على مدى 17 سنة ـ وهي سنوات الجمر ـ انتظر هذه اللحظة المقدسة. أن يقفل البيت الحريري ويتوّج ملكاً على السنّة في لبنان.

لنقل لنجيب ميقاتي، ولتمام سلام، هذا رجل يتقن الرقص بين الشقوق، ويسعى للصعود فوق ظهر كل منكما الى العرش. اقرأوا بدقة كلامه يوم الأربعاء. ليس فقط انقلاباً على من نقله من الظل الى الضوء. أيضاً، الانقلاب على كل من يحاول أن يحجب عنه الضوء.

لطالما جرى الحديث عن الظلال الشكسبيرية في بيت الوسط. ثمة بروتوس هناك. الآن، سقط القناع. لم يغرز الخنجر في خاصرة رفيق الحريري فحسب، غرزه في ظهر سعد الحريري، وبهاء الحريري، وبهية الحريري، وأحمد الحريري (الصهر العزيز بالقلب الرائع)، والذي يفترض أن يسأل شقيقه نادر عن الجهة الخارجية التي دعت فؤاد السنيورة الى الاستعداد لليوم الذي «تقرع» فيه صناديق الاقتراع …

على خطى رياض الصلح، ورفيق الحريري، ستكون بيروت، لا صيدا، نقطة الانطلاق الى الكرسي الثالثة في هيكلية الدولة. بعد الطائف… الكرسي الأولى !

بكلمات قليلة، لكنها مدوية، أتهمه أحمد الحريري بخيانة سعد الحريري. من زمان وهو يرى في عيني الرجل وما وراء عينيه، تلك الكراهية الصفراء لكل ورثة رفيق الحريري الذي قال «فؤاد لا يحب الا فؤاد …» .

ذلك المؤتمر الصحافي كان ضرورياً ليشن حملة على حزب الله. تماماً كما فعل فؤاد مخزومي ليحصل على تبني أولياء الأمر، في زمن يفترض أن تتطاير فيه كل تلك الطرابيش العثمانية التي أودت بالبلاد الى الخراب. ألم يحوّل فؤاد السنيورة، كما غيره من المؤتمين على بيت المال، الخزينة الى مغارة علي بابا ؟

بين نواف سلام وفؤاد السنيورة، اختارت الاصبع الملكية هذا الأخير، الذي مثلما أعجبت به كوندوليزا رايس، حظيَ أيضاً باعجاب مايك بومبيو، وديفيد شينكر، الآتي من أقاصي التوراة، والذي ما زال يلعب، كما هنري كيسنجر، ودنيس روس، في الأروقة الخلفية لوزارة الخارجية الأميركية .

تصوّروا أن يكون السنيورة رجل الخلاص لا رجل الهاوية . ندرك كيف يلعب الآخرون في تلك الرؤوس النرجسية، الرؤوس العمياء. التعبئة الغرائزية ضد حزب الله هي الطريق الوردي الى الفردوس؟ رجل لا يفتقد الحنكة، ولا قراءة ما وراء الأبواب. كلامه لاحراق فؤاد السنيورة أم لاحراق لبنان ؟

هذا حين نلاحظ ( وهنا الامتنان الكبير لشعبة المعلومات) الى أي مدى (ولأي غاية) تنشط «الاجهزة الاسرائيلية» على أرضنا، وكيف أن من يحركون «تنظيم الدولة الاسلامية» (داعش) في الاقليم، وخــارج الاقلـيم، يراهنون على اعادة نشر الفوضى الأبوكاليبتية في لبنان .

الساعة الحالية ليست ساعة السنيورة. عشنا كثيراً تجربة السيناريوات البلهاء، وما آلت اليه. كيف يرسم أصحاب الأيدي الغليظة، والخيوط الغليظة، له خارطة الطريق في ظل تصدعات دولية مروعة لم تشهد لها البشرية مثالاً منذ الحرب العالمية الثانية، ومع احتمال العودة الى اتفاق فيينا، بالتداعيات الجيوسياسية، وان كانت النيران الأوكرانية قد تحدث تعقيدات دراماتيكية في المشهد الديبلوماسي؟

كلام الأربعاء أكثر بكثير من أن يكــون بالون اختــبار. المعلومات تؤكد على اتصالات استخباراتية (ومالية) تجري حالياً مع عدد من الرؤوس في «تيار المستقبل» للالتحاق بالرجل الذي طالما كان يرى في مرحلة سعد الحريري مرحلة الخواء. واقعاً، لم يكن له أي تأثير، او أي دور، منذ أن انتقل الحريري الابن الى السراي .

الحلفاء، كما أعادت السفيرة دوروثي شيا تركيب الأوركسترا اياها، جاهزون للعمل على الأرض. لاحظنا الى أي مدى (وكيف) ارتفعت اللهجة السياسية، فضلاً عن اللهجة الطائفية، لبعض رؤساء الأحزاب، ما يشي، فعلاً، باحتمالات الانفجار .

بصداقتنا القديمة للرئيس نجيب ميقاتي، وبالصداقة الأبدية للرئيس تمام سلام، نقول للاثنين من غرز الخنجر في خاصرة رفيق الحريري (أجل رفيق الحريري) لا يزال يمتشق الخنجر…