ترسيم الحدود البحرية
-
تحقيقات - ملفات
خطة «إسرائيليّة» خبيثة لحرف مفاوضات الناقورة عن مسارها…
العميد د. أمين محمد حطيط*-البناء ظهر تصرّف الوفد «الإسرائيلي» الى مفاوضات ترسيم الحدود البحرية في الناقورة، تصرّف المطمئنّ للمواضيع التي ستناقش وللنتيجة التي سيخرج بها والتي كما يبدو في نظره انّ أقلها الحصول على بضعة مئات من الكيلومترات من مساحة الـ 862 كلم2 التي يرى انّ النزاع محصور بها مع تجاوز للعدوان «الإسرائيلي» على الحدود البريّة بعد أن أطاح باتفاقية «بوليه نيوكمب» وألغى اتفاقية الهدنة وأنكر قانون البحار واعتمد ما فرضته «إسرائيل» من أمر واقع ونقل بعض العلامات الحدودية في الجنوب، ما مكّنها من اقتطاع أرض لبنانية ظناً منها انّ ما فعلت بات نهائياً على الأرض ولم يعد بحاجة إلا لإقرار لبناني وتوقيع على الأوراق، ولأجل ذلك كان إصرار منها ومن الوسيط الأميركي على إغفال «اتفاق الإطار» لاتفاقية «بوليه نيوكمب» ولاتفاقية الهدنة وقانون البحار والذهاب الى إسناد التفاوض على مرجعيات واهية لا تقدّم ولا تؤخّر في إثبات الحقوق اللبنانية في الحدود براً أو بحراً كتفاهم نيسان 1996. لكن الوفد اللبناني فاجأ العدو «الإسرائيلي» في الناقورة بموقف علمي وقانوني صلب مبنيّ على عناصر ثلاثة أوّلها التأكيد على المرجعية الأساسية لاتفاقية الحدود 1923 والهدنة 1949 وقانون البحار 1982، والثاني انّ الوفد حدّد حقّ لبنان في حدوده والمنطقة الاقتصادية بالاستناد الى القانون وانه ليس وفد مساومة ربطاً بالضغوط، والثالث انّ شيئاً لا يقيّد الوفد اللبناني من الإجراءات والتصرفات السابقة لوضع يد السلطة الدستورية الوحيدة التي يخوّلها الدستور اللبناني التفاوض مع الخارج، وبالتالي كلّ ما حصل أو ما تمّ تداوله قبل أن يصل الملف الى يد رئيس الجمهورية وقبل أن يوافق عليه مجلس الوزراء ويصادق عليه مجلس النواب يبقى مشاريع او طروحات أولية تمهيدية وغير نهائية وتتيح إعادة النظر بها كلما ظهرت معطيات جديدة. لقد صدم الموقف اللبناني هذا بما اتسم به من علم وقانون وتقنية والتزام وطني ووضوح، بالإضافة الى «الإسرائيليين» الوسيط الأميركي «النزيه» الذي أبدى استياءه ما جعله يشمّر عن ساعديه مجدّداً ليمارس موجة ضغوط جديدة متوازية مع حرب إعلامية ونفسية «إسرائيلية» قادها وزير الطاقة «الإسرائيلي» الذي ادّعى بأنّ لبنان غيّر موقفه سبع مرات، مشيراً الى المشاريع التمهيدية التي تمّ تداولها منذ العام 2007 من قبل جهات غير ذات صلاحيّة أو غير ذات اختصاص او بعمل مجتزأ لا يحيط بكامل جوانب القضية. بيد أننا لا ننكر بأنّ هناك تداولاً إعلامياً لخطوط محدّدة قبل هذه المفاوضات بدءاً من خط (B1-1) ثم خط (B1-23) ثم خط (رأس الناقورة – تخيلِت) ولكن كلّ هذه الخطوط لم تكن خطوطاً رسمية لبنانية، حيث انّ الخط الذي وقع مشروعه وفد السنيورة الى قبرص رفض من قبل الجيش وامتنع رئيس الجمهورية وتالياً مجلس الوزراء عن القبول به واعتماده واعتمد بدلاً منه وبموجب المرسوم 6433\2011 الخط المعروف بخط الـ 23 الذي صحّح الخطأ في مكان النقطة (1) وأبدلها بالنقطة 23 واحتفظ المسؤول اللبناني لنفسه بمراجعة هذا الخط إذا ظهرت معطيات جديدة. وبالفعل عندما ظهرت معطيات جديدة متمثلة بصخرة تسمّى «جزيرة تخيلِت»، وبالعودة الى التفسير الدقيق لمواد قانون البحار وبالاستعانة بخبراء القانون الدولي وتفسير الاتفاقية بشكل دقيق توصّل لبنان الى رسم خطه النهائي الذي طرحه في المفاوضات في الناقورة، وهذا ما أبدى «الإسرائيلي» رفضاً له ودفعه للخروج من قاعة المفاوضات لافتتاح نوع آخر من التفاوض عبر الإعلام يقوده وزير الطاقة الإسرائيلي بمواقف يتوجه بها إلى رئيس الجمهورية مباشرة وفي ذلك خبث واحتيال ظاهر يريد منه العدو تحقيق مكاسب لم تتحقق له في انطلاق مفاوضات الناقورة. فهو يريد مفاوضات سياسية مباشرة تبدأ من الحدود وتصل الى الاستسلام والتطبيع. وهذا ما أعلنه صراحة وزير الطاقة الإسرائيلي عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ حيث قال موجهاً كلامه لرئيس الجمهورية «لو استطعنا الالتقاء وجهاً إلى وجه في إحدى الدول الأوروبيّة من أجل إجراء مفاوضاتٍ علنيّة ٍأو سريّةٍ لكانت لنا فرصة جيّدة لحلّ الخلاف حول الحدود البحرية مرة واحدة وللأبد»، وهو ينصب بهذا فخاً محكماً للبنان لا نرى أن الرد عليه سيكون إلا بالتمسك والتأكيد على الثوابت التالية: 1 ـ انّ المفاوضات في الناقورة هي مفاوضات عسكرية تقنية لا تمّت بصلة الى أيّ علاقة او نقاش او حوار ذي طبيعة سياسية، وبالتالي على وزير الطاقة الإسرائيلي التوقف عن مناورته الاحتيالية التي يغيّر عبرها طبيعة المفاوضات وينقلها من تفاوض عسكري تقني غير مباشر في الناقورة الى تفاوض سياسيين في موضوع الحدود والمصالح وبشكل مباشر عبر الإعلام ومباشر في أوروبا في لقاءات وجهاً لوجه. 2 ـ انّ المكان الوحيد لطرح الأفكار ومناقشتها وفي موضوع وحيد وحصري هو ترسيم الحدود البحرية وما يتصل بها، إن المكان الوحيد هو خيمة الناقورة، وانّ الجهة المكلفة بعرض الموقف اللبناني هي الوفد العسكري – التقني الذي لا يخاطب «الإسرائيلي» مباشرة ولا يجادله بل يعلمه بالمواقف ويردّ على مواقفه عبر وسيط هو الأميركي وتحت رعاية أممية تستضيف المفاوضات. 3 ـ انّ ما يدّعيه الإسرائيلي من تعدّد الخطوط وتقلب المواقف التي يظهرها لبنان لا قيمة له، حيث إنّ الموقف الرسمي الوحيد السابق لمفاوضات الناقورة هو الكتاب الذي وجّه للأمم المتحدة في العام 2011 واعتمد خط الـ 23 محتفظاً لبنان لنفسه بحق مراجعته مع ظهور معطيات جديدة، والآن أجريت المراجعة بعد ظهور المعطيات وطرح الخط النهائي في الناقورة. 4 ـ إنّ لبنان في الناقورة يخوض مفاوضات تقنية قانونية ليست لها طبيعة سياسية، وبالتالي انّ قواعد العلم والقانون هي التي تفرض الموقف وتفرض خط الحدود ما يعني انّ أخطاء الأشخاص غير ذوي الصلاحية ليست من شأنها أن تكبّل لبنان وتطيح بحقوقه المكرّسة له وفقاً لأحكام القانون الدولي العام غير القابل للتجاوز، وليس من شأنها أن تعطي «إسرائيل» حقوقاً مكتسبة من أعمال قانونية غير مكتملة لا بل باطلة، لأنها تمّت من قبل جهات غير ذات صلاحية دستورية فضلاً عن انّ «إسرائيل» لم تكن طرفاً فيها وانّ لبنان او الأطراف الأخرى لم يعملوا بقواعد التعاقد لمصلحة الغير خدمة لـ «إسرائيل». 5 ـ إنّ خط الحدود البحرية الوحيد الذي يناقش مع «إسرائيل» هو الخط الذي طرحه الوفد اللبناني في الناقورة وهو خط بُني على أساس اتفاقية «بوليه نيوكمب» التي تحدّد بدقة نقطة البدء في الحدود البرية التي هي نقطة الأساس في الحدود البحرية والتي هي نقطة صخرة رأس الناقورة، وعلى اتفاقية الهدنة واتفاقية قانون البحار، وان تجاوز اتفاق الإطار لهذه الوثائق وعدم نصه عليها ليس من شأنه أن يسقطها ويحرم لبنان من القوة القانونية والتقنية التي توليها الوثائق لموقفه. 6 ـ على «إسرائيل» ان تناقش بالعلم والقانون والطبوغرافيا وان تعترف بالحق اللبناني، أما تحوير التفاوض والذهاب به الى دهاليز السياسة والتاريخ والتصرفات السابقة مع الاتكال على العقوبات الأميركية فإنه لن يكون مقبولاً ولن يجدي نفعاً لأنّ لبنان يعمل بمنطق «الثبات الصلب على الحقوق دون تنازل«. على ضوء هذه الثوابت سيحدّد مصير المفاوضات في الناقورة، فإنْ أصرّت «إسرائيل» على إخراج المفاوضات غير المباشرة عن مسارها والبحث عن إطار جديد، كما أعلن وزير الطاقة فإنها تكون قد اغتالت مفاوضات الناقورة وأنهتها، وإنْ أرادت أن تتكل على أخطاء وحكايات تاريخية فإنها تكون قد وضعت المفاوضات أمام حائط مسدود يؤدّي بها الى الفشل او التوقف والتأجيل، إما إذا أرادت نجاح المفاوضات فإنّ عليها العمل بالمنطق القانوني والإقلاع عن المحاولة الاحتيالية الخبيثة التي يقودها وزير الطاقة «الإسرائيلي» بدعوته الى التفاوض السياسي الذي بدأه الآن عبر الإعلام مع رئيس الجمهورية مباشرة متجاوزاً الوفد المخوّل بالتفاوض. ويريد أن يطوّره الى لقاء مباشر ثنائي في أوروبا يمهّد للتطبيع الذي تطمح إليه «إسرائيل» مع لبنان! * أستاذ جامعي – باحث استراتيجي.
أكمل القراءة » -
العدوّ ينتظر ضغوط «الوسيط» على لبنان: الترسيم البحري… لا يكفي
من اعتصام الحزب الشيوعي اللبناني – صور، احتجاجاً على المفاوضات (أ ف ب ) الأخبار- يحيى دبوق رغم وصف…
أكمل القراءة » -
صدمت «إسرائيل»! فهل تنسف مفاوضات ترسيم الحدود البحرية؟
العميد د. أمين محمد حطيط*-البناء من أجل قطع الطريق على المفاوض اللبناني الذي يجري في الناقورة مفاوضات غير مباشرة من أجل ترسيم الحدود البحرية للبنان مع فلسطين المحتلة التي تغتصبها «إسرائيل»، ورغم ما قيل عنه إنه متفق عليه من إحاطة المفاوضات بسرية تامة وكتمان شديد، واستباقاً لجولة المفاوضات اللاحقة المقرّرة في 11/11/2020، اتخذت وزارة الطاقة الإسرائيلية في كيان العدو موقفاً لافتاً يمسّ بجوهر المفاوضات وموضوعها عندما أعلنت أنّ «إسرائيل لن تجري مفاوضات مع لبنان على حقلي الغاز «كاريش» و«تنين» أو «التمساح»)، وانّ وفدها في الناقورة غير مخوّل بالبحث بأكثر من موضوع ملكية المساحة المتنازع عليها مع لبنان والبالغة 860 كلم2 نشأت نتيجة خطأ في مقاربة لبنان للموضوع مع قبرص في العام 2007، وبالتالي فإنّ الموقف الإسرائيلي العلني يعني بكلّ بساطة بأنّ المفاوضات هي لحلّ نزاع وليس لترسيم حدود ما يعني أنه نسف أو تحوير للمفاوضات من ترسيم حدود بحرية غير موجودة إلى فضّ خلاف على ملكية مساحة يتنازع الطرفان ملكيتها. فكيف سيردّ لبنان وما هو مصير المفاوضات في هذا الوضع؟ بداية يجب الإقرار بأنّ لبنان راكم الأخطاء في تداول ملف ترسيم حدوده البحرية منذ أن تداولت الملف أيدي غير مختصة وغير متخصّصة فكان الخطأ الأول في مشروع الاتفاق الذي أعدّه مع قبرص وتمثل في وضع النقطة (1) لتكون النقطة الأساس التي تمثل الزاوية الجنوبية الغربية من المنطقة الاقتصادية اللبنانية، ثم كان الخطأ الثاني في التعامل مع العدوان الإسرائيلي على نقاط رأس الناقورة والـ B1 والجزر الفلسطينية وتأثيرها على خط الحدود خلافاً لقواعد حاكمة ينصّ عليها قانون البحار للعام 1982، ثم كان الخطأ الثالث في ما أسمي «اتفاق الإطار للتفاوض غير المباشر» (وهو حقيقة تفاهم وليس اتفاقاً)، هذا التفاهم الذي أرسى التفاوض على مرجعيات واهنة لا علاقة لها بترسيم الحدود (تفاهم نيسان والخط الأزرق والقرار 1701) وأهمل المرجعيات الأساسية الثلاث التي لا يمكن ان ترسم حدود بحرية بدونها ولا يمكن ان تحفظ حقوق لبنان في أرضه وبحره وثرواته من غيرها وهي اتفاقية «بوليه –نيوكمب» التي رسمت بموجبها الحدود البرية بين لبنان وفلسطين و«اتفاقية الهدنة» بين لبنان والعدو الاسرائيلي التي أكدت على تلك الحدود البرية، واتفاقية قانون البحار التي ترسم الحدود البحرية بين الدول بمقتضاها فضلاً عن القرار 425. بيد انّ لبنان وقبل ان يدخل الى المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية، او يرتضي أصلاً بها عمد الى معالجة تلك الأخطاء والتفلت من مفاعيلها بالشكل القانوني ثم جهّز ملفّه بأحكام تامّ يمكنه من إثبات حقوقه في البحر وفيما يختزن من ثروات. ولهذا جنّدت أجهزة الدولة المختصة بالشأن ووضعت إمكاناتها بتصرف قيادة الجيش ورئيس الجمهورية المعني الأول والوحيد دستورياً بالتفاوض والموجه لقيادة الجيش بوصفه القائد العام للقوات المسلحة، جندت لتصحيح الأخطاء التي تسبّب بها تداول الملف من قبل أيدي غير مختصة ولا تملك المؤهّلات الكافية للتعامل مع ملف بهذا الخطورة في مواجهة عدو من طبيعة العدو الصهيوني الذي يمتهن اقتناص الفرص واغتصاب الحقوق وتجاوز القانون. وعليه فإنّ رئيس الجمهورية ومعه قائد الجيش وعبر مجموعات متخصصة من رجال القانون والخبرة بترسيم الحدود تمكنوا من كشف الأخطاء تلك وسدّوا الثغرات في «تفاهم الإطار» ما عطل مفاعيلها التي كانت ضيّعت على لبنان في نظرة أولى 860 كلم2 نشأت نتيجة الخطأ الأول، ثم 1430 كلم2 نتيجة الخطأ الثاني والعدوان الإسرائيلي معه، ثم منعت من تجريد لبنان من السلاح القانوني المرجعي الذي يحمي الحقوق اللبنانية. وفي 14 /10/2020 انطلقت المفاوضات غير المباشرة في الناقورة وأطرافها الرئيسيون ينطلقون كما يبدو من قواعد مختلفة تحدوهم أهداف متنافرة، حيث انّ الوفد اللبناني يتجاوز ما ارتكب من أخطاء ويصحّح مفاعيلها عبر المرجعيات القانونية الثابتة والتي لا يمكن لأحد ان يتجاوزها (اتفاقية الحدود والهدنة وقانون البحار) وهدفه ترسيم الحدود البحرية، أما الوفد الإسرائيلي فقد بنى موقفه على الأخطاء اللبنانية وما يسمّيه «السوابق الدولية» هدفه المحافظة على ما اغتصب من حقول. وكان واضحاً انّ اختلاف قواعد الانطلاق والأهداف سيقود الى تباين في اتجاه المفاوضات ونتائجها، واشتدّت المسألة خطورة عندما كشف أمر آخر في نظرة الطرفين المتفاوضين الى وظيفة المفاوضات، ففي حين يريد لبنان من المفاوضات ان تحدّد أولاً خط حدود المنطقة الاقتصادية التابعة له وبعدها تحدّد ملكية حقول النفط والغاز على أساس هذا الخط، تبيّن انّ «إسرائيل» تريد ان ترسم الخط بما يُراعي تمسكها بحقول الغاز الثلاثة كاريش والتنين وليفتان، وتنطلق من مقولة انّ «السوابق الدولية» و«اتفاق الإطار» أخرجا هذه الحقول من دائرة النقاش وأنها غير مستعدة لفتح الملف مجدّداً وانّ جلّ مهمة وفدها في الناقورة اليوم هو البحث في كيفية تقاسم مساحة الـ 860 كلم2 المتنازع