الصحافيون السودانيون وجحيم الحرب المتواصل

الصحافيون السودانيون: عامٌ دامٍ
كشف التقرير الصادر عن سكرتارية الحريات في نقابة الصحافيين السودانيين عن زيادة مروعة في عدد الضحايا بين الصحافيين خلال عام 2024، حيث لقي 16 صحافياً، بينهم ثلاث صحافيات، حتفهم، لترتفع حصيلة قتلى الصحافيين منذ اندلاع الحرب في إبريل/ نيسان 2023 إلى 20 صحافياً. وأوضح التقرير أن هذه الحصيلة تمثل زيادة بنسبة 300 % مقارنة بالعام السابق.
وأشار التقرير إلى أن العنف ضد الصحافيين لم يقتصر على القتل، بل شمل التعتيم الإعلامي، والتعذيب، والاعتقال التعسفي، حيث بات الصحافيون السودانيون مستهدفين بشكل متزايد، سواء بالقتل المباشر أو الاعتقال، فقط لمجرد سعيهم لنقل الحقيقة إلى العالم. وأوضح التقرير أن عدداً من الصحافيين ما زالوا يقبعون في السجون، وسط غياب القانون واستمرار الفوضى.
انتهاكات بالجملة
سجلت سكرتارية الحريات في النقابة 110 انتهاكات خلال عام 2024، ليصل إجمالي الانتهاكات الموثقة منذ اندلاع الحرب إلى 509 حالات. إلا أن التقرير يشير إلى أن هذه الأرقام لا تعكس سوى جزءٍ بسيطٍ من معاناة الصحافيين، حيث إن العديد من الحالات تبقى مجهولة بسبب الخوف من الإفصاح عنها.
واعتبر التقرير أن الصحافيين السودانيين يعيشون في “جحيم مستمر” منذ اندلاع الحرب، حيث تعرضوا لأبشع أنواع الانتهاكات ودفعوا ثمناً باهظاً من حياتهم وأمنهم ومعيشتهم. ووفق التقرير، لم تتوقف التهديدات ضد الصحافيين، بل أصبحت منهجية وثابتة.
وأكد التقرير أن حرية الصحافة والإعلام تلاشت تماماً بسبب القيود المفروضة من طرفي الصراع، فضلاً عن الغياب التام للضمانات القانونية التي تحمي الصحافيين في حالات الحرب. وأدى انقطاع الاتصالات في العديد من المناطق إلى ظلام إعلامي حجب الحقيقة عن العالم، وأجبر الصحافيين على العمل في ظروف غاية في الخطورة.
وشدد التقرير على أن وسائل الإعلام المحلية فقدت قدرتها على تقديم معلومات دقيقة ومحايدة، ما فتح المجال أمام التضليل الإعلامي والتلاعب بالمعلومات، في ظل تصاعد العنف.
تدهور الظروف المهنية
رصد التقرير تدهوراً خطيراً في بيئة العمل الصحافي، حيث اضطر العديد من الصحافيين إلى العمل من دون عقود أو أي ضمانات مهنية، ما جعلهم عرضة للابتزاز والمخاطر، من دون أي تعويض يُذكر. ونتيجة لذلك، تفاقمت أزمة المعلومات الموثوقة وانتشرت الشائعات، ما زاد من تعقيد المشهد الإعلامي وأضر بحقوق المواطنين في الوصول إلى معلومات دقيقة.
كما أدى الصراع المستمر إلى شلل شبه تام في قطاع الإعلام، حيث توقفت أكثر من 90 % من المؤسسات الإعلامية عن العمل، فيما لم يبقَ من بين 22 إذاعة محلية سوى ثلاث تعمل بشكل متقطع. وأكد التقرير أن هذه الإذاعات تقدم محتوى متحيزاً يخدم طرفاً دون الآخر، ما يعزز حالة الاستقطاب الإعلامي.
تهديدات قانونية متزايدة
رصد التقرير تهديداً جديداً لحرية الصحافة، يتمثل في التعديلات التي أُدخلت على قانون جهاز المخابرات العامة، التي منحت الجهاز صلاحيات واسعة تشمل استدعاء الأشخاص واستجوابهم، إلى جانب الرقابة والتفتيش والاعتقال من دون قيود قانونية واضحة. واعتبر التقرير أن هذه التعديلات تعد “ردة قانونية” تهدف إلى المزيد من التضييق على الحريات الصحافية، خصوصاً مع منح عناصر الجهاز حصانات تمنع ملاحقتهم قانونياً.
