هیئة تحرير الشام وطالبان؛ أوجه التشابه والفوارق
يرى الكثيرون أن عاملين رئيسيين كانا وراء هذا التحول: أحدهما دعم الدول الأجنبية للمتمردين، والآخر هو استياء الشعب من الفساد المستشري بين المسؤولين الحكوميين في سوريا. هذان العاملان، بالنظر إلى الصورة العامة، يشبهان ما حدث مع حكومة أشرف غني في أفغانستان.
في أفغانستان أيضا، وبعد قرابة 20 عاما من الكفاح ضد الاحتلال الأمريكي وحلفائه، وبدعم من الولايات المتحدة في اتفاقية السلام لعام 2019، بالإضافة إلى الفساد المفرط في حكومة أفغانستان الذي جعلها تتصدر قائمة أكثر الدول فسادا في العالم، تمكنت حركة طالبان مرة أخرى من السيطرة على البلاد واستعادة الحكم.
التشابه في أسباب سقوط حكومتي بشار الأسد وأشرف غني دفع المحللين السياسيين إلى دراسة أسباب السقوط، بالإضافة إلى مناقشة أوجه التشابه والاختلاف بين الجماعات التي سيطرت على أفغانستان وسوريا.
من المهم هنا الإشارة إلى أن أحد أسباب دراسة التشابهات بين هيئة تحرير الشام وطالبان هو الطبيعة الأيديولوجية لهاتين الجماعتين، وطريقة عملهما في فترتين زمنيتين مختلفتين، وكذلك إرسال تهنئة من مسؤولي حكومة طالبان إلى الشعب السوري في الساعات الأولى لسيطرة هذه الجماعة على سوريا احتفالا بانتصار الثوار.
في هذا السياق، أصدرت وزارة الخارجية التابعة لطالبان، بعد وقت قصير من سيطرة تحرير الشام على سوريا، بيانا رحبت فيه بسقوط الحكومة السورية الشرعية، وهنأت الشعب السوري على انتصار المتمردين. ووصفت ذلك بأنه ثورة، ودعت الأطراف المعنية في هذه التحولات إلى إدارة الوضع بطريقة تضمن انتقال السلطة بما يؤدي إلى إنشاء نظام إسلامي يتماشى مع تطلعات جميع أبناء الشعب في بلدهم.
أوجه التشابه
في البداية، يمكن القول بثقة إن أهم تشابه دفع المحللين إلى تعداد أوجه التشابه بين هاتين الجماعتين هو التشابه الأيديولوجي. فكلا الجماعتين تتبعان مذهبا حنفيا-سلفيا متطرفا في تطبيق الأحكام الإسلامية وفق تفسيرهما الخاص، وتسعيان للعودة إلى ممارسات السلف والصحابة في صدر الإسلام.
استنادا إلى المقالات والتحليلات المنشورة في وسائل الإعلام، يمكن الإشارة إلى النقاط التالية باعتبارها أوجه التشابه بين هيئة تحرير الشام وطالبان:
سرعة تقدم المعارضين: القدرة على تحقيق مكاسب سريعة على الأرض.
عدم مواجهة عسكرية وأمنية قوية: غياب المقاومة الفعالة من القوات النظامية والأمنية.
غياب موقف سياسي واضح: افتقار الحكام إلى موقف سياسي صريح تجاه الأزمات الداخلية والخارجية.
تغير مواقف الحلفاء الإقليميين: تحول في نظرة داعمي الحكومة السورية الإقليميين.
فراغ السلطة: استغلال حالة الفراغ والضعف السياسي.
تراجع الدعم الأجنبي: انخفاض الدعم الدولي وشح اهتمام الحلفاء الاستراتيجيين بإنفاق المزيد للحفاظ على النظام السوري.
سيطرة الجماعات النيابية: بسط الجماعات المرتبطة بالقوى الأجنبية (مثل هيئة تحرير الشام) نفوذها.
التبعية للقوى الأجنبية: اعتماد الجماعات المنتصرة على دعم خارجي واضح، بما في ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل.
القيادة المستهدفة دوليا: إدراج قادة الجماعتين ضمن قوائم “الإرهابيين” المطلوبين لدى الولايات المتحدة، مع رصد مكافآت للقبض عليهم أو قتلهم.
إعادة تقييم دولية: مراجعة القوى الخارجية سريعا مواقفها تجاه الطبيعة الإرهابية للجماعتين.
الدعوات لتشكيل حكومات شاملة: مطالبة القوى الغربية لكل من طالبان وهيئة تحرير الشام بتشكيل حكومة تضم جميع الأطراف السياسية والقومية.
احترام حقوق المجتمع: الوعود باحترام حقوق جميع أفراد المجتمع والأقليات.
العفو العام: التركيز على العفو العام وتجنب القمع والانتقام.
العلاقة مع تركيا: ارتباط كلا الجماعتين بعلاقة معقدة مع الحكومة التركية.
معاداة المذهب الجعفري والشيعة: العداء تجاه الشيعة والمذهب الجعفري.
موقف موحد تجاه داعش: رؤية مشتركة لكيفية التعامل مع تنظيم داعش.
الفوارق:
كما ذكرنا سابقا، فإن التشابه في أسباب سيطرة هيئة تحرير الشام في سوريا وطالبان في أفغانستان دفع المحللين إلى دراسة أوجه التشابه بينهما. ومع ذلك، فإن تصريحات محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام، بعد سيطرتها على سوريا، وامتناعه عن مقارنة جماعته بطالبان، بالإضافة إلى محاولات تحرير الشام – وخاصة الجولاني – لإعادة تشكيل صورتها من خلال إصدار بيانات “ودية”، تُظهر أنه رغم أوجه التشابه بين الجماعتين، إلا أن هناك أيضا اختلافات جوهرية نوجزها فيما يلي:
- نطاق السيطرة قبل الاستيلاء على الحكم
كانت هيئة تحرير الشام تسيطر على منطقة محدودة ومحاصرة في سوريا، وكانت تركز على تدريب وتجهيز قواتها. بالمقابل، كانت طالبان تسيطر فعليا على 70% من أراضي أفغانستان، وفقا لتقديرات العديد من المحللين الدوليين والأفغان. كما أنها، بسبب فساد المسؤولين الحكوميين، كانت مقصدا للأهالي لحل مشكلاتهم ونزاعاتهم.
- التبعية للقوى الخارجية
رغم أن كلتا الجماعتين كانت تخضعان لتأثير أجهزة استخباراتية وأمنية إقليمية ودولية، فإن هيئة تحرير الشام أظهرت خلال فترة حكمها تبعية واضحة لجهاز استخبارات وجيش إحدى الدول المجاورة لسوريا. هذه الجماعة لم تكن تحارب فقط بأسلحة وتدريبات ومعلومات تلك الدولة، بل الأهم أنها كانت تتحرك “بإذن” منها.
أما طالبان، فعلى الرغم من دعمها السابق من قوى خارجية، إلا أنها بعد سيطرتها على أفغانستان فقدت علاقاتها السابقة مع داعمها الرئيس، إلى درجة أن الطرفين باتا يعلنان مواقف معادية لبعضهما البعض.
- تماسك الأعضاء والقوات
الفارق المهم الثالث بين طالبان وهيئة تحرير الشام هو وحدة قوات طالبان وتشرذم وقومية هيئة تحرير الشام. اذ تميّزت طالبان عند وصولها إلى السلطة بوحدة صفوفها وانسجام قواتها وقياداتها، رغم ظهور تقارير تتحدث عن خلافات داخلية بين أقطابها. ومع ذلك، فإن الجميع يتفق على أن هذه الخلافات لم تكن عميقة بما يكفي لتؤدي إلى تفكك الجماعة أو صراعات داخلية.
أما في سوريا، فإن القوات التي تحالفت مع هيئة تحرير الشام لتحقيق السيطرة كانت مكونة من أعراق وجنسيات متعددة. ورغم تقارب هذه الفصائل خلال فترة إقامتهم المشتركة في منطقة إدلب، فإن هذا التقارب كان “اضطراريا” ولا يعكس وحدة داخلية حقيقية. لذا، فإن أي خلاف بسيط قد يؤدي إلى انقسام هذه الفصائل ووقوفها ضد بعضها البعض.
- مكانة القيادة
على الرغم من أن وحدة القوات تُعتبر عاملا مؤثرا في انتصار أي مجموعة في السيطرة على السلطة وتثبيتها، إلا أن التاريخ أظهر أن وجود عنصر القيادة الذي يكون قوله الفصل بين قادة المجموعة وأعضائها في أي تحول أو ثورة له أهمية كبيرة. مثال بارز على هذه القضية يمكن أن يُرى في الربيع العربي، حيث حدثت تحولات في عدة دول وأدت إلى سقوط بعض الأنظمة الديكتاتورية، لكن مع مرور الوقت تبين أن عدم وجود قيادة قوية تسبب في تحريف مصير هذه الثورات.
وفي أفغانستان، بعد سيطرة طالبان على البلاد، بدأ بعض القادة الرئيسيين داخل الحركة بتصريحات أظهرت خلافات داخلية، ما جعل بعض الفاعلين السياسيين يعتقدون أن هذا الأمر قد يؤدي إلى انهيار النظام. ومع ذلك، بفضل مكانة القيادة الخاصة، والخلافة، والبيعة في تقاليد هذه المجموعة (البشتون)، وإلزام جميع أفراد طالبان بالولاء لهذه المبادئ، وتعصبهم العرقي البشتوني، وبالنظر إلى أن رأي قائد طالبان، الذي يُلقب بـ “أمير المؤمنين”، هو الفصل في كل الأمور، لم يحدث أي خلل يذكر في هذا النظام حتى الآن.
أما في سوريا، وحسب ما تم ذكره في الاختلافات السابقة، فإن الوضع يختلف. حيث إن المجموعة التي تسيطر على سوريا تتكون من فصائل متعددة ذات عقائد ومبادئ مختلفة، وهي مدعومة من قوى إقليمية أو غير إقليمية. علاوة على ذلك، فإن الشخص الحاكم يمثل تيارا واحدا فقط، مما يجعل من الصعب جدا جمع هذه الفصائل المختلفة تحت محور واحد في المستقبل القريب.
- ادعاء التغيير
الفارق الرابع بين طالبان وهيئة تحرير الشام يتعلق بـ “التغيير” الذي طرأ على كل من الجماعتين. الرواية السائدة تشير إلى أن طالبان وهيئة تحرير الشام قد “تغيرتا”. ولكن في حين أن طالبان قد أظهرت تغييرات في سلوكها تجاه الشعب الذي تحكمه، وكذلك في تعاملها مع الدول المجاورة والمجتمع الدولي، فإنها بقيت على نفس معتقداتها كما كانت سابقا، حيث لا توجد فرق في خطاب ملا هبة الله مقارنة مع خطاب ملا عمر. في الواقع، كانت تصرفات طالبان العنيفة والغريبة في الماضي تتعلق أكثر بالحرب الأهلية في أفغانستان، وقد ارتبطت بعض الأمور التي نسبت إليها بهم بشكل غير مباشر ولم يكن لهم توجه وهابي أو عدائي علني تجاه الشيعة (على الرغم من أنهم قاتلوا الشيعة وقتلوا العديد منهم، لكنهم أيضًا قاتلوا السنة وقتلوا العديد منهم أيضا).
أما هيئة تحرير الشام، فهي تحاول أن تُظهر تغييرا في سلوكها. وإن كان قد حدث تغيير حقيقي أم لا، لا يمكن تأكيد ذلك أو نفيه في الوقت الحالي، من الممكن أن يتطلب الأمر بعض الوقت للحكم على ذلك. على أية حال، فإن طالبان، رغم أنها لم تُحدث تغييرات جذرية في معتقداتها، إلا أنها تظهر تسامحا عمليا في بعض القضايا. بينما تدعي هيئة تحرير الشام تغييرا جذريا في طبيعتها، ومن السهل تقبل التغيير القائم على المصلحة البراغماتية، ولكن من الصعب تصديق أن الجماعة قد تحولت من الظلام الدامس إلى النقاء التام الذي بالكاد يوجد مثيل له في بعض الدول التي تدعي الديمقراطية.
المصدر: موقع ايراس
————————
المقالات والتقارير المنقولة تعبر عن وجهة نظر مصادرها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع
————————–
النهاية
المصدر
الكاتب:Shafaqna1
الموقع : ar.shafaqna.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2025-01-10 02:18:33
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي