معاريف : ألون بن دافيد المعلق العسكري في أخبار 13، كاتب عمود في صحيفة معاريف
الكثير من القبور الجديدة حفرت منذ دخلت السنة الجديدة. عشرات الشبان قطعت حياتهم وخرب عالم عائلاتهم. بثمن رهيب يحقق الجيش الإسرائيلي الواحد تلو الآخر الأهداف العسكرية للحرب، مع نجاحات استثنائية ويرفع عيونه الى المستوى السياسي بأمل أن يترجمها الى واقع افضل، لكن عبثا.
بعد سنة من الحرب نجد أن انجازات الجيش الإسرائيلي، الجيش “المنبطح” كما يسميه وزراء الكابنت، هي إنجازات عميقة: جيش حماس في غزة مفكك، حزب الله هو منظمة عسكرية ضعيفة ومضروبة، وطوق النار الذي بنته ايران حول إسرائيل يبدأ بالتفكك.
من كان يصدق انه في وقت الحرب مع حزب الله سيتمكن معظم سكان البلاد (باستثناء الشمال) من الجلوس بامان في العرش؟ انا بالتأكيد لم اصدق، ومثلي أيضا معظم القيادة الأمنية. هذه هي اللحظة التي كان ينبغي فيها لقيادة الدولة أن تسارع الى قطف اكوام الإنجازات هذه وتحويلها الى سلسلة اتفاقات تضمن واقعا امنيا افضل لمواطني إسرائيل – في الشمال، في الجنوب وفي الوسط.
لكن رئيس الوزراء، هدية الرب في نظر مؤيديه، وتشرتشل في نظر نفسه، يركز حاليا على حرب الانبعاث خاصته في الاستطلاعات. في ماضيه كان سياسيا موهوبا، لكن في السنوات الأخيرة يتصرف بنيامين نتنياهو كمن يؤمن بانه يوجد تطابق كامل بين مصلحته الشخصية ومصلحة بلاده. يبدو ان إصابة مُسيرة حزب الله للفيلا في قيساريا، عصفور روح العائلة الملكية، شددت فقط هذا الإحساس لديه: مرة أخرى هو وعائلته هما الضحية الحقيقية للحرب . وكمن يحتاج الى من يعيد الحرارة لروحه، يعقد جلسة وزارية يتنافس فيها المخصيون في عرض أفكار إبداعية عن كيفية الثأر على الشرخ الذي أصاب نافذة سكن الجارة. وهو لم يخيبوا الامل. فقد تفوق الواحد على الاخر في اقتراحات إبداعية لثأر يهز الشرق الأوسط.
ان ثأر الأذى للبركة الملكية في قيساريا لم يخلقه الشيطان بعد. وقبل أن ندخل جميعنا كي نتلقى ثمن الثأر يجدر بنا أن ننظر الى وضعنا بالجبهات المختلفة لنرى أيضا الفرص التي امامنا. في غزة، التصفية المفاجئة ليحيى السنوار تشق الطريق للتقدم بسرعة الى صفقة تعيد المخطوفين الذين لا يزالون متبقين وتنهي المرحلة الحالية من الحرب، قبل أن تتثبت هناك قيادة جديدة.
أخوه، محمد السنوار، يحمل منذ الان لقب قائد الذراع العسكري لحماس ويحاول الان تثبيت نفسه كزعيم المنظمة في غزة. هو متطرف بقدر لا يقل عن يحيى، لكن يعوزه الحضور الذي كان لاخيه. ضغط شديد على المسؤولين الثلاثة المتبقين في قطر – خليل الحية، خالد مشعل وزاهر جبارين – يمكن أن يؤدي الى صفقة افضل لإسرائيل، تسمح بانتزاع بضع أرواح معذبة متبقية من هناك.
يمكن ان نواصل المناورة في غزة الى الابد. حتى لو قتلنا 1000 أو 2000 أو 3000 رجل آخر من حماس فهذا لن يغير صورة الوضع العسكرية. بغياب استعداد إسرائيلي للسماح ببديل سلطوي لحماس، قدر لنا خوض حرب عصابات طويلة في غزة. في مثل هذه الحرب التطلع هو لتقليص ارضك الداخلية التي تحتك بالعدو، ان تكون مركزا وان توفر الإصابات والذخيرة.
نصر “المنبطح”
في الشمال، المناورة البرية كادت منذ الان تفكك تماما الخط المتقدم لحزب الله. صحيح ان المنظمة تنجح في اطلاق مئات الصواريخ كل يوم، لكنها لم تعد حزب الله الذي كانت عليه قبل شهر. فجيشنا الإسرائيلي “المنبطح” ينجح في أن يضرب حزب الله في كل بعد تقريبا، وهناك أيضا نضجت الظروف للتسوية.
في خطوط التسوية التي قدمتها إسرائيل للامريكيين، يوجد مطلب إسرائيلي للحفاظ على حرية عمل للجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان، في حالة ألا تعمل القوة الدولية او الجيش اللبناني ضد تموضع متجدد لحزب الله. هذا طلب معقول في ضوء الإنجازات المتراكمة، ولا يوجد ما يدعو الى التنازل عنه. لكن الاتفاق في لبنان لن يحصل من تلقاء ذاته – إسرائيل ملزمة بان تدفع نحو مفاوضات مكثفة وتجنيد كل الدول التي يمكنها أن تساهم كي يحصل هذا.
لقد شق الجيش الإسرائيلي الطريق منذ الان وخلق الظروف للتسوية. الضربة المنهاجية هذا الأسبوع للسند الاقتصادي لحزب الله أيضا ستسمح لمراكز قوة أخرى في لبنان دحر حزب الله الى مكان اكثر هامشية في الحياة اللبنانية العامة. لكن هذا يتطلب فعلا سياسيا قاطعا من جانب إسرائيل التي ينشغل وزير خارجيتها في هذه اللحظة في التغريد عن صور الذكاء الاصطناعي بمستوى فتى مراهق.
وتوجد أيضا ايران. في كل المستويات، السياسية والعسكرية، ثمة قناعة عميقة بانه يجب الرد وبسرعة على هجمة الصواريخ الإيرانية في الأول من أكتوبر. لكن كلما مر الوقت، يبرد الدم وايران تنضج في الانتظار، يمكن البدء بالسؤال اذا كان من الصواب الرد من البطن، ام مثلما في حالة حزب الله – الهجوم حين نكون جاهزين والظروف في صالحنا.
ايران ستكون هناك دوما. قبل وبعد الهجوم. دولة 90 مليون نسمة، تقع على مساحة هائلة من 1.6 مليون كيلو متر مربع. ليس لدينا القدرة على ان نستبدل فيها النظام او أن نصفي برنامجها النووي. في الماضي اسميناها دولة “دائرة ثالثة”، اما اليوم فهي دائرة أولى، ونحن في مواجهة مباشرة معها، رغم المسافة.
في سلاح الجو توجد قدرة ذات مغزى لضرب مقدرات عسكرية إيرانية، مقدرات حكم وبنى تحتية مدنية. لكن سلاح الجو لا يعرف كيف يأخذ من ايران العلم النووي الذي راكمته أو ان يهزمها. وعليه، ففي هذه النقطة الزمنية على إسرائيل أن تسأل نفسها أي عمل سيخدمها حاليا على خلق مستقبل افضل.
إسرائيل، التي دخلت الى السنة الثانية من الحرب مع سلسلة إنجازات عسكرية، تنزف من كل الاتجاهات: في المصابين، ما يشعر به على جلدتهم 5 في المئة فقط من الجمهور الإسرائيلي الذي يخدم في الجيش، في الاقتصاد المنهار تحت وزير مالية مسيحاني وفي العقول والكفاءات الذين يتركونها باعداد مخيفة.
ان سلسلة النجاحات الإسرائيلية منذ الفشل الذريع في 7 أكتوبر تستند كلها الى الأقلية الإسرائيلية التي تخدم، تساهم، تنتج وتفكر. الحرب الأبدية – التي ستحبط كل تحقيق وبحث – التي يتطلع اليها رئيس الوزراء، ستسحق هذا القطاع وهذا التفوق النسبي لنا على اعدائنا.
بعد سنة من المذبحة على إسرائيل أن تعيد سكان الجنوب والشمال الى بيوتهم، لكن بقدر لا يقل أهمية: ان تعود لتكون دولة خير العيش فيها. نعم، قدر لنا أن نخوض حرب عصابات متواصلة حيال غزة وربما أيضا حيال لبنان، لكن اذا لم نوقف النزيف – فلن يتبقى لنا على ما نقاتل من اجله.