماضية. لم يتم الاستعداد للموجة الثانية (خلال مرحلة التزام الناس بالحجر وكل القرارات الرسمية وحين كان عدد الإصابات لا يزال منخفضاً) لا من خلال ربط المستشفيات الخاصة بآلية عمل ضرورية مقابل الوفاء بالتعهدات المالية، ولا تأمين عدد الأسرّة اللازمة في المستشفيات الحكومية، التي كان وُعد بها اللبنانيون في مرحلة الإقفال الأولى، أو رفع عدد أجهزة التنفس إلى الحد الأقصى الذي يتطلبه إيجاد توازن كافٍ في السباق بين أعداد المرضى والذين يحتاجون إلى هذه الأجهزة.
ومنذ شباط، ومستوردو المعدات الطبية والأدوية على خلاف علني مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في شأن التحويلات المالية، وهؤلاء كان يفترض بالسلطة السياسية أن تحمي أموالهم، لحقهم فيها ولضرورات الوباء والأمراض المستعصية. لكن رغم كل الحملات والتصريحات لا تزال المشكلة عالقة، تخفت أحياناً وترتفع حدّتها أحياناً أخرى، من دون أن تجد حلاً نهائياً. فحين يصبح دواء كالبنادول، وهو من بديهيات أدوية الرشح العادي، مفقوداً لأسابيع أو لأشهر، من دون إيجاد حل جذري، يعني ذلك أن هناك خللاً كبيراً لا يحلّه المجلس الأعلى للدفاع، في التعاطي مع الأزمة الصحية، رغم كل التقارير الإعلامية وصرخات الناس حوله. فكيف بالحري الأدوية الخاصة بالكورونا المرتفعة الثمن وأجهزة التنفس. وهل يمكن للحجر أسبوعين أن يكون كافياً لتُجهز الأسرّة المطلوبة، وتصطلح العلاقة مع المستشفيات الخاصة وتلتزم الأخيرة بمبدأ معالجة مرضى الكورونا من دون استثناء، وتكون أجهزة التنفس كافية لجميع المرضى؟
هذا صحياً، أما معيشياً، فكل إعلانات الإقفال الثاني في أوروبا أُرفقت بحزمة تدابير معيشية ومالية تتعلق بالرواتب والمساعدات وتأمين كل مستلزمات الصحة والاستشفاء والحياة اليومية. ومشكلة اجتماع المجلس الأعلى للدفاع واتخاذه مثل هذه القرارات، أنه معني بتطبيق «أمني» لمنع التجول والغرامات والمفرد والمجوز، من دون إيلاء أي اهتمام للموضوع الاقتصادي، في بلد ينهار يومياً تحت وطأة التدابير المالية التعسّفية والأزمة المعيشية. وهذا يعني أن الإقفال مع كل الاستثناءات التي حصلت، لن يؤتي ثماره المرجوّة، ما دامت مقاربته مجتزأة وسيضع الناس في مواجهة قرار التوقف عن العمل أو تأمين معيشتهم.