إن إصدار أمر اغتيال على يد رئيس وزراء إسرائيل، المعترف به كونه مجرم حرب من جميع المحامين الدوليين المستقلين، بعد خطاب ألقاه في مقر الأمم المتحدة، هو استهزاء مرير بالنظام القانوني الذي تم إنشاؤه بعد الحرب العالمية الثانية وبعد مقتل الملايين من الناس في مؤتمرات دومبارتون أوكس ويالطا وسان فرانسيسكو، ويعتبر ميثاق الأمم المتحدة المؤلف من 111 مادة رمزا لها.
من وجهة نظر الكرامة الإنسانية، فإن حقوق الإنسان الدولية والقانون الإنساني الدولي وإنشاء الآليات التعاهدية والإجرائية والعرفية هما الركيزتان الرئيسيتان للنظام القانوني الذي وعد بالسلام والأمن الدولي بعد الحرب العالمية الثانية.
ورغم أن “قواعد القانون الدولي” على النقيض من “واقع العلاقات الدولية” كانت تعتبر في معظمها واقعية وحتى أخلاقية، إلا أن منحنى تعزيز القانون الدولي بشكل عام كان له اتجاه تصاعدي، حتى بعد فترة الحرب المسلحة. السلام والحرب العالمية الأولى، وخلال الحرب الباردة وتوازن الرعب بين الكتلتين الشرقية والغربية، لم يتم انتهاك حقوق الإنسان والحقوق الإنسانية الدولية إلى هذا المستوى كما ينتهك اليوم.
لقد لعب النظام الإسرائيلي، الذي ولد من رحم المخططات البريطانية والأمريكية المثيرة للفتنة في غرب آسيا، دورا في إضعاف وتدمير النظام القانوني العالمي في السنوات الـ 76 الماضية وحده، أكثر من أي دولة أخرى في العالم. إن الدعم غير المشروط من حكومات الولايات المتحدة وإنجلترا وبعض الدول الغربية لجرائم هذا النظام قد وجه ضربات لا يمكن إصلاحها إلى القانون الدولي الهش.
رمز وأسطورة المقاومة اللبنانية
ان اغتيال الشهيد السيد حسن نصر الله رمز وأسطورة المقاومة اللبنانية اغتيال واعتداء على المدنيين عبر أجهزة البيجر واستشهاد وجرح آلاف اللبنانيين في الأسبوعين الأولين من هجمات النظام الإسرائيلي على لبنان لهي انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان الدولية، بما في ذلك الحق في الحياة الذي أكده الميثاق العالمي لحقوق الإنسان.
إن ميثاق الأمم المتحدة والميثاق العالمي لحقوق الإنسان بشأن الكرامة الإنسانية، كقاعدة إلزامية، يعتبران الحرمان من الحق في الحياة الإنسانية أمرا غير مقبول. إن إرهاب الدولة المجنون الذي يمارسه النظام الإسرائيلي وفرقه الإرهابية يعتبر انتهاكا أساسيا لمبادئ حقوق الإنسان الدولية.
من وجهة نظر القانون الإنساني الدولي، ان إرهاب الدولة والهجمات على المدنيين والمناطق المدنية، هو انتهاك جسيم لقواعد لاهاي، واتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 وبروتوكولاتها الإضافية والعديد من قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة وفي مجال قواعد الصراع مسلح. إن المبادئ الأساسية للحقوق الإنسانية، مثل مبدأ الفصل بين العسكريين والمدنيين، ومبدأ الإنسانية، ومبدأ الضرورة، ومبدأ التناسب، قد انتهكت بشكل متكرر ومتعمد من قبل آلة الحرب التابعة للنظام الإسرائيلي.
ووفقا للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (نظام روما الأساسي لعام 1998)، فإن الأعمال المجنونة التي يقوم بها النظام الإسرائيلي في فلسطين ولبنان واغتيال قادة حماس وحزب الله، التي تعتبر جزءا من هيكل الحكومة اللبنانية، إلى جانب مواقف نتنياهو وقادة الجيش، تشمل العناصر المادية والروحية للجرائم، بما في ذلك جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية؛ لذلك، من الناحية القانونية، يجب أن يظل نتنياهو وقادة الجيش على قيد الحياة من الحرب العالمية الثانية ومجرمين آخرين، وأن تتم محاكمتهم ومعاقبتهم في المحاكم الدولية؛ وهو المطلب الذي أكد عليه الرأي العام العالمي مرارا وتكرارا في المظاهرات المناهضة للحرب ودعم المقاومة في العام الماضي.
لكن العالم يشهد كيف تم التعامل مع المحكمة الجنائية الدولية ومدعيها العام “كريم خان” بحيث تعرض هو وعائلته للتهديد بسبب طلب “الاعتقال العاجل” لبنيامين نتنياهو وغالانت وقادة جيش النظام الإسرائيلي وذلك بوضوح على يد النظام الأمريكي والإسرائيلي، كما أثيرت مسألة حل هذه المحكمة، وأخيرا، لم يتم تلبية طلب المدعي العام بإصدار مذكرة اعتقال قبل الدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة مما ساهم في تعزيز هذا النظام وتصاعد جرائمه.
جريمة الإبادة الجماعية
من ناحية أخرى، وعلى الرغم من مرور نحو عام على تقديم جنوب أفريقيا شكوى أمام محكمة العدل الدولية في 29 ديسمبر 2023، ضد الكيان الإسرائيلي لارتكابه جريمة الإبادة الجماعية وانتهاك اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948 بشأن حظر الإبادة الجماعية، وإصدار عدة أوامر مؤقتة من هذه المحكمة لوقف جريمة النظام الإسرائيلي، ورغم صحة هذه الأصوات وانضمام وتأييد العديد من الدول لهذه الشكوى، إلا أن النظام الإسرائيلي رفض تنفيذها بدعم من الولايات المتحدة. كما أن مجلس الأمن، وهو الضامن لتنفيذ قرارات المحكمة المذكورة وفقا للفقرة 2 من المادة 94 من الميثاق، لم يتخذ أي إجراء أيضا.
وفقا لميثاق الأمم المتحدة فإن مجلس الأمن هو المسؤول الأول عن حفظ السلم والأمن الدوليين ويجب أن يتحرك ضد أي انتهاك أو تهديد للسلم والأمن الدوليين والعدوان، ولكن في عام واحد من الإبادة الجماعية الوحشية التي ارتكبها النظام الإسرائيلي في فلسطين وامتدادها للبنان، فإن مجلس الأمن لم يتمكن حتى من إصدار قرار فعال لوقف الإبادة الجماعية وحماية قواعد حقوق الإنسان والحقوق الإنسانية، كما عجز عن وقف الجرائم الأميركية في أفغانستان والعراق عامي 2001 و2003 ولبنان وفي اليمن وأوكرانيا.
في النظام القانوني المحاط بتجاوزات حلف شمال الأطلسي وما يسمى بـ “الشمال العالمي”، باستثناء عدد قليل من دول محور المقاومة، لا تجرؤ أي دولة على استخدام حقها أي الشخصية العالمية لمحاكمة المجرمين الدوليين. وليس من قبيل الصدفة أن جزءا من خطابات ومطالب رؤساء الدول في الدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك ركزت على ضرورة إعادة النظر في هيكل الأمم المتحدة ومجلس الأمن وحق النقض. تدرك معظم البلدان المأزق الذي وصل إليه النظام القانوني الدولي.
إن جنون هجمات النظام الإسرائيلي على لبنان واليمن واغتيال السيد نصر الله، هو أحدث علامة على عدم جدوى “نظام القانون الدولي” القائم و”موته”، حتى أنه حاليا، في الشكل القانوني، في الممارسة العملية، أداة تقييد قانونية فعالة لأنه لا يوجد وقف لإرهاب الدولة الذي يمارسه النظام الإسرائيلي.
إن مستقبل الإنسانية يحتاج إلى إعادة بناء «النظام القانوني الدولي»، الذي خرج هذا النظام، على المستويين الكليين، بمباركة دماء الشهيد السيد حسن نصر الله ورفاقه الشهداء، من المعركة التاريخية بين محور المقاومة ومحور الإبادة الجماعية وأيضا تشديد عملية زوال الولايات المتحدة في مواجهة دول بريكس وما يسمى “الجنوب العالمي” مع مجموعة السبع في الانتقال إلى النظام العالمي الجديد، وبدلا من ” “النظم الجديد” الذي تريده الصهيونية، سيتم استخدام محكمة نورمبرغ الجديدة لمعاقبة مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية.
المصدر: موقع ديبلماسي ايراني
————————
المقالات والتقارير المنقولة تعبر عن وجهة نظر مصادرها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع
————————–
النهاية
المصدر
الكاتب:Shafaqna1
الموقع : ar.shafaqna.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2024-10-02 23:39:45
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي