هل تشكل العقوبات
-
هل تشكل العقوبات حافزاً للإسراع بتشكيل الحكومة وتحدّياً للإدارة الأميركية؟
} علي بدر الدين-البناء لا يختلف اثنان، على أنّ توقيت قرار العقوبات الأميركية على رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، لم يكن محض صدفة، أو أنه خيار خاطئ، إنما هو عن سابق قصد وصرار وتصميم بهدف عرقلة تأليف الحكومة، بعد أن أوحت الاتصالات والمشاورات، بسلوك طريق التأليف رغم وعورته، وإنْ تأخر بعض الوقت، الناتج عن الخلاف التقليدي المزمن بين القوى السياسية المعنية، حول التحاصص والحقائب وشكل الحكومة وحجمها. كان سبقها فعل أميركي مماثل، عندما تمّ تكليف سفير لبنان في ألمانيا الدكتور مصطفى أديب، حيث صدر قرار العقوبات بحق الوزيرين السابقين النائب علي حسن خليل ويوسف فينيانوس. الإدارة الأميركية بهذين القرارين وغيرهما وما سبقهما من صفقة القرن، وقانون قيصر، واستمرار حصار لبنان سياسياً واقتصادياً ومالياً، وما تمارسه من ضغوط على صندوق النقد الدولي وغيره، لحجب المساعدات والقروض عن لبنان… كلها تصبّ في خدمة مشاريعها وأجنداتها، ومن أهمّها جرّ لبنان وتوريطه في توطين اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين وإقامة معاهدات سلام وتطبيع مع الكيان الصهيوني. وبما أنّ الإعتراف سيد الأدلة، فإنّ الطبقة السياسية والمالية الحاكمة، هي المسؤولة أولاً وأخيراً عن إضعاف لبنان وتحويله إلى لقمة سائغة في فم التنين الأميركي، وإلى خاصرة رخوة، ومكسر عصا، وجعله حقل تجارب للقاصي والداني، من خلال أدائها السيّئ المزمن للغاية، وارتهانها للخارج وربط قراره وسياساته وسيادته ومصالحه به، وهو الذي يبحث عن مصالحه في كلّ زمان وأيّ مكان من هذا العالم المترامي. ووجد ضالته في هذا البلد، الذي لطالما كان ولا يزال مطمعاً ومطمحاً للدول ذات الأهداف الاستعمارية التوسعية، وقد شكل موقعه الجغرافي والديموغرافي وتنوّعه الطائفي والمذهبي ونظامه السياسي قوة جذب وساحة مفتوحة للحروب والفتن والانقسامات والقنابل الموقوتة، وزاد اكتشاف النفط والغاز في بحره وبرّه من أطماع غير دولة للسيطرة عليه، وسرقته وحرمانه من حقوقه. إنّ ضعف نظامه وركاكته، ليس وحدهما السبب في وقوعه في مرمى أطماع الدول القريبة والبعيدة، إنما أساسه تحكّم طبقة سياسية فاسدة وفاشلة وعاجزة في مفاصل الدولة ومؤسّساتها ومقدراتها، التي لم تحكم يوماً بمنطق الدولة والقانون والنظام والمؤسسات، لأنّ همّها الوحيد تحقيق مصالحها وحماية امتيازاتها وتراكم ثرواتها ومواصلة إمساكها بالسلطة بأية وسيلة متاحة. ما أدّى الى انهيار اقتصاده وإفلاسه وتراكم ديونه وإفقار شعبه وتجويعه، وانزلاقه إلى أخطار كثيرة متربصة. إنّ مسار إدارة شؤون البلاد والعباد الذي اعتمدته الطبقة السياسية على مدى 30 سنة، أتاح لقوى خارجية استباحة لبنان، والتدخل بشؤونه الداخلية، وفرض سياستها على كلّ صغيرة وكبيرة، والدخول من باب الفساد الذي شكل دائماً مقتلاً للبنان ولمواطنيه وعنواناً سافراً ولعنة على الطبقة السياسية، ونقطة ضعفها، وقوة