في 25 شباط الماضي، قررت «شركة طيران الشرق الأوسط» (ميدل إيست) وقف مبيعات تذاكر السفر في مكاتبها لمدّة ثلاثة أشهر، وأبقت على حجز التذاكر «أونلاين» عبر بطاقة الدفع الإلكترونية بالدولار خياراً وحيداً أمام الراغبين في السفر.
كانت الحجّة، آنذاك، تنشيط عمل مكاتب السفر التي كان أصحابها يشكون «غبناً» لحق بهم مع بداية تدهور سعر صرف الليرة أمام الدولار؛ إذ كان هؤلاء مُلزمين بتسديد فواتير بيع التذاكر بالدولار، في حين كانت الشركة الوطنية «المدعومة» تبيع التذاكر على أساس سعر الصرف الرسمي، ما أدّى إلى تهافت المسافرين على مكاتبها. وعليه، بدا كأن الشركة تُسدي خدمة لمكاتب السفر عبر الانسحاب وإخلاء الساحة لها. أما فعلياً، فإن المعطيات تُنبئ بما هو أبعد من ذلك.
في المبدأ، كان مفترضاً أن تنتهي هذه «الخدمة» في أيار الماضي، إلّا أنّ الشركة تستمر حتى اليوم في الامتناع عن بيع التذاكر في مكاتبها الـ 11 الموزعة في مختلف المناطق، حاصرةً خيار الحجز بالدفع الإلكتروني بالدولار فقط. وفيما يتذرع مسؤولو الشركة بأزمة كورونا لعدم فتح المكاتب أمام العملاء، تؤكّد مصادر مطلعة ومعنية بملف الطيران والسفر أن سبب هذا القرار أساساً هو «حرص الشركة على عدم المس بأرباحها بسبب تفاقم أزمة سعر الصرف»، و«تخريجة لتحييد أرباحها عن الأزمة»، علماً بأن الشركة الوطنية يفترض أن تبيع اللبنانيين بسعر الصرف الرسمي وبالعملة الوطنية.
في الخلاصة، بات اللبنانيون مجبرين على تأمين دولاراتهم الخاصة ليتمكنوا من الصعود على متن طائرات الشركة الوطنية، إمّا عبر بطاقة الدفع الإلكترونية أو عبر اللجوء إلى مكاتب سفر تقوم بمهمة شراء الدولارات وتتولى عملية الحجز. وبحسب المصادر، فإن هذه المكاتب تُخيّر المُسافر بين شراء الدولارات وفق سعر صرف السوق وتحويلها لمصلحة الشركة، أو عبر تقاضيها نحو 70% من قيمة التذكرة بالدولار والـ30% المتبقية بسعر 4200 ليرة للدولار، وهو سعر «دولار الطيران» كما بات متعارفاً عليه.
وتأتي هذه السياسة في سياق تنتهجه الشركة لمراكمة أرباحها التي تعمد إلى «تهريبها» إلى حساباتها في الخارج، في وقت تستجدي فيه البلاد «الدولارات الطازجة» لتمويل استيراد السلع المدعومة؛ إذ إن الأموال التي يدفعها المسافرون عبر بطاقات الدفع الدولية لا تدخل إلى لبنان ويتم تحويلها إلى حسابات تابعة للشركة في الخارج (راجع MEA تهرّب الدولارات).

استثمار «ميدل ايست» في الأزمة الاقتصادية يترافق مع استثمارها في الأزمات المتلاحقة، ومنها جائحة «كورونا»، مستفيدة من ملف إجلاء المغتربين إلى لبنان في الأشهر الماضية، عبر مضاعفة أسعار بطاقات السفر للراغبين منهم في العودة، فضلاً عن استغلال إجراء إلزام المُسافرين إلى لبنان بإجراء فحوصات الـpcr و«خداع» عدد كبير منهم بـ«قنص» خمسين دولاراً عن كل مسافر (فحص الـpcr، بحسب تسعيرة وزارة الصحة، يكلف 150 ألف ليرة). أكثر من ذلك، يرد في البند الثاني من التعميم الرقم 52/2 الصادر عن وزارة الأشغال العامة والنقل، وجوب تحصيل شركات الطيران مبلغ 50 دولاراً عن كل راكب قادم من العراق وسوريا وتركيا والدول الأفريقية كلفة إجراء الفحص فور الوصول إلى المطار، فيما خُيّر القادمون من بقية البلدان بين إجراء الفحص بعد 72 ساعة أو الالتزام بالحجر المنزلي أو الفندقي لمدة 10 أيام بعد وصولهم. وبحسب معلومات «الأخبار»، أضافت الـ«ميدل ايست» الـ50 دولاراً على أسعار كل البطاقات اياً كان البلد الذي تُقلع منه طائراتها. هكذا، مثلاً، دفع مسافرون قادمون من لندن قبل أيام كلفة إضافية على البطاقة، من دون أن يخضعوا لأي فحص pcr فور وصولهم الى المطار، «إذ أبلغنا بعدم ضرورة إجرائه والاكتفاء بالحجر المنزلي» بحسب ما أكد أحدهم لـ«الأخبار».


60 % أونلاين كاش
فرض بعض شركات الطيران (كالطيران الإماراتي والتركي) على مكاتب السفريات تسديد 60% من كلفة تذكرة السفر بالدولار «فريش» عبر الدفع مباشرةً «أونلاين»، فيما يتم تسديد نسبة الـ40% المتبقية عبر ايداعها في حسابات اتحاد الطيران الدولي (أياتا). القرار أتى على خلفية احتجاز أموال هذه الشركات في مصرف «سيتي بنك»، حيث حسابات الاتحاد، بطلب من مصرف لبنان، وكنوع من الضمانة للشركات لتحصيل جزء من مستحقاتها. وكان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة طلب، في شباط الماضي، من مصرف «سيتي بنك»، تجميد عمليات تحويل الأموال التي يقوم بها لصالح «أياتا»، علماً بأنّ هذا المصرف معتمد من قبل الاتحاد الذي «يجبي» من مكاتب السفر في لبنان فواتير بيع التذاكر وفق خطة الفوترة والتسوية (Billing and Settlement Plan/ BSP)، حيثُ تُحوّل أموال الفواتير إلى اتحاد الطيران كل أسبوعين تقريباً. حينها، قيل إن قرار التجميد أتى على خلفية شبهات تتعلق بعمليات «تهريب» أموال يقوم بها عدد من مكاتب السفر عبر عمليات بيع تذاكر لمكاتب أخرى خارج لبنان (راجع تهريب أموال عبر «تصدير» تذاكر سفر؟)، إلا أن القرار لا يزال سارياً حتى الآن!