ٰٰأسباب انتشار “إدماج العنف والمجتمع” في سوريا

فوجود الأمن في المجتمع يزيد من التماسك الاجتماعي، ويقلل من حالات الشذوذ، ويقوي العلاقات بين الناس. يمكن النظر إلى الأمن باعتباره البنية التحتية لجميع جوانب حياة المجتمع. وبدون الأمن، لن يكون من الممكن تحقيق أي تقدم في مختلف المجالات. والحرمان من الأمن يسبب اليأس وانعدام الثقة في المجتمع، مما قد يؤدي إلى أزمات خطيرة. وبشكل عام، فإن هذا الطلب ليس فقط حاجة أساسية لبقاء الإنسان، بل هو أيضا بمثابة أساس لتحقيق الأهداف السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية الأخرى.
السؤال المطروح هو كيف يمكن لمجتمع وهو يرى ويسمع نتائج العنف وآثاره المدمرة على مكونات الأمن أن يتجه بشكل غريب نحو التيارات والجماعات التي تدعمه وتروج له؟ ماذا حدث حتى أصبحوا على استعداد لتفضيل انعدام الأمن والأزمات على سلامهم الظاهري؟ نعتزم في هذا المقال أن نتناول بإيجاز أسباب ميل المجتمع السوري إلى العنف، أو بالأحرى جذور العنف في سوريا.
الإدماج الاجتماعي
الإدماج الاجتماعي هو عملية يتم فيها دمج الأقليات المشكلة حديثا أو الوافدة حديثا وإدغامها في الهياكل والبنى السياسية للدولة المضيفة. إن المستوى العالي من الإدماج والتكامل، إذا اتبع المسار الصحيح، يجعل القيم والسلوكيات المختلفة في ذلك المجتمع أكثر توافقا مع بعضها البعض. وهذه القضية تجعل فئات المجتمع المختلفة تستمر في حياتها الاجتماعية بغض النظر عن خصائصها الهوية مثل اللغة والمعتقدات والأفكار وغيرها في كل جغرافيتها. وبالإضافة إلى الآثار الإيجابية، فإن لهذا الحدث عواقب سلبية، منها: انتشار الصراعات الطبقية، والانتهاكات السياسية والاجتماعية، وتحديات الهوية، وحدوث العنف، وما إلى ذلك.
وبحسب ما ورد في المضمون نعود إلى التطورات في المنطقة، وخاصة في سوريا. شهدنا في المجتمع الاجتماعي السوري في السنوات الماضية أن الأقليات (ذات النزعة والتفكير بالعنف) لقيت ترحيبا من المجتمع، وبطريقة خلقت ظاهرة إدماج غريبة على مستوى المنطقة. وكما ذكرنا، فإن ظاهرة الإدماج في بعض الأحيان يكون لها آثار وعواقب لا يمكن إصلاحها على المجتمع، ولكن إذا كانت مساهماتها أكثر من ظروف العصر، فإن المجتمع يتجه نحو تحقيقها. والآن يجب أن نبحث في السؤال عن العوامل التي جعلت المجتمع السوري يشعر بخيبة الأمل من بنيته السياسية ويتجه نحو التغيير. وهو التغيير الذي رافقه العديد من خطوط العنف في اتجاه الإدماج.
إن عوامل مختلفة، مثل السياقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتاريخية وغيرها، تجعل العنف بجميع أبعاده، وخاصة في البعد السياسي، يظهر نفسه بشكل متعدد الأوجه. إن فهم جذور العنف يتطلب استكشاف وبحث الأسباب الكامنة وراءه بأشكال مختلفة مثل؛ الإرهاب والقمع والحروب الأهلية وما إلى ذلك. لذا، يجب علينا أولا معالجة الدوافع الأساسية للعنف في سوريا:
العوامل الاجتماعية والاقتصادية
من أهم العوامل المؤثرة في مجال النزعة نحو العنف هو عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية. ويظهر البحث الذي أجراه فرانسيس ستيوارت أن أوجه عدم المساواة هذه غالبا ما تكون بمثابة أرض خصبة للصراعات، وخاصة في البلدان النامية حيث الفقر شائع. أحد الدوافع المهمة في هذا النقاش هو “الدافع الجماعي”. تفترض فرضية “الدافع الجماعي” أنه عندما تعاني المجموعات من الحرمان النسبي مقارنة بالآخرين، فإنها قد تلجأ إلى العنف كوسيلة للتعويض. ويصدق هذا بشكل خاص عندما يُنظر إلى السبل السياسية للتغيير على أنها مغلقة أو غير فعالة.
لقد أظهر الصراع الدائر في سوريا كيف يمكن لأوجه عدم المساواة الأفقية – حيث تعاني مجموعات معينة من الحرمان بشكل منهجي – أن تؤدي إلى انتفاضات عنيفة ضد الظلم الحكومي. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الركود الاقتصادي وارتفاع معدل البطالة يؤديان إلى تفاقم هذه التوترات. عندما يفتقر الناس إلى إمكانية الوصول إلى الخدمات الأساسية والفرص الاقتصادية، فقد يلجؤون إلى العنف كشكل من أشكال الاحتجاج أو التمرد ضد الهياكل السياسية الحاكمة. إن انهيار العقد الاجتماعي بين المواطنين والحكومة، حيث تفشل الحكومة في تقديم الخدمات الكافية مقابل امتثال المواطنين، يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات مدنية وأعمال عنف.
الهياكل السياسية
المؤسسات الحكومية وغير الحكومية ذات الطبيعة السياسية، إذا كان لديها بنية سياسية ضعيفة، فإنها تثار هي نفسها كعامل مهم في فهم العنف. يرى تيموثي بيسلي وتورستن بيرسون أن العنف السياسي والديني – سواء من خلال قمع الدولة أو الحرب الأهلية – غالبا ما ينشأ من أنظمة سياسية غير متماسكة يتم فيها توجيه السلطة من خلال وسائل عنيفة وليس ديمقراطية. ويُظهِر نموذجهم أنه عندما تفتقر المؤسسات السياسية إلى الإجماع والشرعية، فإن احتمالات نشوب صراع عنيف تتزايد بشكل كبير. وفي مثل هذه المجتمعات، قد تلجأ الجهات الحكومية وجماعات المعارضة إلى العنف للحفاظ على السلطة أو الاستيلاء عليها.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الاستقطاب داخل الأنظمة السياسية يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الصراعات. وفي المجتمعات شديدة الاستقطاب، يمكن أن يؤدي الانقسام الأيديولوجي الحاد إلى مواجهات عنيفة عندما تحتشد المجموعات ضد بعضها البعض. وأظهرت الأحداث الأخيرة كيف أدى الاستقطاب السياسي إلى زيادة حوادث العنف ضد السياسيين والشخصيات العامة. ويظهر صعود الجماعات المتطرفة والعنيفة كيف يمكن أن يخلق الاستقطاب بيئة مواتية للعنف السياسي، حيث تنخرط هذه الجماعات في كثير من الأحيان في تكتيكات عنيفة ضد المعارضين أو تدعمها.
السياقات التاريخية
لا يمكن تجاهل الجذور التاريخية للعنف السياسي. إن العديد من الصراعات تضرب بجذورها في مظالم تاريخية عميقة تجلت في الصراعات المعاصرة. على سبيل المثال، لا تزال التوترات العرقية الناجمة عن الإرث الاستعماري تؤجج العنف في مناطق مختلفة. يمكن أن تؤدي المظالم التاريخية إلى خلق استياء دائم يساهم في دورات العنف حيث تسعى المجموعات المهمشة إلى تحديد أخطاء الماضي وتصحيحها. بالإضافة إلى ذلك، يلعب التطرف دورا مهما في العنف المعاصر. وقد تلجأ الجماعات التي تحركها أيديولوجيات متطرفة – سواء كانت دينية أو علمانية – إلى العنف كوسيلة لتحقيق أهدافها أو فرض معتقداتها على الآخرين. وقد لوحظت هذه الظاهرة في سياقات مختلفة حيث يشعر الناس بالحرمان أو التهديد بسبب الأعراف والهياكل الاجتماعية السائدة.
ووفقا للتعريفات المقدمة والظروف السائدة في المنطقة، يمكن الاستنتاج أنه على الرغم من الآمال الأولية لإجراء إصلاحات في سوريا، لم تتمكن حكومة الأسد من تلبية متطلبات التغيير السياسي التي نشأت خلال الربيع العربي في عام 2011. أدى إحجامه عن المشاركة في حوار أو إصلاحات هادفة إلى تهميش قطاعات كبيرة من الناس، خاصة المجتمعات السنية وجماعات المعارضة، وتسبب في تكوين توافق بينهم، ثم عادوا لاحقا إلى المجتمع باستخدام نظرية الإدماج. ومن ناحية أخرى، لعبت العوامل الاقتصادية دورا مهما في عدم الاستقرار في سوريا. وأدى ارتفاع معدلات البطالة وانتشار الفقر وسوء الإدارة الاقتصادية الشديد إلى تفاقم السخط العام.
وقد تفاقم هذا الوضع بسبب الجفاف المدمر الذي حدث في الفترة من عام 2006 إلى عام 2010، والذي أدى إلى نزوح سكان الريف واستنزف الموارد الحضرية، مما أدى إلى زيادة التوترات المجتمعية. وقد غذت هذه المظالم الاقتصادية الاحتجاجات وساعدت في تصاعد الاضطرابات المدنية إلى حرب أهلية شاملة. كما عانى الجيش السوري، الذي كان ذات يوم قوة محترمة بين الدول العربية، من تدهور كبير بسبب سنوات الصراع. اعتمد الهيكل العسكري بشكل كبير على الدعم الأجنبي، مما جعل نقاط الضعف في العمليات والتدريب والمعدات وما إلى ذلك أكثر وضوحا.
وخلال هجمات المتمردين الأخيرة، كانت القوات الحكومية منهكة وغير قادرة على الدفاع بفعالية عن المناطق الرئيسية. وأدى تفتت سلطة الحكومة المركزية، إلى جانب الانشقاق الواسع النطاق للجيش، إلى إضعاف سيطرة الحكومة على أراضيها. كما تغيرت البيئة الجيوسياسية المحيطة بسوريا بشكل كبير في العام الماضي. وبينما كان الأسد يتمتع في البداية بدعم قوي من حلفاء مثل روسيا وإيران، فإن الأولويات الدولية المتغيرة بدأت في تقويض موقفه.
باختصار، كان الانهيار السياسي والاجتماعي في سوريا نتيجة لمجموعة من إخفاقات النظام الاستبدادي، والضائقة الاقتصادية، ومعضلات الأمن الداخلي، والتفتت العسكري، والصراعات السياسية الداخلية، وتحول التحالفات الدولية، وفقدان الشرعية. خلقت هذه العوامل مجتمعة بيئة جاهزة للتحول، الأمر الذي دفع الناس في نهاية المطاف إلى تبني العنف كأداة ضد إخفاقات حكومة الأسد من أجل تحقيق بعض الطموحات.
المصدر: موقع ديبلماسي ايراني
————————
المقالات والتقارير المنقولة تعبر عن وجهة نظر مصادرها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع
————————–
النهاية
المصدر
الكاتب:Shafaqna1
الموقع : ar.shafaqna.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2025-01-01 23:23:41
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي