وقد تجلت روح التنويع في السياسة الخارجية للمنطقة وفي الشراكات الدولية. ومع سعي دول الخليج بشكل متزايد إلى تقليل اعتمادها على الشركاء الغربيين في السنوات الأخيرة، برزت آسيا الوسطى كأولوية.
تاريخيا، كان للخليج وآسيا الوسطى علاقات تجارية قوية ركزت حصريا على النفط والغاز. وتتركز معظم احتياطيات النفط والغاز في المنطقة في كازاخستان وتركمانستان، كما تمتلك أوزبكستان وطاجيكستان احتياطيات نفطية. تتمتع قيرغيزستان باحتياطيات وفيرة من الفحم، كما أن المنطقة بشكل عام غنية بالموارد المعدنية.
فضلا عن الهيدروكربونات، فإن استثمارات الخليج في البنية التحتية والزراعة والتصنيع في آسيا الوسطى هي طرق لضمان الأمن الغذائي في الخليج.
وفي حين تتمتع دول الخليج وآسيا الوسطى باحتياطيات غنية من النفط والغاز، كانت دول الخليج أكثر نجاحا في إنشاء صناعات هيدروكربونية قوية. ونتيجة لذلك، فإن قدرتها على استخدام هذه الخبرة لتطوير صناعة الهيدروكربون في آسيا الوسطى شجعت التعاون الاستراتيجي بين المنطقتين.
وكانت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في طليعة الاستثمارات الخليجية في آسيا الوسطى، على الرغم من انضمام عمان وقطر إلى هذا الجهد. صحيح أن صناديق الثروة السيادية الخليجية استثمرت بنشاط في القطاعات المحلية غير النفطية، لكن تنويع الاستثمارات الدولية يعد أمرا أساسيا لأمن اقتصادات ما بعد النفط في المنطقة.
إن تعاون دول الخليج مع دول منطقة آسيا الوسطى لا يتم على المستوى الثنائي فحسب، بل على مستوى مجلس التعاون الخليجي. اذ انعقد الاجتماع الثاني للحوارات الاستراتيجية لآسيا الوسطى ومجلس التعاون الخليجي على مستوى وزراء الخارجية في طشقند في أبريل.
وقد ظهر الاهتمام بالتعاون والتنويع الاقتصادي بالتساوي بين المنطقتين. سمحت استثمارات الخليج لدول آسيا الوسطى الخمس بتنويع شراكاتها الاقتصادية وتقليل اعتمادها على أي قوة.
وكانت دول آسيا الوسطى، التي كانت تاريخيا جزءا من الاتحاد السوفييتي وتقع بجوار الصين، تعتمد تقليديا على روسيا والصين في الكثير من أنشطتها الاقتصادية.
ومع ذلك، فإن دول آسيا الوسطى تشعر بالقلق من دبلوماسية فخ الديون التي تميز استثمار مبادرة الحزام والطريق الصينية. كما أدت الظروف الاقتصادية الصعبة التي تواجهها الصين في الداخل إلى جعل شهية البلاد للاستثمار الدولي غير مؤكدة على نحو متزايد.
تراجع نفوذ روسيا
وفي الوقت نفسه، تراجع نفوذ روسيا في المنطقة منذ بداية الحرب في أوكرانيا. وأدت هذه الحرب إلى فرض عقوبات دولية وإعادة توجيه الموارد الروسية نحو الجبهة الأوكرانية. وقد رحبت آسيا الوسطى باستثمارات الخليج من خلال تجنب التوسع الثقافي والاقتصادي للقوتين الكبيرتين المتجاورتين وتنويع الشراكات الدولية.
ومع ذلك، فإن العلاقة المتنامية بين منطقة الخليج وآسيا الوسطى تحمل في طياتها تحدياتها الخاصة. تعد آسيا الوسطى جزءا مهما من مبادرة “حزام واحد وطريق واحد” الصينية، والتي تعد طريقا تجاريا دوليا رئيسا. وفي هذا الصدد، قامت الصين باستثمارات كبيرة في مشاريع البنية التحتية والطاقة في المنطقة، وبالتوازي مع ذلك، تحرص روسيا على الحفاظ على نفوذها الاقتصادي والعسكري التاريخي في المنطقة.
وانضمت تركيا، الشريك القديم لدول آسيا الوسطى، إلى روسيا والصين بسبب علاقاتهما الثقافية والاقتصادية القوية. ولذلك، فإن الارتفاع الأخير في استثمارات الخليج في آسيا الوسطى قد حول المنطقة إلى ساحة معركة اقتصادية جديدة.
وبينما كادت إيران أن تتخلى عن القافية في تلك المنطقة واقتصرت علاقات إيران في الماضي على استيراد اللحوم وتصدير المنظفات؛ لكن هناك إمكانية للتعايش والتعاون بين استثمارات الخليج في المنطقة مع الاستثمارات الصينية والروسية والتركية، خاصة في مجال البنية التحتية والنقل.
يمكن لاستثمارات الخليج في البنية التحتية للنقل والخدمات اللوجستية في دول مثل كازاخستان وأوزبكستان وتركمانستان أن تسهل الوصول إلى الأسواق الأوروبية والآسيوية وتوفر طرقا بديلة للصادرات إلى جميع البلدان المنافسة.
ومع ذلك، وبسبب التركيز المفرط لكل جهة فاعلة على مجال استثمارات الطاقة، فقد برزت هذه القضية كمصدر للتوترات والمنافسة الجيوسياسية. إن الهيدروكربونات والطاقة المتجددة، وهما من الموارد التي تتمتع بها آسيا الوسطى، مربحة بشكل خاص للمستثمرين الدوليين.
الموارد الطبيعية والموقع الاستراتيجي
إن تقارب الموارد الطبيعية والموقع الاستراتيجي والأسواق المتنامية في آسيا الوسطى مع الطموحات الجيوسياسية للدول المستثمرة قد أدى إلى تحويل هذه المنطقة إلى ساحة معركة اقتصادية.
ومما يزيد الأمر تعقيدا حقيقة أن الدول المتنافسة لديها علاقات اقتصادية واستراتيجية إيجابية مع بعضها البعض. وشهدت تركيا، التي كانت علاقاتها متوترة مع دول الخليج في الماضي، تحسنا في علاقاتها الدبلوماسية مع دول مجلس التعاون الخليجي في السنوات الأخيرة.
يُشار إلى أن العلاقات بين السعودية والصين نمت بشكل ملحوظ مع زيادة الاستثمارات الصينية في مختلف قطاعات الاقتصاد السعودي، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، والمركبات الآلية، والطاقة الشمسية، والبنية التحتية. وهذا يدل على أن دول الخليج ستكون حذرة من أي شراكة مع دول آسيا الوسطى قد تعرض تعاونها مع الصين للخطر. إن زيادة التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف بين هذه الدول يتعارض مع مصالحها المتنافسة في النفوذ الإقليمي في آسيا الوسطى.
وعلى هذا فإن الارتفاع الأخير في استثمارات الخليج في آسيا الوسطى أدى إلى تحويل المنطقة إلى ساحة معركة اقتصادية جديدة. ولا تتنافس دول الخليج مع تركيا والصين وروسيا فحسب، بل تتنافس مع بعضها البعض على النفوذ الإقليمي. وقد جعل الموقع الجغرافي الاستراتيجي والإمكانات الاقتصادية من آسيا الوسطى ساحة طبيعية للمنافسة. تسعى دول الخليج إلى استخدام قوتها الاقتصادية الفردية لوضع نفسها كلاعبين دبلوماسيين مؤثرين في المنطقة.
يأتي ذلك في الوقت الذي تعمل فيه دول الجنوب العالمي بنشاط على بناء نفوذ دولي وشراكات جديدة للابتعاد عن ظل الغرب. وبهذه الطريقة، ستصبح آسيا الوسطى في العقد المقبل ساحة معركة استراتيجية لدول الخليج. من جانبها، من غير المرجح أن تدعم دول آسيا الوسطى أيا من الشركاء الدوليين نظرا لاهتمامها بتنويع الاستثمارات لتأمين اقتصاداتها. ولذلك قد تسعى القوى المتنافسة إلى زيادة التعاون مع دول المنطقة، وخاصة في مجال أمن الطاقة، والبنية التحتية للنقل ومكافحة الإرهاب.
المصدر: موقع بازار
————————
المقالات والتقارير المنقولة تعبر عن وجهة نظر مصادرها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع
————————–
النهاية
المصدر
الكاتب:Shafaqna1
الموقع : ar.shafaqna.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2024-08-30 04:08:42
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي