تصعيد الضغوط الإسرائيليّة على رام الله: إذلال وتضييق واعتقالات… حتى «عودة التنسيق»!
الأخبار
على رغم أن إعلان السلطة «وقف التنسيق» مع العدوّ لم يستتبع، إلى الآن، تبدّلاً جوهرياً في أداء أمنها، إلا أن الاحتلال لا يرتدع عن ملاحقة عناصرها واحتجازهم وإهانتهم. عمليات إذلال يرافقها استغلال إعلان «وقف التنسيق المدني» للتضييق على الفلسطينيين في ملفّ الأحوال الشخصية
مع ذلك، حاول بعض المسؤولين في أمن السلطة التحرّك في مهمّات من دون تنسيق مع العدو، وهو ما انتهى إلى ملاحقة عناصر الأمن واحتجازهم لوقت قبل الإفراج عنهم. مثلاً، في بلدة نعلين غربي رام الله وسط الضفة المحتلة، خرجت قوّة تعدادها 12 عنصراً في الثالث من الشهر الجاري لاعتقال مطلوب جنائي، وخلال عودتها إلى مقرّها في رام الله فوجئت بقوّات إسرائيلية اعترضتها واعتقلت عناصرها كافة، كما استولت على مركباتها. لكن الحدث الأخطر كان في السابع من الشهر الجاري، وفي قلب مناطق «أ»، حيث تَحرّكت قوة إسرائيلية، من ضمن “القوات الخاصة” التي يطلِق عليها الفلسطينيون تسمية “المستعربون”، في مركبة مدنية تجارية نحو حيّ أم الشرايط في البيرة، من أجل تنفيذ اعتقال مستعجل، كما هي العادة في مثل هذه الحالات، ثمّ الانسحاب فوراً. لكن الجندي، سائق المركبة بلباس مدني، فوجئ بإشارة توقّف وحاجز من دورية لـ«الضابطة الجمركية» التابعة للسلطة، والمختصّة بملاحقة المهرّبين والمنتجات غير المرخّصة وبضائع المستوطنات المهرّبة إلى مناطق «أ». إذ أثارت سيارة “القوة الخاصة” الإسرائيلية شكوك الدورية الفلسطينية كونها تجارية وتشبه المركبات التي تحمل البضائع. وعندما أرادت تفتيشها، سرعان ما تَرجّل ستة جنود إسرائيليين من الباب الخلفي للمركبة وأشهروا أسلحتهم، وسارعوا إلى تقييد عناصر السلطة على جانب الشارع ومصادرة سلاحهم، ثمّ وصلت قوات إضافية من جيش العدو إلى المكان، قبل أن يغادر «المستعربون».
الحادثة أثارت موجة غضب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فيما لم يُعلّق عليها أيّ مسؤول فلسطيني سوى محافظ رام الله والبيرة، ليلى غنام، التي زارت مقرّ «الجمركية» وأثنت على جهود الأمن، قائلة إن «الاحتلال لن يثني الأمن الفلسطيني عن واجبه، وإن نجاح عناصر الضابطة في كشف القوة الخاصة المستعربة في الوقت المناسب أفشل مهمتها التي تستهدف أبناء الشعب الفلسطيني»، علماً بأنه في اليوم نفسه عصراً، اعترض جنود العدو مركبة لجهاز «الأمن الوطني» في بلدة تقوع جنوبي بيت لحم (جنوب). هذه الوقائع تثبت أنه على رغم الوقف (النظري أو العملي) للاتصالات المباشرة بين ما يُعرف بـ«الارتباط العسكري» لكلا الطرفين، فإن أمن السلطة لا يزال يتفادى الدخول في أيّ صدامات مع العدوّ، والدليل على ذلك أنه لم يُسجّل إلى الآن أيّ احتكاك ليلي بين الجانبين خلال تنفيذ الاحتلال حملات الاعتقال واقتحامه المدن والقرى؛ إذ يدخل ليلاً كلّ المناطق حتى المصنّفة «أ»، فيعتقل مَن يشاء ثمّ ينسحب، وفي الصباح، ينتشر أمن السلطة في مراكز المدن.
في المقابل، استغرق الكشف عن هويّات فلسطينيين استشهدوا عقب «وقف التنسيق» وقتاً طويلاً، مقارنةً بما كان يحدث من قبل. فالشهيد سمير حميدي (من قرية بيت ليد قضاء طولكرم)، مثلاً، أبلغ «الصليب الأحمر» عائلته في اليوم التالي لاستشهاده بما حدث له، فيما امتنع العدو عن كشف هويّته لـ«الارتباط المدني» التابع للسلطة كما كان يجري في مثل هذه الحالات. هكذا، تتصرّف تل أبيب على أنه لا تنسيق قائماً بينها وبينها رام الله، مع أن أداء أمن السلطة لا يزال كما هو، ومن دون تغيير جوهري فيه؛ إذ إنه حتّى في أيام «التنسيق الفعّال»، لم تكن المشكلة بالنسبة إلى رام الله في عمليات الاقتحام الإسرائيلية بحدّ ذاتها، بل في تنفيذها من دون تنسيق مسبق أو مِن مداخل وأماكن غير مُبلّغ عنها، وهذا خاص بمناطق «أ» التي من المفترض أن السيطرة والصلاحيات فيها كاملة لأمن السلطة، وفق ما يشير إليه ضابط في الأجهزة الأمنية.
ولا يقتصر الضغط الإسرائيلي على رام الله على الجانب الأمني فقط، بل إن العدو يستغلّ «وقف التنسيق المدني» أيضاً للضغط على السلطة والشعب في آن واحد، إذ يرفض الاعتراف بأيّ وثيقة فلسطينية صدرت بعد إعلان «وقف التنسيق»، وقد سُجّلت سبع حالات مُنعت فيها عائلات فلسطينية من السفر عبر «معبر الكرامة» لأن شهادات ميلاد أطفالها صادرة حديثاً ولم يصل تحديث بياناتها إلى العدوّ الذي لا يعترف بهذه الوثائق الشخصية من دون أن تكون مُسجّلة لديه. ووفق إحصاءات رسمية، ثمّة ما يزيد عن 25 ألف طفل ولدوا بعد «وقف التنسيق» في أيار/ مايو الماضي، و24 ألفاً آخرين استصدروا بطاقات هوية جديدة، فيما حصل 23 ألفاً على جوازات سفر جديدة. كلّ هؤلاء لا يعترف العدو بوثائقهم لأن السلطة أوقفت تحويل سجلّ المواليد وتحديث البيانات السكّاني إلى إسرائيل، والذي تلزمها به «أوسلو».