أشار التقرير إلى حملة تحريضية انطلقت عبر مواقع التواصل الاجتماعي في يوليو/تموز 2024، استهدفت نقابة الصحافيين، متهمةً إياها بالانحياز إلى طرف معين في الصراع. كما شهدت الحملة إصدار “قائمة الخيانة والعمالة والعار” التي ضمت أسماء 42 صحافياً وصحافية، في خطوة وصفها التقرير بأنها تهدف إلى ترهيب الصحافيين وإسكات أصواتهم.
في المقابل، وجهت قوات الدعم السريع انتقادات إلى وسائل الإعلام المحلية، متهمةً إياها بعدم الحياد والانحياز إلى جهة واحدة واتهمت العالمين في مهنة الصحافة بـ”المأجورين” ما أدى إلى بروز ردات فعل حادة ضد هذا التحريض المباشر الذي يعرّض حياة أي صحافي على الأرض للخطر.
كما وثّق التقرير عراقيل جديدة فرضتها الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش، تضمنت تعقيدات بيروقراطية للحصول على تصاريح العمل الصحافي.
التوصيات
في ختام التقرير، دعت نقابة الصحافيين السودانيين إلى بلورة استراتيجية لدعم الصحافيين السودانيين وتعزيز آليات محاسبة مرتكبي الانتهاكات. كما أوصى التقرير بتوفير الحماية للصحافيين وفق القوانين الدولية، إلى جانب العمل على وضع إطار قانوني يحمي حرية الصحافة.
كما شدد التقرير على أهمية دور المجتمع الدولي في الضغط على أطراف الصراع لحماية الصحافيين، مؤكداً أن غياب المساءلة يعزز بيئة الإفلات من العقاب.
وقد كشف التقرير عن نقاشات دارت داخل نقابة الصحافيين حول موقفها من تحالف “تنسيقية القوى الديمقراطية”، حيث يرى المكتب التنفيذي أن الانضمام إلى هذا التحالف يهدف إلى دعم وقف الحرب واستعادة التحول الديمقراطي، فيما يعتبره آخرون خروجاً عن الحياد.
آراء متباينة
أشاد عضو النقابة عز الدين دهب بالتقرير، داعياً في حديث مع “العربي الجديد” إلى تعزيز جهود رصد الانتهاكات وتوسيع عضوية النقابة في مختلف أنحاء السودان لضمان توثيق دقيق لجميع الحالات.
أما الصحافي محمد عبد الله الزين، فقد انتقد التقرير لعدم تسميته الجهات المنتهكة بوضوح، معتبراً أن بعض العبارات المستخدمة مثل “جهة ترتدي زياً عسكرياً” تخفي المسؤولية الحقيقية لقوات الدعم السريع عن بعض الانتهاكات. كما أشار لـ”العربي الجديد” إلى غياب رصد كافٍ للانتهاكات التي تعرض لها الصحافيون السودانيون في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع.
وأضاف الزين أن النقابة تواجه تحديات داخلية، إذ إن عدداً كبيراً من قيادتها غادر البلاد بسبب الحرب، مما أثر على قدرتها على التواصل الفعلي مع الصحافيين العاملين في الميدان.
من جهته، أكد نقيب الصحافيين السودانيين، عبد المنعم أبو إدريس، أن وتيرة الانتهاكات ضد الصحافيين تتزايد مع استمرار الحرب. وأضاف في حديث مع “العربي الجديد” أن النقابة تعمل على عدة محاور، تشمل تنظيم ورش تدريبية للصحافيين حول السلامة المهنية، وتوثيق الانتهاكات، والتواصل مع المنظمات الإقليمية والدولية لحشد الدعم لقضية الصحافيين السودانيين.
وشدد أبو إدريس على أن النقابة ستواصل العمل على كشف الانتهاكات، مؤكداً أن وقف الحرب هو الحل الأساسي لإنهاء معاناة الصحافيين وحماية حرية الصحافة في السودان.
انتهى.
المصدر
الكاتب:Alireza Moradi
الموقع : ar.shafaqna.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2025-02-03 11:12:46
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي