من تاتشر إلى جولاني: كيف يعيد السياسيون تشكيل صورتهم العامة؟
في حين أن شرع يجري مقابلات مع وسائل الإعلام العالمية، ويستقبل الوفود الدولية في قصر الرئاسة في دمشق، ويلتقط صورًا مع الناس في الأماكن العامة، ويدخل المسجد الأموي أمام الكاميرات، تختلف الآراء بشأن التغيرات الملحوظة في الصورة العامة لزعيم هيئة تحرير الشام، أو الشخص الذي يُعتبر حاليًا القائد العام لإدارة سوريا الجديدة بعد سقوط بشار الأسد.
في الواقع، ليس التغيير الذي طرأ على الجولاني من “زعيم جهادي إلى سياسي معارض” ظاهرة جديدة؛ بل كما ذكرت ميناء لامي، خبيرة في شؤون الجماعات الجهادية، في مقالها الأخير على موقع بي بي سي، كان “تطورًا دقيقًا على مدى سنوات، وهذا التغير ليس فقط في تصريحاته العامة ومقابلاته الدولية، بل يظهر أيضًا في مظهره المتغير”.
يسترجع كريستوفر بيتش تجربة مشابهة مر بها مارغريت تاتشر، رئيسة وزراء بريطانيا بين عامي 1979 و1990. وقال: “في السبعينات، عندما كانت تاتشر على وشك تولي قيادة حزب المحافظين، كان عليها أن تغيّر صورتها لتبدو كقائدة محتملة للبلاد ورئيسة وزراء مقنعة”.
في ذلك الوقت، استعانت تاتشر بخبراء في العلاقات العامة والتسويق لتقديم صورة مدروسة عنها تظهرها كشخصية مؤهلة للقيادة، شخصية تُشعِر بالثقة والقدرة على إدارة الحكومة. اختارت ملابس تعكس القوة وتظهر أيضًا لينة، وغيرت نبرة صوتها لتصبح هادئة وثابتة، بل وغيرت تسريحة شعرها. بهذا الشكل، نشأت “السيدة الحديدية”، لتصبح واحدة من أكثر الشخصيات تأثيرًا في حكم وسياسة بريطانيا لمدة عقدين.
ومن الأمثلة الحديثة على النجاح في التسويق السياسي، لا بد من الإشارة إلى فولوديمير زيلينسكي، رئيس أوكرانيا. فقد كان زيلينسكي في البداية كاتبًا وممثلًا كوميديًا، وعُرف من خلال المسلسل التلفزيوني “خادم الشعب”، الذي كان يحكي قصة مواطن عادي وصل إلى رئاسة الجمهورية. وعندما دخل زيلينسكي المجال السياسي، استخدم خلفيته لتقديم صورة مختلفة عن السياسيين التقليديين في أوكرانيا.
بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا، أصبح زيلينسكي رمزًا للمقاومة ضد الغزو، وارتداءه للقمصان الخضراء الزيتونية في الصيف والشتاء، جعل منه صورة رمزية لروح الشعب الأوكراني.
يقول الأستاذ بول بينز، أستاذ التسويق في جامعة ليستر: “الفهم العميق لزيلينسكي لوسائل الإعلام وكيفية عملها، بالإضافة إلى علاقاته الوثيقة مع مالكي وسائل الإعلام بسبب خلفيته كممثل ومالك لشركة إنتاج أفلام، كانت عوامل ساعدت في تعزيز صورته العامة وجعلته رمزًا فريدًا”.
التسويق السياسي: تعريفه وأهدافه
تعتبر الخلفية التاريخية لتجربة تاتشر مختلفة عن الظروف في أوكرانيا أو سوريا، حيث تمتلك كل دولة أزماتها وظروفها السياسية الخاصة. ومع ذلك، فإن الترويج للزعماء السياسيين وتحقيق التأثير المستقل والمؤثر يعتبر من العوامل الحاسمة في صعود أو سقوط هؤلاء الشخصيات.
التسويق السياسي هو عملية تتبنى مبادئ وقواعد التسويق التجاري، ولكن بدلاً من الترويج للسلع أو المنتجات، يتم استخدامه في المجال السياسي لتشكيل الصورة العامة أو “العلامة الشخصية” للأحزاب والشخصيات والحركات السياسية. وبالتالي، يسهم في تحديد شعبية السياسيين ونظرة الجمهور لهم وإرثهم.
