الحدث
ارتكب خطيئة لا تغتفر.. الرئيس اللبناني الأسبق “إميل لحود”: يجب احالة “السنيورة” رئيس وزراء لبنان الاسبق للمحاكمة.
ثمّة خطايا لا تغتفر في السياسة نظراً لانعكاساتها التي لا تقف عند حدود السياسة. خطايا تصبح مع مرور الزمن بمثابة جرم وطني كلما تضاعفت تداعياتها وانسحبت على المال والاقتصاد والأمن وغير ذلك من القضايا.
ولا شك أنّ الارتكابات التي حصلت على الساحة السياسية اللبنانية كثيرة، ففي ذلك حدّث ولا حرج. إلا أنه وكما يقال “خطأ عن خطأ يفرق”. الخطأ أو الخطيئة الكبرى التي ارتكبها رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة بحق الحدود البحرية اللبنانية ـ في حكومة “بتراء” منزوعة الشرعية ـ لن تغتفر. ولمن لا يعلم، أوفد السنيورة عام 2007 ، ومن دون أي قرار من مجلس الوزراء، ومن دون أي تشاور مع رئيس الجمهورية آنذاك العماد إميل لحود، مدير عام النقل البري والبحري عبد الحفيظ القيسي الى قبرص للتفاوض باسم لبنان على الحدود البحرية اللبنانية ـ القبرصية. خلصت اللقاءات الى وضع “النقطة 1” كأقصى النقاط الجنوبية لحدود لبنان البحرية القبرصية. الأمر لم ينته عند هذا الحد، بل فوّض الوفد اللبناني قبرص التفاوض مع كيان العدو على الحدود البحرية باسم لبنان بدون أي مسوّغ قانوني ولا دستوري.
المصيبة الكبرى ليست في الشكل فقط، بل في المضمون الذي كلّف لبنان أثماناً باهظة. وكانت الخطوة بمثابة هدية ـ سواء عن قصد أو غير قصد ـ قدّمت لكيان العدو الذي وضعها كحجة لانتزاع وقضم حقوق لبنان البحرية والنفطية والغازية بعدما تمّ التراجع من “النقطة 23” إلى “النقطة 1” وهو ما اعتبره كيان العدو بمثابة ترسيم نهائي بين لبنان وقبرص.
تعامل العدو مع “النقطة 1” على أنها قاعدة لترسيم الحدود بين لبنان والكيان، مدرجاً المطالبات اللبنانية المحقة في خانة الادعاءات والمزاعم. وبذلك تكون خطيئة السنيورة قد أضاعت على لبنان لسنوات وسنوات حق حفظ حقوقه الواضحة بالخرائط والصور عبر التراجع الى “النقطة 1” وطعنت موقفه الرسمي اللبناني في الظهر، ليبدأ لبنان رحلة جديدة من المفاوضات على أمل أن يتمكّن من انتزاع حقوقه في أسرع وقت ممكن.
الرئيس لحود: ما اقترفه السنيورة غير دستوري
ذاكرة رئيس الجمهورية الأسبق العماد إميل لحود حاضرة لاستذكار حدود لبنان وحقوقه بالكيلومترات. يسترجع الرئيس لحود المحطة التفاوضية، فيشدّد في حديث لموقع “العهد” الإخباري على أنّ ما ارتكبه السنيورة مخالف للدستور تماماً؛ ففي أواخر عام 2006 أصدرنا قراراً بأنّ حكومة السنيورة غير ميثاقية وليس باستطاعتها اتخاذ القرارات، وعلى هذا الأساس اعتبرناها غير موجودة بدليل أنّ كل القرارات التي كان يرسلها لي السنيورة منذ 2006 وكنت إبانها رئيسا للجمهورية كنت أعلّق عليها بالكتابة “غير ميثاقي وغير شرعي”. وهنا يؤكّد لحود أنه تفاجأ مؤخراً بتداول خبر إرسال السنيورة للوفد الى قبرص في وسائل الإعلام. حينها، لم يصلني أي خبر من هذا القبيل ـ يقول الرئيس لحود ـ الذي ينفي علمه لا من قريب ولا من بعيد بهذه الخطوة التي لا تقف عندي كرئيس للجمهورية، بل هناك مجلس وزراء يجب أن يتّخذ القرار ولا يحق للسنيورة أن يتصرف من عنده، يضيف لحود.
