الأمل الأخير لإنهاء الحرب.. هل تتاجر روسيا بأوكرانيا مقابل الشرق الأوسط؟

شفقنا-في الأسابيع الأخيرة، تزايدت المخاوف بشأن احتمال نشوب حرب عالمية ثالثة بشكل ملحوظ. واستخدمت أوكرانيا، بإذن من البيت الأبيض، صواريخ طويلة المدى زودتها بها الولايات المتحدة لمهاجمة الأراضي الروسية. وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حذر في وقت سابق من أن مثل هذا الإجراء سيعني بداية حرب بين الناتو وروسيا، بل وأثار إمكانية استخدام الأسلحة النووية.

من ناحية أخرى، في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة في الأيام الأخيرة في سوريا، حدثت تطورات مفاجئة أدت إلى سقوط الأسد. كل هذه التطورات يمكن البحث عنها في الإجراءات التي تقوم بها خلف الكواليس من جانب روسيا وأميركا في عهد ترامب. التطورات التي تمتزج بطريقة أو بأخرى مع لعبة الحرب الأوكرانية. كلا المنطقتين هما أساس الحرب العالمية، وإذا لم يتم احتوائهما، فهذا خطر جدي.

 ومن الواضح أنه لا توجد حكومة تريد حربا واسعة النطاق وشاملة، لذا لا بد من إطفاء نيران الحرب، وخاصة الحرب المستمرة منذ ثلاث سنوات في أوكرانيا. وتستمر روسيا في الإصرار على مطالبها في أوكرانيا، ونتيجة لهذه الحرب المدمرة دفعت الجانبين إلى التفكير في إنهائها بطريقة أو بأخرى. على الرغم من أن التهديدات الروسية قد يُنظر إليها للوهلة الأولى على أنها خدعة للضغط على الغرب، إلا أن بوتين جعل هذه التهديدات تبدو أكثر جدية دائما من خلال سلسلة من الإجراءات.

وكان رد فعل بوتين القوي، على النقيض من حذره في الأزمات السابقة، سببا في تعقيد الطريق إلى أي اتفاق سلام. وفي أمريكا لا تزال هاتان المجموعتان موجودتين بين الفصائل. ويعتقد بعض المحللين الليبراليين أن رئاسة دونالد ترامب الوشيكة، بدلا من التعجيل بإنهاء الحرب كما وعد، قد تطيل أمدها، وإذا قطع ترامب المساعدات العسكرية لأوكرانيا، فسيزيل حافزا كبيرا لبوتين لإنهاء الحرب. 

 ومن ناحية أخرى، فإن وجود دعاة حرب في حكومة ترامب قد يشير إلى انحراف عن أجندة السلام التي روج لها في حملته الانتخابية. ومع ذلك، لدى ترامب أسباب قوية لإثبات خطأ منتقديه. وهو يعلم أن إخفاقات السياسة الخارجية يمكن أن تؤدي إلى تآكل شعبية الرئيس، وقد بنى سمعته على القدرة على إنهاء الحرب التي بدأت وتصاعدت في عهد جو بايدن. ويفضل ترامب التوصل إلى الاتفاق النهائي في محادثات سرية مع فلاديمير بوتين وفولوديمير زيلينسكي.

ومن المرجح أن تحتفظ موسكو بالأجزاء الشرقية والجنوبية من أوكرانيا التي تسيطر عليها حاليا. ووفقا لاستطلاع أجرته مؤسسة غالوب مؤخرا، يريد أكثر من 50% من الأوكرانيين، للمرة الأولى، التفاوض بسرعة على اتفاق سلام، حتى لو تضمن تنازلات إقليمية. وبعد فوز ترامب في الانتخابات، أبدت السلطات الأوكرانية استعدادا أكبر لقبول مثل هذا الاتفاق.

وقد يقبل بوتين أيضا اتفاقا مماثلا لاتفاق عرضه نائب الرئيس ترامب، فانس. وعلى الرغم من أن الوضع العسكري الحالي في صالح موسكو، إلا أن المكاسب التي حققتها روسيا جاءت بتكلفة باهظة. وقد وصل معدل الخسائر العسكرية في روسيا إلى أعلى مستوى له منذ بداية الحرب، وإذا استمرت الحرب حتى عام 2025، فقد يضطر بوتين إلى الإعلان عن إعادة تعبئة القوات ومواجهة خطر السخط الداخلي.

وسوف تكون القضية الأكثر صعوبة المتبقية هي الضمانات الأمنية لأوكرانيا بعد الحرب. وتريد كييف الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وهي خطوة تعارضها موسكو بشدة. وقد نظر فريق ترامب الانتقالي في خطة لتعليق عضوية أوكرانيا في الناتو لمدة 20 عاما، مما يشير إلى أن ترامب ربما يبحث عن حل يحافظ على صورة زيلينسكي وبوتين.

 وأخيرا، ليس هناك ما يضمن أن ترامب يكون قادرا على اتخاذ الخطوات اللازمة لإنهاء الحرب في أوكرانيا. ومع ذلك، في غياب زعيم آخر قادر على دفع الأطراف نحو السلام، فإن الأمل الأفضل لإنهاء الحرب في أوكرانيا ربما يظل دونالد ترامب.

الحرب في أوكرانيا هي التحدي الأكبر للغرب مع روسيا

ولعل أهم أزمة في الشرق الأوسط، هي العلاقات بين الشرق والغرب، لكن حقيقة أن أوكرانيا هي في الواقع منطقة عازلة بين روسيا والغرب لها أهمية خاصة بالنسبة لروسيا وأوروبا، وأهمية أكبر للأمن الإقليمي وحتى العالمي. روسيا منخرطة بشكل كامل في هذه الحرب منذ ثلاث سنوات، وتريد تحقيق أهدافها الاستراتيجية، وبالطبع فإن احتلال أجزاء من هذه الأرض هو جزء من هذه الأهداف.

منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، تشعر أوروبا والعالم بالقلق من توسع واستمرار الحرب في مناطق أخرى وأن حربا ثالثة قادمة. وحاولت روسيا تحميل الغرب مسؤولية تبرير هذا الغزو وأنهم بهذا الإجراء كانوا يحاولون منع توسع حلف شمال الأطلسي وبالتالي تهديد أمن روسيا. ومن خلال توفير الأسباب لهذا الغزو، تصور الغرب أن أرض أوكرانيا ستكون مستنقعا لروسيا.

في حين أن جميع الحسابات لم تنجح. ربما، مع الترتيبات التي اتخذها الغرب ضد روسيا، ظن أن روسيا سوف تركع أمامه، لكن الآن أصبح من الواضح أن النتائج الأخرى غير الأهداف التي حددتها أمريكا قد حدثت في هذه الحرب.

وخلال استمرار الحرب في أوكرانيا، كان بوتين هو الذي تحدث دائما عن مطالب روسيا الجديدة في عالم متعدد الأقطاب ونهاية العصر الأخير وأكد على مطالبه في هذه الحرب. على الأقل فيما يتعلق بمواقف روسيا السياسية خلال هذه الحرب المستمرة منذ ثلاث سنوات والتي تسببت في أضرار جسيمة للمجتمع الأوكراني والدول المهددة، لم يحدث أي تغيير في مواقف زعيمها.

 وربما تكون الخلافات بين الحلفاء الغربيين في مسألة دعم أوكرانيا أكثر وضوحا من روسيا التي نجحت في الحصول على دعم الدول في هذا الجانب من الحرب، مثل الصين أو كوريا الشمالية، وحتى إيران التي تقع في جوار روسيا وحتى دول آسيوية أخرى كبيرة ومؤثرة مثل الهند أو تجعلها تتخذ موقف الحياد.

غموض حول نهاية الحرب

لا يزال هناك غموض بشأن مصير الوضع المستقبلي الذي فرضته حالة الحرب الأخيرة على الجانبين. فمن ناحية، حققت روسيا عموما مطالبها الأولية باحتلال ولايات شرق روسيا مثل أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، ويبدو أنها ستوافق على نوع من التسوية إذا توافرت شروط التفاوض. لكن أوكرانيا اعتبرت أن شرط التفاوض هو ضمان العضوية في منظمة حلف شمال الأطلسي وعدم وجود أي تهديد من روسيا بعد وقف إطلاق النار.

وفي مثل هذا الوضع سيتم الموافقة على التفاوض وتسليم هذه الولايات الشرقية المحتلة. في الآونة الأخيرة، عندما كان من المعتقد أن الحرب قد وصلت إلى حالة الاستنزاف، عاد بوتن مرة أخرى إلى تكثيف عدوانه. 

ان السؤال القائل ما هو الحل الذي يريد ترامب تقديمه لروسيا في الوضع الحالي هو سؤال كبير. لكن ترامب رد بأن الكشف عن تفاصيل الخطط من شأنه أن يحد من خياراته. وهو يفضل التوصل إلى الاتفاق النهائي في محادثات سرية مع بوتين وزيلينسكي.

ولذلك فإن التوقع قريب من احتمال قوي بأن تتوصل روسيا وترامب عبر العملية الدبلوماسية إلى حل وسط في الخلافات التي تشهدها الأزمة الحالية في الشرق الأوسط، بما في ذلك سوريا ومسألة التدخل الإسرائيلي في لبنان وغزة، اذ تعيش روسيا في مأزق ويتم الحصول حول أوكرانيا على توافقات. ورغم أن التغيرات المفاجئة في سوريا حققت هذا التوقع وسقط نظام الأسد، فمن الواضح أن هذه بداية التغيرات الإقليمية الواسعة في منطقة غرب آسيا.

يمكن الافتراض أن مصير الحرب في أوكرانيا سوف يتسارع مع تنصيب ترامب. إن التوصل إلى نهاية متفق عليها للحرب يمثل ميزة كبيرة لروسيا. لا يزال من غير الممكن تعداد النتائج النهائية للحرب وإنجازاتها المحتملة بالنسبة لروسيا، لكن المؤكد هو سعي بوتين لتحقيق أهدافه الإستراتيجية في أوروبا وضد أمريكا، لأنه لقد تحققت إنجازات روسيا بتكلفة باهظة للغاية.

 لقد وصل معدل الخسائر العسكرية في روسيا إلى أعلى مستوياته منذ بداية الحرب، وإذا استمرت الحرب حتى عام 2025، فقد يضطر بوتين إلى الإعلان عن إعادة التعبئة ويخاطر بالاستياء الداخلي. وحتى لو انتهت الحرب واتفق الطرفان، فسيظل هناك الكثير من الشكوك بشأن أوكرانيا وموقع روسيا المستقبلي في أوروبا وعلاقاتها مع الولايات المتحدة باعتبارها اللاعبين الرئيسيين على الساحة الدولية. ويعتقد الروس أن العلاقات العالمية بعد انتهاء الحرب الأوكرانية ستكون مختلفة عما كانت عليه قبل ذلك، وهم يقدمون أنفسهم دائما على أنهم المنتصرون في هذه الحرب.

محو أوكرانيا من خريطة العالم

 وفي حين أن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي لديهما نفس الادعاء بشأن هزيمة روسيا، وأنه إذا لم يكن هناك دعم قوي لأوكرانيا، فإن روسيا كانت تنوي محو أوكرانيا من خريطة العالم، بينما اليوم لم يكن الأمر كذلك، وهذا البلد له سيادته الخاصة. إن الأهداف الاستراتيجية في هذه الحرب أهم من أوكرانيا نفسها بالنسبة للفاعلين، أميركا وروسيا، لأن احتلال أوكرانيا يشكل بالنسبة لروسيا حاجزا بين الشرق والغرب.

وفي نهاية هذا الموضوع، وبشكل مختصر، يمكن أيضا النظر في نظرية ثالثة في دراسة هذا الموضوع والمتعلقة بالأمن العالمي من منظور هذه الحرب:

الغرب يهرب من الحروب والنصر المدوي له خسائر كبيرة بالنسبة لروسيا وسيكون له أثره على المدى الطويل. لقد قاد الغرب روسيا عمدا إلى هذا المسار. وعلى مدى عقدين من الزمن، لم تكن روسيا قادرة على تلبية هذا الخوف المثير للقلق، لكنها في أوكرانيا، أعطت الغرب إجابة حادة. لكن مشكلة روسيا لم تحل بهذا الغزو، بل هي مقيدة بحيث لن تحل مرة أخرى. والسؤال الأساسي هو: ماذا يجب على الدول المجاورة لروسيا أن تفعل بين ساحتين: الشرق والغرب؟

إن السبب الذي أدى إلى توسع حلف شمال الأطلسي شرقا كان إرادة هذه الدول (في أوروبا الشرقية)، وليس مجرد إرادة أميركا أو حلف شمال الأطلسي. إذا كانت لدى روسيا، قبل هذه الحملة والقصف غير المسبوقين، فرصة للحفاظ على نفوذها، فمن الآن فصاعدا لن يكون أمامها سوى حماية أوكرانيا بقوة الحربة (في حالة الاحتلال الكامل)، وهذا غير ممكن على المدى الطويل. وكان من الأفضل لأوكرانيا أن تكون معتدلة في التوجه الغربي، وأن تقيم توازنا إيجابيا في مواجهة روسيا والغرب.

في المقابل، كان خطأ روسيا أكبر بكثير، وأكثر ضررا، وغير مبرر. ومثله كمثل الشيوخ الحكماء، دفع الغرب شاب متنمر الى القيام بالعنف الشديد من أجل إفشاله على المدى الطويل. وملخص القول ان الغرب لا يمكنه قتل الدب السيبيري.

المصدر: موقع ديبلماسي ايراني

————————

المقالات والتقارير المنقولة تعبر عن وجهة نظر مصادرها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع

————————–

النهاية

المصدر
الكاتب:Shafaqna1
الموقع : ar.shafaqna.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2024-12-15 02:57:26
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

Exit mobile version