يَرفُض مُعظم الحُكّام الجُدد الذين وصلوا إلى الحُكم بفَضل الغزو الأمريكيّ للعِراق الاعتِراف بأخطائهم، ومسؤوليّتهم تفشّي الفساد وعدم إقامة الحُكم الرّشيد، ويَحرِصون دائمًا على اتّهام أيّ ناقد لهم ولهذا الفساد بأنّه من أنصار النّظام العِراقي القديم الذين يُحمّلونه مسؤوليّة كُل الخطايا والإخفاقات رُغم أنّ هذا النّظام تمّت الإطاحة به قبل ما يَقرُب من 20 عامًا.
بالأمس خرج علينا السيّد برهم صالح رئيس العِراق الجديد في خِطابٍ ألقاه، وبثّته قنوات التّلفزة الرسميّة، كشف فيه عن كيفيّة تَغَلغُل الفساد، وسرقة أموال الشّعب العِراقي، وقال ونحن ننقل حرفيًّا: “إنّ حجم الأموال التي تمّ تهريبها إلى خارج العِراق في صفقاتٍ للفساد يُقدَّر بحواليّ 150 مِليار دولار”، وأضاف بأنّه “تقدّم إلى البرلمان العِراقي بمشروع قانون لاستِرداد مِليارات الفساد المنهوبة إلى خزينة الدّولة العِراقيّة”.
الهدف من هذا الكشف، وفي هذا التّوقيت، هو مُحاولة امتِصاص حالة الغضب والاحتِقان التي تسود الشّارع العِراقي من جرّاء فشل الخدَمات العامّة، من ماء وكهرباء وصحّة وتعليم، وارتِفاع مُعدّلات الجريمة والبِطالة، واستِفحال الجريمة والفساد الأخلاقي في مُختلف أنحاء البلاد وفي أوساط مُختلف الطّوائف والأعراف دون أيّ استِثناء.
مُعظم القادمون من العِراق إلى لندن، والغالبيّة العُظمى منهم من أبناء الطائفة الشيعيّة الكريمة، وأعداء النّظام السّابق، يتحدّثون بإسهابٍ مُؤلم عن استِفحال الفساد، وحالة الانهِيار الذي تعيشه البِلاد وبُناها التحتيّة ومنظومتها القيمة، وعدم بناء جامعات حديثة أو طُرق، أو مُستشفيات أو مدارس، إلا ما ندَر.
منظّمة الشفافيّة الدوليّة ومُؤشّرها الرّاصد للفساد في مُختلف دول العالم يضع العِراق ضمن قائمة أكثر خمس دول فسادًا في العالم، وتُقدَّر الأموال التي تمّ سرقتها على مدى السّنوات الـ 18 الماضية بِما يَقرُب من التّرليون دولار، وهي أموال كانت كفيلة بجعل العِراق أكثر ازدِهارًا وتَقَدُّمًا من سويسرا، وشعبه الأسعد على وجه الكُرة الأرضيّة.
نُدرك جيّدًا أنّ الفاسدين الذين نهبوا أموال العِراق، سواءً كانوا في الدّاخل أو الخارج يسنّون سُيوفهم، لتوجيه اتّهامات شتّى لهذه الصّحيفة، ولكنّنا نحن الذين نُحِب العِراق وتاريخه المجيد الذي يمتدّ لأكثر من ثمانية آلاف عام، بِتنا نعتقد أنّ الصّمت على الفساد، ومافياته، بات خِيانةً للعِراق وشعبه العربيّ المُسلم الأصيل، ولن يُرهِبنا هؤلاء.
العِراق ليس بحاجةٍ إلى التّقدّم بمشروع قانون إلى البرلمان لمُحاسبة الفاسدين واستِعادة المِليارات المنهوبة، وإنّما إلى ثورةٍ إصلاحيّة حقيقيّة تستعيد قيم العدالة والسّيادة، وتُعزّز الهُويّة العِراقيّة الجامعة المُوحَّدة التي تتسامى مع كُلّ أشكال الطائفيّة، وتعمل على إنهاء الوجود الأمريكي والمُدافعين عنه باعتِباره المسؤول الأوّل عن كُل المصائب التي حلّت بالعِراق طِوال السّنوات الثّلاثين الماضية.
“رأي اليوم”