السنيورة يجب أن يحال الى المحاكمة
رئيس الجمهورية الأسبق الذي يتحدّث بلهجة استنكار عالية لما ارتكبه السنيورة، يؤكّد أنّ البلد الذي يحترم نفسه يحيل السنيورة الى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء لمحاسبته. لكن للأسف منذ الاستقلال حتى اليوم لم تحاكم محكمة الرؤساء أحداً.
خطوة السنيورة أخذت من حقوق لبنان
الى أي مدى ساهمت خطوة السنيورة في إضعاف موقف لبنان التفاوضي؟ هذه الخطوة أخذت من حقوق لبنان ـ يقول الرئيس لحود ـ الذي يسترجع التاريخ لافتاً الى أنّ المنسق الدولي لما تسمى “عملية السلام” في الشرق الأوسط آنذاك تيري رود لارسن وعندما جاء الى لبنان للحديث في مسألة الخط الأزرق، كان الصهاينة مصممين على الانسحاب على أثر عدم تحملهم البقاء تحت ضربات المقاومة والجيش اللبناني. حينها “ترجانا لارسن” وقال بأن لا وقت لدينا لترسيم خطوط جديدة فلنسر على الخط الأزرق. وعليه، يُشدّد لحود على أنّ رأس الناقورة “فقش الموج”هي النقطة الحدودية في البر بحسب الاتفاقيات الدولية، وبناء عليها تبنى حدودنا في البحر.
ويتابع الرئيس لحود “كانت النتيجة في حينها القصة الشهيرة مع وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت التي بقيت تهاتفني لمدة خمس ساعات لإقناعي بأنّ الانسحاب تم ـ وهو ما لم يكن قد حصل ـ حيث أكّد وقتذاك الضابط أمين حطيط أنه بقي مساحة 17 مليون و756 الف و600 متر مربع لم يتم الانسحاب منها، فأخبرت أولبرايت بهذا الواقع وبأنني لا أستطيع القول إن الانسحاب تم وهو لم يحصل، فحصل جدال دفع بي في حينها الى إقفال الهاتف في وجهها”.
يبدو أن للسنيورة حسابات شخصية
يعود الرئيس لحود ليستذكر خطوة السنيورة بالتأكيد أنه لم يكن على علم مطلقاً بها، فلو عرفت في وقتها ـ ولو كنت وحدي ـ لما سكتت. وفق لحود، فعلة السنيورة بإرسال القيسي كانت نتيجتها تغيير النقطة التي وضعت عام 2000 عندما حصل الانسحاب، لكن للأسف لا أحد يقرأ ما حصل في الماضي. لماذا قام السنيورة بهذه الخطوة؟ يعيد الرئيس لحود التأكيد أنّ الخطوة مخالفة للدستور، مضيفاً: “يبدو أن للسنيورة حسابات شخصية”. وهنا يُشدّد الرئيس لحود على أنّ السنيورة يجب أن يحاكم منذ زمن ليس في هذا الملف فقط، بل بالسرقة أيضاً. سرقوا الشعب ونهبوا أمواله في المصارف ولا أحد يتحدّث بالأمر للأسف بسبب الخطوط الحمر الموضوعة.
ما تداعيات هذه الخطوة على لبنان؟ ألم تخدم العدو الصهيوني سواء عن قصد أو غير قصد؟ يجيب الرئيس لحود بالقول: ” بالتأكيد، فنحن اليوم وبسبب ما قام به السنيورة، يقولون لنا سنعطيكم الـ860 كيلومتراً المختلف عليها، بينما في الواقع هذه المساحة لنا بأكملها تضاف اليها مساحة 1430 كيلومتراً أي ما يعادل 2290 كيلومتراً”.
رواية الحدود
ما حدود لبنان الثابتة؟ برأي الرئيس لحود، من السهل جداً تحديد حدود لبنان عبر الرجوع الى القوانين الدولية بعيداً عن السنيورة وغيره. هؤلاء المتآمرون نعرفهم. حدودنا بحسب القوانين الدولية معروفة. اتفاقية “بوليه ـ نيوكمب” التي تمت عام 1923 تنص على الحدود البرية مع فلسطين المحتلة. هذه الحدود تحدّد حدودنا في البحر. ويشير لحود الى أنه عندما حصل الخلاف مع أولبرايت اتخذ القرار في مجلس الأمن بأن الانسحاب تم وقد تم التصويت على هذا الأمر. حينها، أعطيت الأمر للجيش اللبناني بأن لا يقترب من أماكن انسحاب الصهاينة.
بعد شهرين وبسبب انزعاج الاحتلال الصهيوني صاحب اليد الطولى بواسطة الولايات المتحدة الأميركية، أتى إدوارد ووكر المساعد الأول لأولبرايت وطلب موعداً مني ـ يقول الرئيس لحود ـ لتنهال بعدها كلمات الترجي بضرورة إرسال الجيش اللبناني بسبب مخاوف الصهاينة من ضربات المقاومة لعدم وجود جيش فاصل بين الصهاينة وحزب الله. “ترجى ووكر” وطلب انتشار الجيش اللبناني لملء الفراغ الذي انسحب منه “الاسرائيلي”، فقلنا له عندما تردون لنا الـ18 مليون متر مربع ينتشر الجيش ويملأ الفراغ. آنذاك ورغم صدور القرار في مجلس الأمن تراجع الصهاينة واسترددنا الـ18 مليون متر مربع يشدّد لحود على أننا لم نرض بأن يكون الخط الأزرق بمثابة الحدود، فسُجّل أن خطنا هو اتفاقية “بوليه نيوكمب”. وعليه، استرجعنا 10 نقاط وبقيت ثلاث نقاط محل خلاف تركت للبحث لاحقاً.
بعد عام 2006، وعندما تحقّقت هزيمة “اسرائيل”، دخل الصهاينة قبل أن ينسحبوا، لكنهم لم ينسحبوا من الـ13 نقطة، وقد تفاجأت بعدما تركت سدة الرئاسة ـ يقول لحود ـ بأنّ النقطة التي وضعناها في الناقورة من بعد الانسحاب “الإسرائيلي” والخلاف مع الأمم المتحدة، قسّمها “الاسرائيليون” في عهد ميشال سليمان على أراضينا وهذا ما أحدث فرقا في الكيلومترات في البحر. كما تفاجأنا منذ أيام أنّ الكيان “الإسرائيلي” يطالب لبنان بالـ860 كيلومترا ًمربعاً بينما هذه المساحة من حقنا، ولنا فوقها 1430 كيلومتراً.
مكمن قوتنا بالتفاعل الحاصل بين الجيش الوطني والمقاومة
وفي ختام حديثه، يشدّد الرئيس لحود على أنّه لا سبيل للانتصار على “اسرائيل” سوى بجيش وطني ووجود مقاومة تكمل بهذا الأمر، لأنّ أميركا وفرنسا “الأم الحنون” وغيرهما من الدول لا تسمح لنا باستقدام سلاح قوي لمجابهة “اسرائيل”، وعليه فالطريقة الوحيدة هي المقاومة. لكن للأسف لم يتجرأ أحد على قول هذه الحقيقة على طاولة الحوار. وفق الرئيس لحود، فإنّ مكمن قوتنا هو التفاعل الحاصل بين الجيش الوطني والمقاومة والذي يجعل “اسرائيل” تفكر عشر مرات قبل أن تأخذ حقوقنا. لولا ذلك، لكانت “إسرائيل” “دعست” على حقوقنا ووصلت الى الليطاني كما حاولت مراراً. للأسف، لا أحد يستطيع أن يقول ذلك بسبب حساباته الشخصية. قوتنا بالقانون الدولي ومن يحافظ عليها هو الجيش الوطني والمقاومة، يختم رئيس الجمهورية الأسبق.
المصدر: العهد