خطر التشكك في الاتحاد الأوروبي في غرب البلقان | الاتحاد الأوروبي
في حين أن الإحباط إزاء بطء وتيرة العملية والتحديات المختلفة على طول الطريق قد يكون أحد المحركات الرئيسية لهذا الاتجاه، إلا أن هناك محرك آخر يتم تجاهله إلى حد كبير: فقد بدأت أجزاء من المجتمع المدني في هذه البلدان، والتي تحدد هويتها إلى حد كبير على أنها مؤيدة للاتحاد الأوروبي، في تبني مواقف مناهضة للاتحاد الأوروبي في الواقع.
في الواقع، كان هناك توافق لا يمكن تفسيره في وجهات النظر بين أنصار الديمقراطية والقيم الأوروبية ومعارضيهم الإيديولوجيين ــ أولئك الذين يدعمون النزعات الاستبدادية للصربي ألكسندر فوسيتش، والمقدوني الشمالي هريستيان ميكوفسكي، والألباني إيدي راما.
وقد حدث هذا تدريجيا ومن خلال الترويج لأفكار محايدة في ظاهرها، مثل المشاريع الإقليمية للتكامل على غرار الاتحاد الأوروبي، والحاجة إلى الاستقرار واحترام السيادة الوطنية، وانتقاد القوى المناهضة للديمقراطية داخل الاتحاد الأوروبي.
على مدى العقد الماضي، انتشرت أفكار مختلفة حول كيفية التعامل مع التكامل الإقليمي بين الجهات الفاعلة في المجتمع المدني في غرب البلقان. وفي حين لا يوجد خطأ في اقتراح وتأييد مثل هذه المبادرات، فقد تم دفع بعضها كأولوية على الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وزعم البعض أن التكامل الإقليمي يجب أن يتم أولاً “لإعداد” المرشحين لعضوية غرب البلقان للانضمام إلى الاتحاد.
المشكلة في هذه الحجة هي أن التكامل الإقليمي يصبح مبررًا لتأخير اتخاذ إجراءات جادة بشأن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي إلى أجل غير مسمى. ومن الأمثلة على ذلك مبادرة “البلقان المفتوح” التي أطلقت في عام 2019 والتي تبناها فوسيتش وراما. وكان هدفها المعلن هو التكامل الاقتصادي بين صربيا وألبانيا ومقدونيا الشمالية، من خلال زيادة التجارة، وتنقل المواطنين، وتحسين الوصول إلى أسواق العمل، وغير ذلك.
وعلى الرغم من الأهداف الضخمة التي حددتها مبادرة “البلقان المفتوح” والتصريحات الملهمة التي أدلى بها الزعماء المشاركون، لم يتحقق سوى تقدم ضئيل في تنفيذها. وفي حين انتقد بعض الجهات الفاعلة في المجتمع المدني المبادرة، واصل آخرون الترويج لشعار التكامل الإقليمي، متجاهلين الخطر الذي يشكله في تأخير انضمام الاتحاد الأوروبي إلى أجل غير مسمى وتعزيز النزعة المعادية لأوروبا بين عامة السكان.
وهناك فكرة أخرى تسللت إلى المجتمع المدني في غرب البلقان وهي أن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أدى إلى انقسامات داخلية وعدم استقرار وانتهاك للسيادة الوطنية للدول المرشحة. وقد حظيت هذه الفكرة بشعبية خاصة في شمال مقدونيا حيث كان يُنظر إلى إطار التفاوض للانضمام على أنه يضر بالمصلحة الوطنية بسبب الشروط الخاصة التي فرضتها بلغاريا فيما يتصل بالأقلية البلغارية في البلاد.
ولقد دفع هذا بعض المؤيدين العلنيين لعضوية الاتحاد الأوروبي إلى الدعوة إلى “إيقاف” عملية الانضمام إلى حين استعادة التماسك والاستقرار الوطنيين. وكما هي الحال مع التكامل الإقليمي، فإن الترويج لفكرة مفادها أن البلدان المرشحة تحتاج إلى “إصلاح نفسها” أولاً يعني ضمناً أن انضمام الاتحاد الأوروبي سوف يتأجل إلى أجل غير مسمى وقد لا يتم السعي إلى تحقيقه على الإطلاق.
وأخيرا، كان هناك تأكيد على أن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي مدفوع بقوى معادية للديمقراطية أو يعمل على تمكينها. قد يبدو هذا مربكا لبعض الناس، لذا دعوني أوضح ذلك. في فعالية أقيمت في سكوبيه عام 2023 وحضرتها، قدم باحث في مؤسسة بحثية دراسة أكدت أن المستبدين مثل فيكتور أوربان رئيس وزراء المجر يريدون انضمام دول غرب البلقان إلى الاتحاد الأوروبي. وكانت النتيجة المستفادة من هذا العرض أنه بما أن أوربان يريد انضمامنا ــ بغض النظر عن حقيقة أن شخصا مثل أولاف شولتز رئيس وزراء ألمانيا يريد انضمامنا أيضا ــ فيتعين علينا أن نكون حذرين بشأن السعي إلى عضوية الاتحاد الأوروبي.
ولقد زعم آخرون في أوراق بحثية ومؤتمرات حضرتها أن جوانب من عملية توسيع الاتحاد الأوروبي في حد ذاتها تشجع على النزعات الاستبدادية والمعادية للديمقراطية. وهذا يعني ضمناً أن الانضمام لابد وأن يؤجل إلى أجل غير مسمى باسم الديمقراطية: “وليس لمكافأة المستبدين مثل فوسيتش”.
ولقد كانت هناك أيضا انتقادات صريحة للاتحاد الأوروبي: حيث وصفته بأنه “غير ديمقراطي” و”غير مبدئي” في تعامله مع المرشحين. وتُظهِر دراستي الأخيرة لرصد وسائل الإعلام في منطقة غرب البلقان أن هذا الخطاب يتطابق بشكل شبه كامل مع السرديات المؤيدة للكرملين بشأن مسألة توسع الاتحاد الأوروبي في المنطقة.
ربما يكون هذا التشكك الأوروبي المتسلل إلى المجتمع المدني في غرب البلقان مخفيا في خطاب “مؤيد للديمقراطية”، ولكنه في الأساس نفس الخطاب الذي يتبناه الزعماء ذوو الميول الاستبدادية في صربيا ومقدونيا الشمالية وألبانيا.
إن الاتحاد الأوروبي ليس منظمة مثالية، وهناك مخاوف وأسباب مشروعة لانتقاد سجله. ولكن من خلال تبني خطاب متشكك في أوروبا، والدعوة إلى “وقف” جهود الانضمام، ونشر عدم الثقة بين عامة الناس تجاه الاتحاد الأوروبي، فإن أنصار الاتحاد الأوروبي المعلنين عن أنفسهم يساعدون القوى التي ترغب في تخريب توسع غرب البلقان.
يتعين علينا أن نكون واقعيين في التعامل مع البيئة الجيوسياسية الحالية. ففكرة السيادة المطلقة ـ التي تستبعد الانحياز الجيوسياسي إلى القوى الإقليمية الكبرى ـ تشكل فكرة سياسية جامحة. فقد انهارت فكرة عدم الانحياز بتفكك يوغوسلافيا، ومن غير المرجح أن تعود هذه الفكرة إلى الحياة في ظل الظروف الحالية.
إن دولاً مثل مقدونيا الشمالية والجبل الأسود والبوسنة والهرسك وصربيا وألبانيا تواجه خياراً جيوسياسياً. وربما يواجه الاتحاد الأوروبي مشاكله، ولكن بفضل هياكله وتنظيمه، فإنه يوفر الاستقرار الجيوسياسي ــ وهو ما لا توفره التحالفات مع روسيا والصين. وقد أصبح هذا أكثر وضوحاً بعد الغزو الروسي الكامل لأوكرانيا.
إن السير على طريق التشكك في الاتحاد الأوروبي في هذا الوقت أمر خطير. فالانسحاب من عملية الانضمام من شأنه أن يؤسس سابقة من شأنها أن تزعزع التوازن الجيوسياسي الإقليمي والقاري. ولا عجب أن تركيا لا تزال دولة مرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي رسميا على الأقل. ومن الأفضل للجهات الفاعلة في المجتمع المدني أن تدرس المخاطر المترتبة على نشر “بدائل” الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وتقويض اعتقاد الجمهور بأن هذا هو المسار الصحيح.
الآراء الواردة في هذه المقالة هي آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
المصدر
الكاتب:
الموقع : www.aljazeera.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2024-08-31 09:45:08
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
تم نشر الخبر مترجم عبر خدمة غوغل