ارشيف الموقع
لدور السعودية القذر جداً في الحرب على الشعب العراقي.. كاتب جزائري لـ “إبن أمه” بندر بن سلطان: قل لهم شيئا عن احتلال العراق “مستر بندر بوش”.
توفيق رباحي
لن يختلف عاقلان حول ثراء «المونولوغ» التلفزيوني الذي أداه بإتقان الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز الأسبوع الماضي. ولا خلاف حول كثير مما قاله عن القيادة الفلسطينية في الماضي والحاضر.
لكن «العرض» كله كان حقا أُريد به باطلا. أولالأنه ركّر فقط على الموضوع الفلسطيني بينما في جعبة الأمير بندر، بحكم ماضيه الدبلوماسي، ما يكفيه للحديث ألف ساعة تلفزيونية وكشفِ آلاف الأسرار. وثانيا لأن العرض كان تمهيدا لاستباق ردود الفعل المرتقبة عندما تركب السعودية قطار التطبيع مع إسرائيل يوما، وهي ستفعل عاجلا أم آجلا.
كما أوضح السفير والمبعوث الأمريكي السابق للشرق الأوسط، مارتن إنديك، لصحيفة «نيويورك تايمز» ما كان الأمير بندر ليدلي بذلك الكلام الصريح والقبيح، وفي قناة تلفزية تحت يد ولي العهد السعودي، لولا موافقة الأخير وتشجيعه.
أغلب الذين استشهد بهم الأمير بندر ماتوا، إذًا لا أحد يستطيع أن يؤيد كلامه أو يكذّبه (مثلا: لم يقل مرة واحدة «كان محمود عباس معنا، اسألوه» أو «صائب عريقات كان موجودا وهو لا يزال على قيد الحياة»). ولم يكن هناك قبالته مُحاوِر فذّ يستوقفه أو يجادله في معلومة ما. هذه تفاصيل صغيرة تقلل من مصداقية كلام بندر، لكن «اعترافاته» في زمن القحط العربي والجوع للمعلومة التاريخية، تشكل بالتأكيد إضافة محمودة وإنْ احتاجت إلى غربلة.
لا أؤمن بأن قرارات القادة الفلسطينيين، طيلة العقود السبعة الماضية، التي هاجمها الأمير بندر بألفاظ لا تليق بمقامه، كانت وليدة غباء سياسي أو خيانة مقصودة. أُرجّح أنها كانت وليدة لحظتها وسياقاتها. وكانت مبنية على سوء تقدير وقصر نظر، وثمرة ضغوط داخلية وإقليمية. لذلك كانت أغلب تصرفات القادة الفلسطينيين وقراراتهم، حتى الاستراتيجية منها، خائبة وخاطئة (بمقاييس اليوم وليس مقاييس تلك الأيام والظروف). لكنها تشبه في إخفاقها كثيرا من القرارات التي اتخذتها دول وقيادات المنطقة آنذاك ولاحقا.
القيادة الفلسطينية هي الخروف الأسود في قطيع السياسة العربية. سيجد أيّ دبلوماسي عربي تاجر بالقضية الفلسطينية ما يشاء من الأعذار لمهاجمتها ومعايرتها، عن حق وعن باطل. لكن بما أن الأمير بندر قرر «فتح قلبه» لشعبه (كما كرر أكثر من مرة) وقرر مصارحته بالحقائق، أتمنى، وأتوقّع أن الكثير من المشاهدين والجمهور العربي يتمنون معي، أن يواصل شجاعته ويصارح العالم بما يعرف عن في الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003.
نكسة العراق لا تختلف كثيرا عن نكسة الفلسطينيين. صدام حسين وحزب البعث يشبهان كثيرا ياسر عرفات ومنظمة التحرير. إنّي على يقين أن هذا التشابه سيجعل «اعترافات» الأمير بندر عن احتلال العراق ثمينة وأكثر أهمية مما قاله عن الموضوع الفلسطيني. وسيجلب له حديثه، لو تَشجَّع، عن دوره الشخصي ودور بلاده في الشهور التي سبقت احتلال العراق، الكثير من الاحترام، لجهة أنه امتلك شجاعة الإدلاء به. أما المسؤولية التاريخية، فتلك قضية، بل مصيبة، أخرى.
القيادة الفلسطينية هي الخروف الأسود في قطيع السياسة العربية. سيجد أيّ دبلوماسي عربي تاجر بالقضية الفلسطينية ما يشاء من الأعذار لمهاجمتها ومعايرتها، عن حق وعن باطل
لحسن حظ الأمير بندر أن العرب، وضمنهم السعوديون والعراقيون، لا يقرأون. وعليه أن يحمد الله أن دُور النشر والترجمة العربية غارقة في سبات حال دون انتباهها لأهمية ترجمة كتاب بوب وودورد «خطة هجوم».
يوصف وودورد بأنه مؤرخ آني تخصص، بلا منافس، في شؤون وأسرار البيت الأبيض من الداخل. كتابه الصادر في 2004، يتضمن وثائق ومعلومات عن الشهور التي سبّقت احتلال العراق ومهّدت له.
يبدأ الموضوع في أعقاب هجمات أيلول (سبتمبر) 2001، بتحريض سعودي كبير، على الرغم من أن أغلب الإرهابيين سعوديون وليس بينهم عراقي واحد.
المحرّض الأول بامتياز هو الأمير بندر. يتسرب للقارئ من بين سطور الكتاب أن الأمر يتعلق بحقد شخصي من بندر والقيادة السعودية على صدام حسين، أكثر منه تخطيطا استراتيجيا ذكيا وبعيد النظر.
كان صدام حسين في حالة ضعف وعزلة تستطيع السعودية إقناع الأمريكيين بمفاوضته وانتزاع منه ما تشاء، لكنها فضلت التحريض على أسوأ الحلول.
استغل بندر وظيفته سفيرا للمملكة في واشنطن وعلاقته الشخصية الوثيقة مع آل بوش فأغدق عليهم بالهدايا وكثّف ضغوطه وتحريضه إلى أن حلّت الليلة المشؤومة: الخميس 20 أذار (مارس) 2003.
قرأتُ الكتاب عندما صدر قبل 16 عاما، وعُدتُ لقراءته هذه الأيام لمناسبة هذا المقال. أقول بلا تردد: على العراقيين أن يعرفوا أن مَن حرّض على حرق بلادهم هي القيادة السعودية، على رأسها الراحل الملك عبد الله (كان ولي عهد آنذاك لكنه الحاكم الفعلي بحكم مرض الملك فهد) والأمير بندر شخصيا.
على الباكين على الاحتلال الإيراني للعراق أن يثقوا بأن أمريكا سلّمت العراق لإيران على طبق من ذهب بتحريض مباشر من القيادة السعودية وذراعها الضاربة في واشنطن «بندر بوش» كما يُسمّى في الأوساط السياسية الأمريكية كناية على تغلغله بين آل بوش.
يذكر وودورد أن «بندر بوش» كان يزور المكتب البيضاوي بسهولة شديدة وبدون ترتيبات مسبقة. يذكر أنه كان لا يتوقف عن حضِّ الرئيس جورج بوش الإبن على التعجيل ببدء العمليات العسكرية، وأنه تحمَّس لاحتلال العراق أكثر من بعض القادة الأمريكيين. كان يتوسل لبوش كي ينتزع منه وعدًا بأن يُبلغه بساعة الصفر قبل غيره من السفراء والمسؤولين.
كان التنسيق يوميا بين «بندر بوش» والأمير عبد الله. كلما خرج بندر من لقاء مع بوش، هاتف وليّ العهد في الرياض بسرعة لوضعه في الصورة.
كان يأخذ كل احتياطاته لمنع التنصت على مكالمته. اتفق الرجلان على كلمة سر عن بداية القصف، هي «الرعد».. «سترعد قريبا طال عمرك» «وعدني بأن الرعد آت الله يسلمك» هي بعض رسائل بندر لعبد الله.
مسؤولية بندر الأخلاقية في مأساة العراق والعراقيين منذ 2003 من الخطورة بحيث أنه لو قضى بقية عمره يعتذر منهم الليل والنهار ويطلب الغفران، فلن يكفيه. ومسؤوليته الجنائية والسياسية بحجم مسؤولية بلير وبوش الإبن، تستدعي محاكمة دولية، لو كان في الدنيا عدل.
والآن، هل هناك اختلاف بين تصرفات «بندر بوش» والقيادة السعودية من 2001 إلى 2003 وتصرفات «أبوعمار» والفلسطينيين في السبعينيات والثمانينيات؟ إنها تتشابه من حيث كونها جميعا وليدة لحظتها وسياقها وظروفها. وتتشابه في أن عواقبها كلها كارثية. هناك، في المقابل، فروق لصالح الفلسطينيين، منها أن قراراتهم لم تكن وليدة حقد شخصي على قائد معيّن وخوف مَرَضي من بلد جار، ولم تحرق الشرق الأوسط بأكمله، ولم تنجب هذا الإرهاب العالمي الذي لا خلاص منه حتى بعد قرن.
ختاما، لا عزاء للفلسطينيين، فما تسمى وزارة الخارجية في ما تسمى السلطة الفلسطينية أصدرت خطابا (09/10/2020) لدبلوماسييها وموظفيها يمنعهم من التعليق على بندر أو كلامه بأي شكل وتحت أي ظرف. ويهدد الخطاب أي مخالف لمضمونه بالمحاسبة. يعني: اسمع التقريع والشتائم واخرس!
كاتب صحافي جزائري
أقلام حرة
المصدر: توفيق رباحي