ويعتبر كريستوفر بيتش أن جذور التسويق السياسي تعود إلى العصور اليونانية القديمة، عندما كانوا يكتبون برامجهم ووعودهم السياسية على ألواح حجرية ويعرضونها في المدن والقرى.
على مر العصور، تطور التسويق السياسي مع ظهور وسائل الإعلام الحديثة. كان يتم استخدام الملصقات والإذاعة والتلفزيون للتواصل مع الناخبين، ثم أحدثت وسائل الإعلام الرقمية تحولًا جذريًا في طريقة تواصل السياسيين مع الجمهور.
يقول بيتش: “اليوم، أصبح التسويق السياسي صناعة بمليارات الدولارات، حيث يتم استهداف الجمهور بشكل دقيق لخلق تأثير واسع النطاق. بناء صورة عامة أو علامة تجارية سياسية يتضمن خلق رواية متماسكة يمكن أن تعكس قيم الفرد أو الحزب وتخلق ارتباطًا عاطفيًا مع المؤيدين”.
نجاح الحملات الانتخابية يعتمد على تنفيذ برامج استنادًا إلى الأبحاث واستطلاعات الرأي الدقيقة لفهم مزاج الناس وتفضيلاتهم. يشير بيتش إلى مجموعة من المبادئ الأساسية التي يعتمد عليها المحترفون في التسويق السياسي لتحقيق التأثير. من بين هذه المبادئ، التميز عن المنافسين، وقدرة القائد على تقديم رؤية وقيم واضحة، وأصالة وثقة يجب أن يشعر بها الجمهور.
وفي هذا السياق، يذكر بيتش حملات باراك أوباما الانتخابية في عامي 2008 و2012، حيث كان يظهر بأشكال مختلفة: أحيانًا يرتدي زيًا رسميًا مع رباط عنق ليتناسب مع فئة من الجمهور، وأحيانًا يظهر بأكمام مرفوعة وبدون رباط عنق ليتناسب مع فئة أخرى.
كما يشير إلى مثال دونالد ترامب الذي رغم مرور أربع سنوات على رئاسته، استطاع أن يعيد تقديم نفسه في الانتخابات الأخيرة كـ “ضحية” للمؤسسات السياسية، مستخدمًا القضايا القانونية وحملاته الانتخابية المثيرة لتعزيز صورته كمقاتل ضد النظام القائم في الولايات المتحدة.
من بين الأمثلة المعاصرة الأخرى، تبرز جاسيندا أرديرن، رئيسة وزراء نيوزيلندا السابقة، التي نجحت في تقديم صورة قائدة متعاطفة وقريبة من الشعب، وكذلك أنجيلا ميركل، المستشارة السابقة لألمانيا، التي عُرفت بلقب “أم ميركل”، وهو لقب يعكس بث الطمأنينة والثقة.
متى لا تنجح الصورة السياسية؟
على الجانب الآخر، هناك شخصيات قد تكون صورها العامة ذات تأثير سلبي على موقعهم السياسي، كما يحدث مع ريشي سوناك، رئيس وزراء المملكة المتحدة السابق، الذي تم تصويره كـ “شخص بعيد عن الناس، نخبوي، ومنفصل عن الحياة اليومية للعامة”، مما أثر سلبًا على موقفه السياسي.
الصورة العامة “غير قابلة للهزيمة”
في الانتخابات الديمقراطية، يتم استخدام التسويق السياسي وبناء العلامة التجارية للزعماء بهدف جذب الناخبين وتحسين نتائج الاستطلاعات وزيادة الشعبية لتحقيق الفوز. وحتى في الأنظمة الاستبدادية أو تلك القائمة على شخصيات قوية، يظل من الضروري بناء صورة دقيقة للرأي العام.
كما يوضح البروفيسور بول بينز، يتم بناء “هالة” حول شخصية القائد ليظهر كما لو أنه لا يقهر وموثوق به. يتحدث عن كيفية اختيار صور دقيقة للقيادة تعزز قوة القائد، مثل صور فلاديمير بوتين في ملابس الجودو أو على حصان بدون قميص لإرسال رسالة قوة وصلابة.
النهایة
المصدر
الكاتب:Shafaqna1
الموقع : ar.shafaqna.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2024-12-31 00:05:28
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي