حزب الله وأمل يُبلغان رئيس الجمهوريّة تحفّظهما على مشاركة مدنيّين في الوفد المفاوض / مناخات إيجابيّة لصالح تسمية الحريري وانفتاحه على حلحلة العقد… وباسيل يرفع السقف تجاذبات وغموض يُحيطان بملفَّيْ الحكومة والمفاوضات عشية استحقاقات اليوم والغد
كتب المحرّر السياسيّ-البناء
اليوم موعد بدء الجلسة الأولى لانطلاق المفاوضات غير المباشرة الخاصة بترسيم الحدود برعاية أمميّة ووساطة أميركيّة، وكل شيء جاهز لانطلاقها بما في ذلك وصول معاون وزير الخارجية الأميركية ديفيد شينكر الى بيروت للمشاركة في افتتاح المفاوضات، باستثناء وحدة الموقف الداخلي حول تفاصيل المشاركة اللبنانية، وغداً موعد الاستشارات النيابية لتسمية رئيس مكلف بتشكيل الحكومة الجديدة، وكل شيء يشير إلى ترجيح كفة تسمية الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري باستثناء ظهور مستجدّ للعقدة الأصليّة التي لم ينجح الحريري بحلحلتها، وهي علاقته بالتيار الوطني الحر ورئيسه النائب جبران باسيل.
مصادر متابعة لملف التفاوض تؤكد أن قيادة حزب الله وحركة أمل أبلغت رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تحفظها على مشاركة مدنيين في الوفد المفاوض وتمسكها باعتماد صيغة التفاوض المشابهة للجنة تفاهم نيسان عام 96 والقائمة وفقاً لاتفاق الإطار الذي أعلنه رئيس مجلس النواب نبيه بري على اعتماد وفد عسكريّ صرف، فيما نقلت المصادر عن تمسك رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بتركيبة الوفد المكوّن مناصفة من شخصيتين مدنيتين وشخصيتين عسكريتين ورئاسة عسكري، مع إيضاح أن المدنيين يشاركان بصفتهما متعاقدين مع الجيش وليس كمدنيين، ويقوم تمسك حزب الله وحركة أمل بالصيغة العسكرية التفاوضية على اعتباره كجزء من كل، فمناخ التفاوض جزء منه والشكل بعض المضمون، ولبنان معني بعدم تقديم أي إشارات تُسهم بفتح الشهية الأميركية الإسرائيلية على طلب المزيد وممارسة المزيد من الضغوط بهدف نيل هذا المزيد من الطلبات. والمطلوب وفقاً للثنائي هو التشدد في التحفظ في كل التفاصيل بما فيها عدم الوقوف وراء المادة 52 من الدستور كمرجعية لإشراف رئيس الجمهورية، وهو أمر ليس موضع منازعة مع أحد، وثمة إجماع على دور الرئاسة كسقف لوفد التفاوض، لكن الأفضل عدم الإيحاء بأن الهدف هو الوصول إلى معاهدة دولية مع العدو، بل إنجاز ترسيم تقني عسكري يتولاه الجيش أسوة بما جرى على النقاط المرسمة والمتفق عليها في الحدود البرية وبالطريقة ذاتها، ويمكن للرئيس بموجب المادة 49 أن يتصرف كقائد أعلى للقوات المسلحة، وبمارس مرجعية أحادية تزيل كل إلتباس حول تداخل الصلاحيات مع رئيس الحكومة وما تمت إثارته حول هذا الموضوع، وحتى منتصف الليل كان موقف الفريق الرئاسي في بعبدا على حاله، فيما تنتظر قيادة حزب الله وحركة أمل حتى صباح اليوم، لرؤية ما إذا كان ثمّة توزيع لمهام الوفد يشكل مخرجاً بحيث يقيم نصف الوفد غير العسكري في بعبدا او قيادة الجيش اثناء جلسات التفاوض ويُحصر الحضور في الناقورة بالوفد العسكري، وتوقعت المصادر إذا بقي الوضع على ما كان عليه صدور موقف علنيّ من حزب الله وحركة أمل يُظهر التحفظات ويحذّر من تداعياتها، وحول ما إذا كان ذلك يؤذي قدرة لبنان التفاوضية، ويضعف قدرة الوفد التفاوضي على مواجهة الضغوط، قالت المصادر، ربما يكون للموقف المتحفظ دور عكسيّ، فيعلم الأميركي والإسرائيلي أن الوفد المفاوض لا يملك تفويضاً مفتوحاً وأنه تحت المجهر، وأن كل ما يقوم به ويصدر عنه تحت التدقيق، فيعوض ذلك خطأ التساهل في تكوين الوفد.
في الملف الحكوميّ وضع مشابه، كما تقول المصادر المواكبة للاتصالات التي يجريها الرئيس الحريري والوفد المكلف من قبله بإكمال الاتصالات مع الكتل النيابية، والذي يلتقي اليوم كتلة الوفاء للمقاومة وتكتل لبنان القوي، حيث اختصرت المصادر المشهد بالقول، إن ترجيح فوز الحريري بتسميته رئيسا مكلفا هو العنوان، خصوصاً مع ما تبلغته المراجع المعنية بمرونة حريرية في التعامل مع العقد العالقة، فيما يخص شكل الحكومة وتوازناتها وتمثيل القوى السياسية فيها، وهو ما بدأت مفاعيله مع حلحلة في عقدة تمثيل النائب السابق وليد جنبلاط، وأشارت المصادر إلى أن كلام النائب جبران باسيل وسقفه العالي في مخاطبة الرئيس الحريري، متوقع في ضوء التفاوض الجاري حول الملف الحكومي، متوقعة أن يكون اليوم حاسماً على صعيد توضيح الصورة الحكومية، مع استبعاد تأجيل الاستشارات النيابية من موعد الغد.
وفيما تنطلق اليوم الجولة الأولى من مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان والعدو الإسرائيلي في الناقورة، بدأ وفد كتلة المستقبل جولته على الأحزاب والكتل النيابية للإطلاع منها على موقفها من عمليّة التكليف والتأليف عموماً وبنود المبادرة الفرنسية عشية الاستشارات النيابية المحتمل تأجيلها بحسب مصادر متابعة في ظل عدم التوصل الى اتفاق على مبادرة الحريري لتكليفه تأليف الحكومة.
واستهلّ الوفد جولته من بنشعي وضمّ رئيسة كتلة المستقبل النيابية بهيّة الحريري والنائبين سمير الجسر وهادي حبيش، والتقى على مدى ساعة رئيس تيار المردة سليمان فرنجية بحضور النائبين فريد هيكل الخازن وطوني فرنجية.
وبعد اللقاء، أعلن فرنجية «أننا سنسمّي سعد الحريري في الاستشارات النيابية»، متمنياً ان «يتم تشكيل الحكومة بانسيابية». واكد انه «يدعم المبادرة الفرنسية كما صدرت في لقاء قصر الصنوبر، وأنه في الأساس رشح الرئيس الحريري امام الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون».
ثم التقى الوفد رئيس حزب الطاشناق أغوب بقرادونيان ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع على أن يزور قيادة التيار الوطني الحر في ميرنا الشالوحي ولم يعرف ما اذا كان رئيس التيار جبران باسيل سيحضر اللقاء أم لا. كما سيلتقي الوفد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة في حارة حريك.
وذكرت المعلومات أنّ الرئيس الحريري لن يعقد المزيد من اللقاءات السياسيّة، بعد لقائه الرئيسين ميشال عون ونبيه بري، وأنه سيكتفي باللقاءات التي سيجريها وفد كتلة المستقبل النيابيّة وهو ليس الآن في وارد لقاء باسيل. كما أفادت المعلومات أنّ الحريري لن يقبل بتأجيل الاستشارات لما بعد الخميس ولن يعطي فرصة لحصول ذلك لأن خريطة الطريق التي وضعها واضحة.
وبحسب ما تقول أوساط سياسية لـ«البناء»، فإنّ التيار الوطني الحر لم يحسم موقفه بعد لجهة تكليف الحريري مشيرة إلى «أنه بانتظار أن يجيب الحريري على بعض الالتزامات والاستيضاحات التي طلبها التيار لجهة شكل الحكومة والوزراء وبرنامج عمل الحكومة، وفي حال لم تنجح المفاوضات مع الحريري، فلن تسمّي كتلة لبنان القوي رئيس المستقبل، لا سيما أن طرح الحريري غير واقعي لجهة حكومة الاختصاصيين ومستقلة عن الأحزاب السياسية ما يخالف مضمون وروح المبادرة الفرنسية».
وفي حال لم يصوّت التيار للحريري فإنه سيواجه الميثاقية المسيحية، خصوصاً أنّ كتلة القوات لن تسمّي الحريري بحسب ما رجّحت المعلومات، فيما تشير معلومات اخرى الى ان كتلة نواب فرنجية والنواب المسيحيين المستقلين يمكن أن يؤمنوا الميثاقية المسيحية في استحقاق التكليف.
وتكشف مصادر مطلعة لـ«البناء» إلى أنّ الرئيس عون لم يعد الحريري بالموافقة على طرحه بل طلب منه، كما طلب من السفير مصطفى أديب وأي مرشح آخر بأن يتواصل مع الكتل النيابية والعودة إليه بحصيلة المشاورات.
باسيل
وسجل النائب باسيل سلسلة مواقف في كلمة له أمس أشّرت إلى رفض التيار لمبادرة الحريري بتأليف حكومة اختصاصيين من دون مشاركة الكتل النيابية بما يكرر تجربة وشروط مصطفى اديب، وقال باسيل: «ليس على علمنا ان الرئيس ماكرون عيّن مفوضاً سامياً ليكون Prefet أو مشرفاً عاماً على مبادرته ليقوم بفحص الكتل النيابية ومدى التزامها بالمبادرة». ورأى أن «مَن يريد أن يرأس حكومة اختصاصيين يجب أن يكون هو الاختصاصي الأوّل، او «يزيح لاختصاصي»، ومن يريد ترؤس حكومة سياسيين، فحقّه ان يفكّر اذا كان هو السياسي الأوّل، ومَن يحبّ ان يخلط بين الاثنين، «بدو يعرف يعمل الخلطة، بس بلا تذاكي وعراضات إعلاميّة». وتابع: «باختصار: «لا يمكننا أن نقبل بشخص يستمر بالقول إن بعد 30 سنة نريد المحافظة على السياسة نفسها ونفس الأشخاص ويتوقّع نتائج مختلفة عن سرقة أموالنا وودائعنا وسحبها وخطفها للخارج». وأشار إلى أن بحسب القول الشهير «الغبي هو يلّي بيعمل نفس الشي مرتين وبنفس الأسلوب وبيتوقّع نتائج مختلفة».
أما اللقاء بين الحريري ورئيس المجلس النيابي نبيه بري فكان إيجابياً بحسب المعلومات، ومن الحلول المطروحة هو أن يسمّي الرئيس برّي شخصية لوزارة المالية يوافق عليها الحريري.
أما حزب الله، فلديه أسئلة سيوجّهها للحريري تتعلّق بالوضع السياسي والسياسة الخارجية والملف الاقتصادي لا سيما ما يرتبط بشروط صندوق النقد الدولي.
ومن المتوقع أن يزور وفد كتلة المستقبل مقر كتلة الوفاء للمقاومة ظهر اليوم للقاء رئيس الكتلة النائب محمد رعد.
من جهتها أعلنت مصادر حزب «القوات اللبنانية» أن ليس هناك أيّ توجّه لتسمية الرئيس سعد الحريري فليس هناك أي تغيير يؤدي إلى تبديل موقف القوات.
وأشارت مصادر «القوات» الى أن «قرار المشاركة في الاستشارات لم يُتخذ بعد وسيكون هناك اجتماع في معراب اليوم لاتخاذ الموقف المناسب».
اما الحزب الاشتراكي فلم يحدد موقفه النهائي لكن بحسب المعلومات فقد حصل تواصل بين المستقبل والاشتراكي لترتيب الاجواء بينهما للتوصل الى تفاهم يؤدي الى ترشيح كتلة اللقاء الديمقراطي للحريري لكن حتى ليل امس لم يتم التوصل الى تفاهم بحسب معلومات «البناء». وأوضح عضو اللقاء الديمقراطي النائب بلال عبدالله لـ«البناء» أنّ مقابلة جنبلاط الأخيرة كانت جردة حساب مع مختلف الأطراف لا سيّما الحريري الذي وجّه سهام كلامه لجنبلاط في مقابلته الأخيرة، ولفت عبدالله إلى أنّ الكتلة تقوم بمشاورات لتحديد موقفها النهائي غداً من استحقاق الاستشارات وكل الاحتمالات واردة، مبدياً استغرابه كيفية طرح الحريري لحكومة اختصاص وهو رئيس حكومة سابق ورئيس تيار سياسي. كما يؤكد أنّ الاشتراكي لن يستقبل وفد المستقبل كرسالة اعتراض على سلوك الحريري تجاه المختارة؛ ويسال عبدالله لماذا يحتكر الحريري الحصة الوزارية السنية؟ ومن قال إنّ تمثيل جنبلاط محصور فقط بالدروز؟
مفاوضات الترسيم
على صعيد آخر تتجه الأنظار الى الناقورة اليوم حيث تنطلق أولى جولات التفاوض بين لبنان والعدو الاسرائيلي حول ترسيم الحدود البحرية، برعاية الامم المتحدة في الناقورة، وحضور نائب وزير الخارجية الأميركية دافيد شينكر، ومعه السفير الذي سيكلف متابعة الملف جون ديروشر.
وعقد عون سلسلة لقاءات تحضيراً لجولة المفاوضات، فرأس اجتماعًا ضم نائبة رئيس الحكومة وزيرة الدفاع زينة عكر وقائد الجيش العماد جوزف عون وأعضاء فريق التفاوض: رئيس الوفد العميد الركن الطيار بسام ياسين، الأعضاء: العقيد الركن البحري مازن بصبوص، عضو ادارة قطاع البترول المهندس وسام شباط، الخبير الدكتور نجيب مسيحي.
وخلال الاجتماع، أعطى الرئيس عون توجيهاته الى اعضاء الوفد المفاوض مشددًا على ان هذه المفاوضات تقنية ومحددة بترسيم الحدود البحرية، وان البحث يجب أن ينحصر في هذه المسألة تحديدًا، لافتًا الى ان جلسات التفاوض ترعاها وتستضيفها الامم المتحدة، وأن وجود الجانب الأميركي في الاجتماعات هو كوسيط مسهّل لعملية التفاوض. وأوصى رئيس الجمهورية أعضاء الفريق بالتمسك بالحقوق اللبنانية المعترف بها دوليًا والدفاع عنها، متمنيًا لهم التوفيق في مهمتهم.
ويلفت الخبير العسكري والقانوني العميد أمين حطيط لـ«البناء» الى أنّ «الوفد الذي شكّله رئيس الجمهورية لم يخرج عن الإطار العسكري والتقني بل هو تقني عسكري بحت»، مشيراً إلى أنّ «الرئيس عون جدّد التأكيد على السقف السياسي للمفاوضات بأنّها مفاوضات غير مباشرة ومحدّدة بمهمة معينة وبموضوع معين حدودي حيث يكون الوفد اللبناني تقنياً وعسكرياً فقط». ويوضح الدكتور حطيط أنّ الخبير النفطي في عداد الوفد هو عضو في هيئة إدارة النفط وهو خبير مدني لكنّه موظف متعاقد مع الجيش وبالتالي لا يمس بمستوى تمثيل الوفد»، مؤكداً أنّ الوفد يصبح سياسياً في ثلاث حالات: إذا ضم وزيراً أو شخصية برتبة وزير– سفير أو شخصية برتبة سفير– أو شخصية تمثل السلطة السياسية. وفي الوفد اللبناني لا تنطبق الحالات الثلاث.
ويؤكد حطيط أنّ رئيس الوفد هو المعني بالتحدث باسم الدولة فقط، أما الأعضاء الخبراء الآخرين فغير مخوّلين بالحديث إلا بتكليف من رئيس الوفد». ويخشى الخبير العسكري من خلاف قد يقع مع العدو على حقل نفطي مشترك ما سيطرح خلافاً حول معايير وقواعد الترسيم، وهنا تبرز الحاجة للخبير النفطي.
ويلفت إلى أنّ تشكيل الوفد يقع ضمن صلاحية رئيس الجمهورية في إطار المادة 49 من الدستور على انه القائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس مجلس الدفاع الاعلى.
وعلمت «البناء» أنّ وفد العدو الإسرائيلي لم يُحسم نهائياً لا لجهة العدد ولا لجهة مستوى التمثيل، وأنّ لبنان لم يعترض على مستوى تمثيل وفد العدو الإسرائيلي لكنّه أبلغ الأمم المتحدة بأنّ لبنان يرفض الحديث أو طرح أي مفاوضات خارج الإطار التقني العسكري المتعلّق بالترسيم البحري.
وأعلن مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية في بيان أن «رئيس الجمهورية لم يتولّ لحينه عقد أي معاهدة دولية او إبرامها كي يصار الى الاتفاق بشأنها مع رئيس الحكومة، تلك المعاهدة التي لا تصبح مبرمة الا بعد موافقة مجلس الوزراء عليها، ما لم يتطلب الابرام موافقة مجلس النواب على هذه المعاهدة بالشروط المنصوص عنها في المادة 52 من الدستور». ولفت الى ان «اتفاق الاطار العملي للتفاوض على ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، على ما أعلن رسمياً، انما يبدأ على الصعيد العملي بتأليف الوفد اللبناني وبمسائل لوجستية أخرى برعاية الأمم المتحدة وضيافتها، وبحضور الوسيط الأميركي المسهل». وأضاف: «كل كلام آخر هو كلام تحريفي للدستور والهدف منه اما التضليل او ما هو أدهى من ذلك، إضعاف الموقف اللبناني في اللحظة الخاطئة، حيث ان لبنان يذهب للتفاوض العملي والتقني على ترسيم حدوده البحرية حفاظاً على سيادته وثروته الطبيعية على كل شبر من ارضه ومياهه».