للآخر الذي استفاد كثيراً منها، للتلاعب بها وعليها وإيقاعها في شرّ جشعها ونهمها وإدخال البلد، في أنفاق من الأزمات والصراعات والانقسامات والخلافات والتناتش المتواصل على التحاصص والصفقات والسمسرات، والقدرة له على إثارة الغرائز، وتغذية الأحقاد، والحؤول دون التلاقي والحوار، وعدم القدرة على اتخاذ أيّ قرار، بأيّ استحقاق وطني أو دستوري أو إصلاحي، مهما كان متواضعاً وسهلاً أو في متناول اليد، من دون وساطة ودعم من الخارج. آخر الاستهدافات الاميركية كما بات واضحاً ومعلوماً إفشال تأليف حكومتين، وقلب الأمور رأساً على عقب، والعودة إلى نقطة البداية، ووضع محاولات التأليف في مهبّ الريح. ما زاد في كارثية الوضع الاستجابة السريعة من القوى السياسية الطائفية المعنية في تأليف الحكومة، والاستسلام للقرار الأميركي، كأنه قدر أو أمر نافذ لا يصدّ ولا يردّ، وعليه ان يعبر من دون ايّ ردّ فعل منها، ولو بالحدّ الأدنى، أقله تسجيل موقف رافض وشاجب لهذه العقوبات ورفضها بكلّ مفاعيلها وتداعياتها ومبرّراتها والعمل على تحييدها وعدم تأثيرها على مستوى تأليف الحكومة. إنّ تمرير هذا القرار بهذه السهولة، يعني أنه سيفتح المجال لقرارات أميركية جائرة مقبلة، قد تساهم بتعميق الأزمة الحكومية، وغيرها من الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والمعيشية. خاصة أنّ منظمة الفاو حذرت من بلوغ لبنان مرحلة المجاعة الحقيقية، التي قد تودي بحياة الألوف من المواطنين الذين سيُحرَمون من الغذاء. خيار المواجهة من الطبقة السياسية مهما كان مراً، هو المتاح أمامها للتخفيف من ضغوط القرار الاميركي، رغم صعوبة عدم الاستجابة له. لأنّ هذه الطبقة التي أدمنت على الفساد والنهب والتحاصص، ليس من السهولة بمكان أن تعود إلى رشدها، وليس ممكناً هبوط وحي التوبة عليها، أو حدوث معجزة غير متوقعة تؤدّي الى شفائها من أمراضها السلطوية والمالية، في ظلّ فقدان الأدوية التي صادرتها المافيات الدوائية استيراداً وتخزيناً وتوزيعاً وتهريباً. أو الرهان على إثبات وطنيتها وممارسة مسؤولياتها، وبلوغها سن الرشد والنضج والقدرة على الإصلاح الحقيقي والتغيير والمحاسبة، وإدارة البلد، وبناء دولة مؤسسات، وتأليف حكومة إصلاحية، إنقاذية، غير تحاصصية، من شخصيات وطنية مشهود لها بالكفاءة والنزاهة، من دون تدخلات ومبادرات خارجية، وضغوط وشروط وأثمان. هل تفعلها الطبقة السياسية، وتزيل من طريقها عقد التأليف، ومن قاموسها كلّ ما هو طائفي ومذهبي وسلطوي وتحاصصي واستزلام، لتسهل عليها المهمة، وتجعل من العقوبات الأميركية حافزاً لها للخروج من التبعية والارتهان للخارج، ومواجهة التحدي بإنجاز تأليف الحكومة، لأنها الفرصة الأخيرة المتاحة. وإلا فلا حكومة ولا من يحزنون. إنه مجرد حلم، ربما يكون غير قابل للتحقق، في ظلّ استمرار نهج وحكم الطبقة السياسية وحكوماتها المتعاقبة، وطريقة تأليفها. من حق الشعب اللبناني أن يحلم، وهذا ما لا يستطيع أحد ان يصادره، ويسطو عليه، كما تمّ السطو على حقوقه وأمواله وطحينه ولقمة عيشه…
أكمل القراءة »