ومن ذلك الحديث الصعب هو الحديث عن شخصية لامعة كشخصية الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه، فهذا الرجل قد شغل الناس قديما وحديثا بذكر عجائبه وغرائبه التي لا تنتهي .
ولو أردنا الحديث عن مجمل جوانب شخصية هذا الرجل للزمنا ذلك أن نتحدث عن مجمل الروائع في هذه الدنيا ،،، فأي فن من فنون العظمة لم يخضه هذا الرجل ؟
ألم يصفه الواصفون بأنه : العالم الفقيه العابد الزاهد الشجاع الفصيح الحكيم ؟
نعم هذه هي صفاته (ع) ، ثم أنه تفرد بخصائص ومزايا لم يشاركه فيها أحد ممن عاصره، أو ممن جاء بعده – إذا استثنينا أستاذه ومعلمه نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم – وما الحديث عن فصاحة هذا الرجل وبلاغته إلاّ جزءا يسيرا من جوانب عظمته .
ولا يظن القارئ الكريم إننا في بحثنا هذا نريد إثبات فصاحة الامام علی (ع)أو بلاغته ، فهذه حقيقة قد تسالم عليها الأولون والآخرون ، ومهما اختلف الناس في شئ من مناقبه وفضائله ، فإنهم لا يختلفون بأنه (ع) إمام الفصحاء وسيد البلغاء ، وأن كلامه أشرف الكلام وأبلغه بعد كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وآله وسلم .
نهج البلاغة
وحتى الذين شككوا في صحة نسبة بعض ما في نهج البلاغة له (ع) فهم لم يشكوا طرفة عين أبدا بأنه لا يدانى ولا يجارى في الفصاحة والبلاغة ، وأنه بزّ الأولين ، ولم يلحق بشأوه الآخرون ، وإن ما ورد عنه في كتب الأدب والبيان ( من غير النهج ) كاف لإثبات هذه الحقيقة.
وقد أعجب الناس – قديما وحديثا – ببيان علي وفصاحته ، وتعلقوا بها أيما تعلق ، فقرأوه وتدارسوه ، بل حفظوه في صدورهم وانطوت عليه جوانحهم ، وتمثلّوا به في كلامهم .
فهذا المسعودي ( المؤرخ المعروف ) يحدثنا بأن الناس حفظت من خطبه (ع) في سائر مقاماته أربعمائة ونيف وثمانون خطبة .
وهذا الأديب الشهير ( عبد الحميد الكاتب ) لما قيل له : ما الذي خرّجك في البلاغة ؟ قال : ( حفظت سبعين خطبة من خطب الأصلع ففاضت ثم فاضت ) .
وليس ابن نباته السعدي ( الخطيب المشهور) ببعيد عن سابقه ، فهو أيضا يحدّثنا عن نفسه بأنه حفظ مائة فصل من مواعظ علي .
ولم يكن الشريف الرضي ببدع من الناس حين عني بخطب علي (ع) وكلماته وجمعها في كتابه القيّم (نهج البلاغة) وإنما سبقه إلى ذلك جمع غفير من المؤرخين والكتاب، ثم لحقه كذلك مثلهم، ولو كان الحديث هنا يعنى بهذا الجانب لسردنا قائمة طويلة بأسماء هؤلاء .
الشهادات لعلي (ع) ببلوغه أعلى مراتب الفصاحة والبلاغة :
– قال الإمام الصادق (ع) :
( تكلم أمير المؤمنين صلوات الله عليه بأربع وعشرين كلمة قيمة ، كل كلمة منها وزن السموات والأرض ) كنز الفوائد للكراجكي .
– قال الحارث الهمداني :
) والله لقد رأيت عليا ، وإنه ليخطب قاعدا كقائم ، ومحاربا كمسالم) مصادر نهج البلاغة للحسيني ج١ص٤٢ .
– قال معاوية بن أبي سفيان ( والفضل ما شهدت به الأعداء ) :
( والله ما رأيت أحدا يخطب ليس محمدا – يقصد باستثناء محمد – أحسن من علي إذا خطب ، فو الله ما سن الفصاحة لقريش غيره ) نفسه ج١ص٤٣ .
– قال التابعي المعروف عامر الشعبي :
(تكلم أمير المؤمنين علي (ع) بتسع كلمات ارتجلهن ارتجالا ، فقأن عيون البلاغة ، وأيتمن جواهر الحكمة ، وقطعن جميع الأنام عن اللحاق بواحدة منهن :
ثلاث منها في المناجاة ، وثلاث منها في الحكمة ، وثلاث منها في الأدب :
أما اللواتي في المناجاة ، فقال : ( كفى بي عزا أن أكون لك عبدا ، وكفى بي فخرا أن تكون لي ربا ، أنت كما أحب فاجعلني كما تحب ) .
وأما اللاتي في الحكمة فقال : ( قيمة كل امرئ ما يحسنه ، وما هلك امرؤ عرف قدره ، والمرء مخبوء تحت لسانه ) .
وأما اللاتي في الأدب فقال : ( امنن على من شئت تكن أميره ، واحتج إلى من شئت تكن أسيره ، واستغن عمن شئت تكن نظيره ) الخصال للصدوق ج١ص٤٩.
– عبد الحميد الكاتب – الذي قيل عنه :
فتحت الرسائل بعبد الحميد وختمت بابن العميد – سأل : ما الذي خرّجك في البلاغة ، فقال :
( حفظت سبعين خطبة من خطب الأصلع ففاضت ثم فاضت )عن أمراء البيان لمحمد كرد علي ج١ص٤٥ .
– قال ابن نباته – صاحب الخطب المشهورة – :
(حفظت من الخطابة كنزا لا يزيده الإنفاق إلاّ سعة وكثرة ، حفظت مائة فصل من مواعظ علي بن أبي طالب ) مجلة تراثنا / العدد الخامس ١٤٠٦ ص١٥ .
– قال جعفر بن يحيى – وجعفر هذا من أبلغ الناس وأفصحهم كما شهد له خريّت الصناعة الجاحظ – كان يقول عن علي (ع) :
( فصيح قريش ) شرح النهج لابن أبي الحديد ج٢ص٤٥٤ ولجعفر هذا تفصيل يأتي لا حقا عن بلاغة علي (ع) .
– قال الجاحظ في وصف المائة كلمة التي جمعها من كلام أمير المؤمنين :
( إن لأمير المؤمنين مائة كلمة ، كل كلمة منها تفي بألف من محاسن كلام العرب ) مجلة تراثنا / العدد الخامس ص ٣٢ .
وقال أيضا في تعليقه على حكمة الإمام المشهورة ( قيمة كل امرئ ما يحسنه ) :
( فلو لم نقف في هذا الكتاب إلاّ على هذه الكلمة لوجدناها كافية شافية ، ومجزية مغنية ، بل لوجدناها فاضلة عن الكفاية ، وغير مقصرة عن الغاية ، وأحسن الكلام ما كان قليله يغني عن كثيره ، ومعناه في ظاهر لفظه ، وكأن الله عز وجل قد ألبسه من الجلالة ، وغشاه من الحكمة على حسب نية صاحبه ، وتقوى قائله ، فإذا كان شريفا ، واللفظ بليغا ، وكان صحيح الطبع ، بعيدا عن الاستكراه ، ومنزها عن الاختلال ، مصونا عن التكلف ، صنع في القلب صنع الغيث في التربة الكريمة ، ومتى فصلت الكلمة على هذه الشريطة ، ونفذت من قائلها على هذه الصفة ، أصحبها الله من التوفيق ومنحها من التأييد ما لا يمتنع عن تعظيمها صدور الجبابرة ، ولا يذهل عن فهمها عقول الجهلة ) البيان والتبيين للجاحظ .
– وقد علّق السيد الإمام يحيى بن حمزة اليمني على كلمة للجاحظ في بيان علي (ع) :
( انظر إلى إنصاف الجاحظ فيما قاله ، وما ذاك إلاّ أنه خرق قرطاس سمعه ببلاغته ، وحيّر سمعه لما اشتمل عليه من إعجازه وفصاحته ، فإذا كان هذا حال الجاحظ ، وله في الفصاحة اليد البيضاء فكيف حال غيره )عن الطراز المذهب ج١ص١٦٧ .
– وقال ابن عبد البر – صاحب الاستيعاب في معرفة الأصحاب – معلقا على هذه الكلمة أيضا :
(يقال : إن قول علي بن أبي طالب ( قيمة كل امرئ ما يحسن ) .
لم يسبقه إليه أحد ، وقالوا : ليس كلمة أحض على طلب العلم منها) .
وقال عنها أيضا :
( من الكلام العجيب الخطير ، وقد طار الناس إليه كل مطير ، ونظمه جماعة من الشعراء إعجابا به ، وكلفا بحسنه )عن جامع بيان العلم وفضله ص ٩٩/١٠٠ .
– قال الشريف الرضي – وهو غني عن التعريف في علمه وأدبه – :
( إذ كان أمير المؤمنين عليه السلام مشرع الفصاحة وموردها ، ومنشأ البلاغة ومولدها ، ومنه – عليه السلام – ظهر مكنونها وعنه أخذت قوانينها ، وعلى أمثلته حذا كل قائل خطيب ، وبكلامه استعان كل واعظ بليغ ، ومع ذلك فقد سبق وقصروا ، وقد تقدم وتأخروا ، لأن كلامه – عليه السلام – الكلام الذي عليه مسحة من العلم الإلهي ، وفيه عبقة من الكلام النبوي ) مقدمة ( نهج البلاغة ) .
– قال العلامة شمس الدين الحنفي الشهير بسبط ابن الجوزي :
( كان علي ينطق بكلام قد حف بالعصمة ، ويتكلم بميزان الحكمة ، كلام ألقى الله عليه المهابة ، فكل من طرق سمعه راقه فهابه ، وقد جمع الله له بين الحلاوة والملاحة ، والطلاوة والفصاحة ، لم تسقط له كلمة ، ولا بارت له حجة ، أعجز الناطقين ، وحاز السبق في السابقين ) عن تذكرة خواص الأئمة ص ١٢٨ .
– قال الشيخ محمد بن طلحة الشافعي :
( الفصاحة تنسب إليه ، والبلاغة تنقل عنه والبراعة تستفاد منه ، وعلم المعاني والبيان غريزة فيه ) عن مطالب السؤال ج١ص١٣٧ .
– قال ابن أبي الحديد – وهو غني عن التعريف – :
( واعلم أننا لا يتخالجنا الشك في أنه عليه السلام أفصح من كل ناطق بلغة العرب من الأولين والآخرين ، إلاّ من كلام الله سبحانه ، وكلام رسول الله صلى الله عليه وآله ) .
وقال أيضا :
( إن سطرا واحدا من ( نهج البلاغة) يساوي ألف سطر من كلام ابن نباته ، وهو الخطيب الفاضل الذي اتفق الناس على أنه أوحد عصره في فنه ) شرح النهج ج٢ص ٤٥٤ .
المصدر:الکوثر
————————
التقارير التي يعاد نشرها من المواقع اﻷخرى تعبر عن وجهة نظر مصادرها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع
————————–
المصدر
الكاتب:Shafaqna1
الموقع : ar.shafaqna.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2024-09-07 23:43:59
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي