عون تلاحق سلّوم فقط: لماذا يقف عويدات في الوسط؟
من باب محاربة الفساد كما يدّعي العهد “القوي” تفتح القاضية غادة عون نيرانها القضائية على مديرة عام إدارة هئية السير هدى سلوم،. نيران تحمل في طيّاتها مواداً قانونية وتهماً جديدة ترى فيها مصادر مقرّبة من سلوم عنواناً “للاستهداف السياسي والكيدية”. إذ إنّ عون، كما يقول مقرّبون من سلّوم، وفي سابقة قضائية، أسقطت بلاغات بحث وتحرٍّ عن عدد من المذكورين في القضية، وأبقت على بلاغات كانت أصدرتها بحق سلّوم وموظفين آخرين، يجمل هؤلاء الآخرين قربهم من “تيار المستقبل”.
“سبق الادّعاء”، هي التسمية القانونية لأيّ تلازم بين دعويين في قضية واحدة، والكلام للخبير القانوني وزير العدل السابق ابراهيم نجار، الذي أكّد لموقع “أساس” أنّه “لا يجوز الادّعاء في الملف نفسه أمام مرجعين قضائيين”، وهو ما ينطبق على حال الدعوى المرفوعة بوجه سلوم من قبل النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان. ويشير نجار إلى أنّ “البتّ في الأمر بحسب القانون، يعود لمدّعي عام التمييز، بناءً على اعتراض من الجهة المدّعى عليها”.
في التفاصيل أنّه بعد مرور أشهر على توقيف المديرة العامة لهيئة إدارة السير هدى سلوم، وبعد الخلاف الشهير بين عون والنائب هادي حبيش، الذي تربطه علاقة قرابة عائلية بسلّوم، حرّكت النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون أحد الملفات المرتبطة بتضييع رسوم على خزينة الدولة في مراكز المعاينة الميكانيكية، واستدعت هدى سلوم و11 موظفاً آخرين للتحقيق.
سلوم هي من اكتشف التلاعب بالإيصالات في عهد وزير الداخلية الأسبق نهاد المشنوق، الذي أعلن عن الأمر يومذاك في مؤتمر صحافي مشترك مع سلوم، كاشفاً عن تضييع أكثر من ملياري ونصف المليار عن خزينة الدولة
استدعاءات عون تأتي بعد استحصالها على إذن ملاحقة من وزير الداخلية والبلديات محمد فهمي في 12 شباط 2020، للتحقيق مع موظفين بملف اختلاس وهدر للمال العام في هيئة إدراة السير. وفور إبلاغ سلوم بالجلسة الجديدة المفتعلة، راسل وزير الداخلية محمد فهمي مدّعي عام التمييز غسان عويدات رافضاً مثول سلوم أمام القاضية عون، ومتراجعاً عن إذن الملاحقة الصادر عنه، معللاً الأمر بوجود دعوى جزائية من سلوم بحقّ عون، ومتسلّحاً بأنّ الملف المطروح سبق أن جرى التحقيق فيه لدى النيابة العامة المالية منذ سنوات، وهو لا يزال مفتوحا لدى القاضي علي ابراهيم.
لم تولِ عون أيّ أهمية لمراسلات فهمي، وسطّرت بلاغات بحث وتحرّ بحقّ سلوم والموظفين المشتبه فيهم. فجأة، ألغت سبع استنسابات لموظفين محسوبين على الحزب الحاكم دون تفسير أو تبرير وقف الاستماع إليهم، وأبقت على ثلاثة استنسابات لموظفين محسوبين على تيار المستقبل بحسب مصادر مقرّبة من سلوم، التي أشارت إلى أنّ سحب البلاغات بهذه الطريقة يدلّ على تدخّلات من الحلف الحاكم.
لا يعتبر وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي أنّه يغطّي الفساد، ويقف عائقاً في وجه القضاء، ويقول لموقع “أساس” إنّه لا يرفض مثول سلوم بشكل مطلق، لكن هناك خلاف شخصي مترجم بدعاوى قضائية بين سلوم وعون يترتّب عليه “ارتياب مشروع”، ولا مانع لديه من استدعائها من قبل قاضٍ آخر لتحقيق العدالة.
وبحسب مصادر مقرّبة من المديرة السابقة لهيئة إدارة السير، فإن سلوم هي من اكتشف التلاعب بالإيصالات في عهد وزير الداخلية الأسبق نهاد المشنوق، الذي أعلن عن الأمر يومذاك في مؤتمر صحافي مشترك مع سلوم، كاشفاً عن تضييع أكثر من ملياري ونصف المليار عن خزينة الدولة. وهذا يكشف، بحسب المصادر، أنّ نية القاضية عون هي توقيف هدى سلوم بأيّ ثمن جراء الخلافات السابقة بينها وبين النائب حبيش.
من جهتها، تبدو القاضية عون متمسّكة بصلاحياتها، وتعتبر، بحسب الأجواء القريبة من دائرتها، أنّ الدعوى المحرّكة من قبلها تتعلّق بتبيض الأموال، وهو أمر من صلاحية النيابات العامة الاستئنافية حصراً. وتشير المصادر عينها إلى أنّ ذريعة وجود دعوى بحقّها من قبل سلوم باطلة، هي ذريعة “من شأنها شلّ عمل القضاء من خلال رفع دعاوى على القضاة إثر تحريك أيّ ملف بحق أيّ مرتكب”، وأنّ دعوى سلوم بحقّ عون يفترض أنّها ردّت بالشكل. لكن موقع “أساس” حصل على كتاب موقّع من مدّعي عام التمييز يشير إلى أنّ الدعوى لا تزال قيد النظر.
وتعلّق المصادر المقرّبة من عون على رفض الوزير فهمي مثول سلوم، بأنّ الوزير فهمي سبق أن أعطى الإذن بالملاحقة، وهي تصرّفت على هذا الأساس، معتبرةً أنّ تراجعه “في غير مكانه”، و”لا يلزمها أو يمنعها عن القيام بدورها”.
إحالة عويدات هذه ترى فيها مصادر قضائية تهرّباً من الحسم، ورمياً للكرة السياسية الملتهبة في ملعب التفتيش القضائي والمجلس الأعلى للقضاء، بعد وصول التداخل بين السياسة والقضاء إلى حدّ يهدّد استقلالية القضاء ويعرقل سير العدالة
هذا الخلاف بين الطرفين تحكمه المادة 61 من قانون الموظفين الذي جرى تعديله مؤخراً في مجلس النواب بعد اقتراح تقدّم به النائب حسن فضل الله، أعطى الصلاحية للنيابة العامة التمييزية للبتّ بالملاحقة خلال 15 يوماً، بعد رفض الوزير المختص، وإلّا تعتبر الملاحقة نافذة. إلا أنّ مدّعي عام التمييز غسان عويدات، الذي يتمتع بصلاحية وقف التعقّبات وإقفال الملف لدى القاضية عون، أو إحالته إلى النيابة العامة المالية، لم يمارس هذه الصلاحية وأحال الملف إلى التفتيش القضائي، وإلى مجلس القضاء الأعلى لمتابعته. باعتبار أنّه يريد إبعاد نفسه عن هذه “الحرب” القضائية، والبقاء خارجها، وعدم الاصطدام بعون، ومن خلفها الرئيس ميشال عون، وعدم كسر هيبة سلّوم ومن خلفها النائب حبيش ومرجعيته السياسية.
إحالة عويدات هذه ترى فيها مصادر قضائية تهرّباً من الحسم، ورمياً للكرة السياسية الملتهبة في ملعب التفتيش القضائي والمجلس الأعلى للقضاء، بعد وصول التداخل بين السياسة والقضاء إلى حدّ يهدّد استقلالية القضاء ويعرقل سير العدالة، ويسمح للمتورّطين في ملفات الفساد بالإفلات من الملاحقة، كما حدث في قضية الفيول المغشوش الذي اختفى عن شاشة التحقيق والملاحقات بعد “فورة” لعون استمرت لأسابيع طويلة. فالذي لا يزال يؤمن بقدرة القضاء على تخطّي التدخلات السياسية، هو المغشوش. وهذا سركيس حليس مدير عام المنشآت النفطية، المطلوب بمذكرة توقيف صادرة عن القاضية عون، والفارّ من ويقرئ السلام من خلف المارد، بل قل “المردة” التي تحميه!. “للحديث صلة”.