ورغم أنه من المشكوك فيه أن نعتبر هذه الزيارة ناجحة، وخاصة في ضوء توقيتها التي تمت في ذروة السباق الانتخابي الرئاسي في الولايات المتحدة، فإن هناك سؤالا ملحا يظل قائما: لماذا رحبت الصين بزيارة سوليفان؟ خاصة وأن بايدن لم يعد رئيسا للحكومة الأمريكية.
وقبل زيارة سوليفان مباشرة، فرضت الولايات المتحدة حزمة جديدة كبيرة من العقوبات ضد 42 شركة صينية لدعمها المجهود الحربي الروسي في أوكرانيا. ومع ذلك، فإن هذا لم يمنع شي جين بينغ من الاجتماع مع سوليفان.
وفسر البعض الزيارة على أنها بادرة حسن نية تجاه إدارة بايدن المنتهية ولايتها. لكن لهجة بكين الأكثر ليونة، مصحوبة بالصور الودية لشي مع سوليفان، تشير إلى تحليل أعمق. يتمتع شي بمهارة جيدة في فن دبلوماسية الصور ويستخدم مثل هذه اللحظات لنقل موضوعاته. على سبيل المثال، شي في اللقاء مع رئيس الوزراء الياباني الراحل شينزو آبي؛ في عام 2014، استخدم تعبيرا مهيبا وتجنب التواصل البصري. وعندما حاول آبي التحدث، أشار شي نحو الكاميرات.
تراجع في آخر اللحظات
وفقا للتقارير الرسمية لوزارة الخارجية الصينية حول الاجتماع، يبدو أن سوليفان عرض قائمة من الضمانات التي تتوافق مع مصالح الصين. وقال سوليفان للرئيس شي إن الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب باردة جديدة، ولا تهدف إلى تغيير النظام الصيني، ولا تدعم الاستقلال الرسمي لتايوان.
وأدلى سوليفان في لقائه مع وانغ يي؛ كبير الدبلوماسيين الصينيين بتصريحات أكثر شمولا بشأن تايوان أثارت الدهشة. وذكر أن الولايات المتحدة لا تدعم استقلال تايوان، أو صينين، أو صين واحدة، أو تايوان واحدة. تعرف هذه الإستراتيجية باسم سياسة اللاءات الثلاث فيما يتعلق بتايوان.
ومع ذلك، بما أن عناصر هذه السياسة تم توضيحها بشكل منفصل أو جزئي من قبل إدارات أمريكية مختلفة، فإن المرة الأخيرة التي تم فيها توضيح العناصر الثلاثة بوضوح في إطار رسمي في الصين كانت قبل أكثر من عشرين عاما، على يد بيل كلينتون في عام 1998. وردا على كلينتون، أصدر المشرعون المعنيون في مجلسي الشيوخ والنواب بالإجماع تقريبا قرارات تشير إلى التزام الولايات المتحدة تجاه تايوان.
بعد بيان كلينتون، امتنعت الإدارات اللاحقة عموما عن تكرار الصيغة الكاملة لـ اللاءات الثلاث، وغالبا ما ركزت على عدم دعم استقلال تايوان، حتى فعل سوليفان ذلك في هذه المناسبة.
بالإضافة إلى ذلك، خلال تلك الزيارة، طلب سوليفان لقاء الجنرال تشانغ يوكسيا؛ أعلى ضابط عسكري في جمهورية الصين الشعبية، وسمح له بذلك، اذ ولأول مرة، التقى مستشار الأمن القومي الأمريكي بنائب رئيس اللجنة العسكرية المركزية الصينية (CMC). واغتنم تشانغ، ثاني أكبر صانع للقرار العسكري في الصين، الفرصة للتأكيد على أن تايوان هي جوهر مصالح الصين والخط الأحمر الأول للصين الذي لا يجوز انتهاكه.
يشار إلى أن التقرير الصيني عن هذا الاجتماع كان أقل تفصيلا وصراحة من نسخته الأمريكية. على سبيل المثال، في قراءة اللغة الإنجليزية، ذكر وانغ خمس نقاط رئيسية وأكد على ضرورة احترام سيادة الصين ووحدة أراضيها ونظامها السياسي ومسار التنمية والحقوق المشروعة لشعبها. كما دعا وانغ الولايات المتحدة إلى تبني فهم صحيح للصين ووقف قمعها الاقتصادي والتجاري والتكنولوجي.
من ناحية أخرى، يبدو أن اللقاء كان بمثابة متابعة لاجتماع بايدن وشي الذي عقد في سان فرانسيسكو في نوفمبر الماضي، والذي تعهد خلاله الزعيمان بتهدئة التوترات، وإن كان لأسباب مختلفة. وإذ كانت تهدف واشنطن إلى التركيز على الانتخابات الرئاسية المقبلة دون تدخل سلبي من الصين، فالصين سعت إلى كسب الوقت في التنافس الصيني الأمريكي لإنعاش اقتصادها المتعثر.
لعبة الفوز
إن تأكيد شي جين بينغ على السعي من أجل التعايش السلمي والحفاظ على الاستقرار في العلاقات الصينية الأمريكية يظهر الرغبة في بيئة خارجية مستقرة لمعالجة القضايا الداخلية. ويتوافق هذا النهج مع تركيز الصين الحالي على التعافي الاقتصادي وحاجة البلاد إلى التغلب على التحديات الداخلية دون تفاقم الضغوط الخارجية.
ومن وجهة نظر الولايات المتحدة، فإن الهدف يتلخص في تجنب إثارة التوترات الجيوسياسية مع الصين في مناطق حساسة مثل بحر الصين الجنوبي، وتايوان، والفلبين. وتسعى الولايات المتحدة أيضا إلى إثناء الصين عن دعم حرب روسيا ضد أوكرانيا أو تشكيل تحالف ثلاثي مع كوريا الشمالية وروسيا. وفي المقابل، فإن الصين حريصة على تجنب المزيد من الضغوط الاقتصادية والتكنولوجية؛ لأنها تركز على التحسن الاقتصادي في بيئة خارجية مستقرة.
إن حقيقة موافقة شي على الاجتماع بسوليفان تدعم التفسير القائل بأن محادثات سوليفان مع كبار المسؤولين، بما في ذلك وانغ وتشانغ، كانت مثمرة. وكثيرا ما تترك الصين احتمال عقد اجتماع مع شي غير مؤكد حتى اللحظة الأخيرة، مما يجعل الوفود الزائرة معلقة. ويشير قرار شي بلقاء سوليفان إلى أنه راض عن التقدم الذي تم إحرازه خلال محادثاتهما.
ويبدو أن الاستراتيجية الأوسع للصين تتمثل في إنشاء خطة اتصال تؤمن مصالحها، خاصة مع تغير المشهد السياسي الأمريكي، ومن المحتمل أن تتمكن بكين من التأثير على الإدارة الأمريكية القادمة واستخدام هذه الاتفاقيات كأساس للعلاقات المستقبلية بين الصين والولايات المتحدة.
ويمكن استخدام إعادة التأكيد هذه على المبادئ الثنائية الإيجابية للصين كوسيلة ضغط على بكين في التعامل مع الإدارة الأمريكية الجديدة (إدارة ترامب).
ولكن أخيرا، فإن استراتيجية الصين الطويلة الأمد واضحة؛ وهي تسعى إلى تشكيل تصور الولايات المتحدة عن الصين بما يتجاوز الإدارة الحالية وإقناع واشنطن بأن صعودها لا يشكل أي تهديد.
المصدر: موقع جماران
————————
المقالات والتقارير المنقولة تعبر عن وجهة نظر مصادرها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع
————————–
النهاية
المصدر
الكاتب:Shafaqna1
الموقع : ar.shafaqna.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2024-11-23 01:45:05
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي