لا مبادرة روسية مع لافروف: بعد أيام ميقاتية… ندخل اليوم أياماً حريرية
كتبت ملاك عقيل…
بعد أسبوع ميقاتيّ، تولّى خلاله المحيطون بالرئيس نجيب ميقاتي، ومستشاروه، وهو شخصياً، التسويق لاسمه كخيار جديّ لتشكيل الحكومة، قد ندخل في أسبوع حريريّ، مع تأكيد مصادر قريبة من الرئيس سعد الحريري لـ”أساس” أنّه “لا يمكن سحب اسمه من التداول حتّى مع إعلانه عدم ترشّحه لرئاسة الحكومة”.
برأي هذه المصادر أنّ “الأسماء التي طُرحت من خارج نادي الأربعة استنزف “بروفيلها وقدراتها”. وبالعودة إلى “النادي”، فمن أصل الأربعة فإنّ اسم الحريري وميقاتي هما الأكثر تقدّماً، لكنّ الأخير مرفوض من ميشال عون قبل أن يصل الحديث في شأنه إلى عتبة بيت الوسط”. ولو أنّ الفيتو الشيعي رفع عنه في الأيام الأخيرة بعد مبادرته “التكنوسياسية”.
هذا يعني أنّ اسم الحريري هو الوحيد الباقي في الساحة، بحسب المصادر القريبة منه. وهذا كلام يتنافى كليّاً مع تعميم عدم رغبة الحريري في ترؤّس الحكومة. بحسب المصادر نفسها فإنّ “الحريري الذي شجّع أعضاء نادي رؤساء الحكومة السابقين على تبنّي مرشّح يخرج من رحم ناديهم،قد وضع سقفاً التزم به مصطفى أديب، والتزام أديب وضع سقفاً للآخرين”. وتضيف المصادر: ” بعدما رفض ميقاتي مع بقية أعضاء النادي منح الغطاء لمسعى الحريري بتخطّي عقبة حقيبة المالية، حاول الرئيس الطرابلسيّ الخروج عن هذا السقف بطرح خيار حكومة تكنو سياسية. ولم يتبيّن أنّ هذه الخطوة، التي بادر إليها ميقاتي من دون التنسيق مع الحريري، يمكن أن تؤدّي إلى نتيجة فعلية وعملية”.
وفق المصادر فإنّ كلمة الحريري الأخيرة هي أنّ “اقتراح ميقاتي مرفوض منه ولن أمشي به”. لكن “إذا تأمّن الغطاء الخارجي لهذا الاقتراح، أقلّه فرنسياً، فلن يمانع بعدما أعلن تمسّكه بالمبادرة الفرنسية. لكنّه شخصياً يرفض ترؤس أي حكومة تضمّ سياسيين، مع العلم أنّ مواصفات المبادرة الفرنسية تتقاطع بالكامل مع تلك المطروحة من قبل الحريري”.
ويكرّر الحريري في مجالسه الخاصة: لم يعد بإمكاننا النزول عن “سقف أديب”. هذا ما يريده الشارع وهذه قناعاتي وهذا لبّ المبادرة الفرنسية”، الشباب إذا قعدوا ببيوتهم (قاصداً شباب الثورة) هذا لا يعني العودة إلى المفاهيم التي حكمت تأليف الحكومات سابقاً.
وفق المعطيات، لا يبدو رئيس تيار المستقبل بوارد الإطاحة بما راكمه طوال عام كامل، من إعلان أنّه يسير خلف الشارع، ويقدّم نفسه أمام الداخل والخارج باعتباره “نيو حريري”، بعد انطلاقة ثورة 17 تشرين واستقالته بطلب من الشارع.
يقول القريبون من الحريري إنّ “ماكرون نفسه بدأ مبادرته من الشارع، فهل يمكن العودة إلى نغمة حكومة المحاصصة و”تسمية الوزراء من جانب القوى السياسية؟”، مؤكدين أنّ “ما حصل هو عبارة عن انقلاب، من خلال طرح مواضيع خلافية على الطاولة تتعلّق بالشراكة في النظام فيما كان المطلوب تنفيذ خطة مالية إصلاحية وايجاد فريق العمل المناسب لترجمتها بعيداً عن أي شروط مكبّلة”.
وتوضح المصادر: “لقد خرج الفرنسي ليدخل اللأميركي عبر ملفّ ترسيم الحدود. لقد أبعدت اللعبة عن بوصلتها الاصلاحية والمالية. وهذا يُعقّد ولا يُحلحل الأمور”، مؤكدة أنّ “الحريري تحمّل مسؤولياته وتبعات قراره بمنح الغطاء السني لمصطفى اديب. ووصل الأمر الى الحائط المسدود فما الذي سيدفعه إلى تبنّي خيار مماثل”.
هكذا إذاً بين تسويق بعض الشخصيات السنيّة لنفسها لرئاسة الحكومة، بمؤازرة إعلامية، وبين “البحث الجاري”، والجدّي، عن رئيس حكومة لا يُواجهه مصير الاعتذار، تتآكل مهلة الستة أسابيع المعلنة من جانب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كحدّ أقصى لولادة الحكومة.
لكن وفق المتابعين، ثمّة أمران يحكمان هذه المرحلة: المهلة بحكم التعقيدات التي أعقبت اعتذار مصطفى أديب هي شبه نظرية، الغاية منها وفق الفرنسيين الحثّ وليس الإلزام خصوصاً إذا كانت الخطة “ب” تتطلّب توافقاً داخلياً صلباً مترافقاً مع مساعٍ خارجية ما يستأهل منح “الطبخة” المزيد من الوقت لإنضاجها.
والأمر الثاني، التوافق الضمني بين القوى الأساسية على عدم إشهار سيف الضغط على رئيس الجمهورية للدعوة إلى الاستشارات النيابية كما كان يحصل سابقاً، وذلك من ضمن سياسة التسهيل والتخفيف من حدّة التشنّج السياسي.
لثلاث مرات أسبوعياً “يطلّ” رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب على السراي الحكومي. يعقد الاجتماعات الضرورية ضمن إطار “التصريف” وعقد اللقاءات المحدّدة وفق مواعيد مسبقة مع تسليم الفريق المحيط بدياب بأن “المرحلة خطرة ودقيقة ولا تتحمّل “البلد بلا حكومة” تأخذ على عاتقها مسؤولية القرارات الصعبة الاتية، فيما حكومة تصريف الأعمال لا قدرة لديها على أيّ قرار”.
يجزم متابعون للمسار الحكومي أنّ “الساحة اللبنانية الداخلية شبه متروكة، ولا متابعة واضحة للمهلة التي وضعها ماكرون لتأليف الحكومة لا داخلياُ ولا خارجياً”. ويشيرون إلى أن “لا رائحة لطبخة تعدّ إقليمياً أو دولياً مع دعوة لعدم إعطاء أيّ وساطة روسية محتملة أكثر مما تحتمل”.
ووفق المعلومات، استبق المبعوث الخاص للرئيس الروسي في الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف الزيارة المقرّرة لوزير الخارجية سيرغي لافروف نهاية الشهر إلى لبنان بسلسلة اتصالات مع أبرز القوى السياسية من دون أن تأخذ هذه الاتصالات شكل المبادرة إذ لا دور روسياً في هذه المرحلة قد “يرث” الدور الفرنسي الذي لا يزال متقدّماً على أيّ وسيط آخر. أما التنسيق فقائم بين الطرفين مع طلب باريس الصريح من موسكو التدخّل لتسهيل ترجمة المبادرة الفرنسية، والذي تلاه زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى موسكو ولقائه لافروف”.
ويقول مطلعون إنّ “أيّ تقاطع أميركي – إيراني أو فرنسي – أميركي – إيراني – روسي بهذا الحجم قد يصبّ في هذه الحال لمصلحة الحريري وبالتوافق معه على مقاربة “محدّثة” للمبادرة الفرنسية وليس لمصلحة ميقاتي أو أيّ مرشّح آخر، لكن حتّى الآن لا مؤشرات جدّية عن قرب حصول خرق”.
ويؤكّد هؤلاء أنّ “مجيء لافروف إلى لبنان في 29 الشهر الحالي، هو لمواكبة وصول السفير الروسي الجديد إلى لبنان الكسندر روداكوف، ولحثّ اللبنانيين على إيجاد أرضية للتقاطعات المشتركة من أجل الخروج من الأزمة، خصوصاً أنّ أيّ دور روسي محتمل قد يخلق حساسية داخلية أكثر مما يفيد”.
ويؤكد المطلعون أنّ “المطلوب رصد زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد شينكر إلى لبنان وليس لافروف، خصوصاً بعد الاتفاق على انطلاق المفاوضات في شأن ترسيم الحدود ما خلق دينامية أكبر على خط العلاقة مع واشطن قد تؤدي إلى كسر جليد الأزمة، لا سيّما وأنّ جزءًا كبيراً من الضغط الأميركي على لبنان كان مرتبطاً بهذا الملف. فليس لافروف صاحب التأثير في رفع العقوبات أو صاحب القدرة على التواصل مع كافة الأفرقاء”.