عليها والتي قدّم هوف للرئيس نبيه بري مشروع قسمتها بمعدل 500 كلم للبنان و360 كلم لـ «إسرائيل». أما لبنان وبعد أن وضع رئيس الجمهورية يده على الموضوع فقد أظهر نفسه في وضع آخر خارج التصوّر الإسرائيلي وانّ الوفد اللبناني جهّز نفسه خلافاً للموقف الإسرائيلي والتزم بالعمل وفقاً للقانون حرصاً على الحقوق التي تكرّسها قواعده للبنان، وقام وبجدارة عالية بطرح ملفه وفقاً لهذه القواعد دون ان يتوقف عند أخطاء ارتكبت من قبل من لا يملكون صلاحية التفاوض بشأن دولي حسب الدستور، وأكد لبنان انه يفاوض الآن وللمرة الأولى ممثلاً بالسلطة الدستورية المخوّلة بالتفاوض الدولي وينتدب لتمثيله في المفاوضات عسكريين وخبراء متخصصين بالشأن وبالتالي لا يمكن أن يسأل عن أيّ خطأ من الأخطاء الثلاثة التي من شأنها ان تفقد لبنان مساحة 2290 كلم2 من منطقته الاقتصادية وهذا ما صدم «إسرائيل» وحملها على المناورة او الخروج عن الموضوع التفاوضي. فـ «إسرائيل» ألحّت على هذه المفاوضات وبهذا التوقيت بالذات لأنها ظنّت بأنّ لبنان المتناحر سياسياً والمنهار اقتصادياً والمفكّك اجتماعياً والذي يمرّ بأسوأ أيامه منذ تأسيسه في العام 1920 انّ لبنان هذا سيكون واهناً ضعيفاً أمامها، وسيكون خاضعاً منصاعاً لإملاءات الوسيط الأميركي «النزيه» العامل أولاً وأخيراً لمصلحتها، لكنها فوجئت بأنّ الوفد العسكري – التقني اللبناني في الناقورة أقوى بكثير مما توقعت وحجته أقوى بكثير مما تصوّرت، وانه يتمسك بالقانون ولا تقيّده أخطاء سواه من غير ذوي الصلاحية والاختصاص، ولهذا كانت صدمتها التي دفعتها إلى التهديد بوقف التفاوض فهل تفعل؟ بيد انّ «إسرائيل» وقبل ان تتخذ قرارها بمتابعة التفاوض او وقفه عليها ان تتذكر او تدرك او أن يبلغها لبنان عبر الوسيط «النزيه» و«الراعي الأممي» بالحقائق – المسلمات التالية: 1 ـ انّ موضوع التفاوض غير المباشر هو ترسيم حدود غير موجودة قبلاً، وليس فضّ نزاع على حدود قائمة عبث بها، فمنطق التعامل مع الحدود البحرية مختلف كلياً عن منطق التعامل مع الحدود البرية. حيث انّ الأخيرة موجودة وثابتة وقائمة منذ العام 1923 وعبثت بها «إسرائيل»، أما الأولى فهي غير موجودة أصلاً وغير مرسّمة وبحاجة الى ترسيم. 2 ـ انّ الأخطاء التي ارتكبت من قبل لبنانيين غير ذوي صلاحية لا تفقد لبنان حقوقه وليس من شأنها أن تنشئ لـ «إسرائيل» حقوقاً مكتسبة خاصة أنّ أيّاً من هذه التصرفات الخطأ لم تكن «إسرائيل» أصلاً طرفاً مباشراً فيها، كما انها لم تصل الى النهائية نتيجة توقيع او إبرام. 3 ـ انّ لبنان يفاوض انطلاقاً من قواعد دولية معتمدة لترسيم الحدود البحرية (اتفاقيات الحدود والهدنة وقانون البحار) وهو لا يرى ولا يعترف بأيّ مرجعية غير ذلك، وانّ هدف المفاوضات هو رسم الخط الحدودي البحري، وبعد رسم الخط ينظر بملكية حقول النفط والغاز أيضاً وفقاً لقانون البحار ولا يمكن للبنان ان يضع العربة أمام الحصان ويفاوض عل الحقل قبل ان يرسم خط الحدود. 4 ـ إذا توقفت المفاوضات بقرار «إسرائيلي» وتعطل الترسيم فعلى «إسرائيل» ان تتمنّع عن التنقيب في كامل مساحة الـ 2290 التي يعتبرها لبنان حقاً له وانْ دخلت اليها فإنّ فعلها يشكل عدواناً وانتهاكاً لسيادة لبنان وحقوقه ما يستوجب الردّ المناسب وبكلّ الوسائل المتاحة. _ أستاذ جامعي ـ باحث استراتيجي
أكمل القراءة »