دور المؤسسة العسكرية ومكانتها في حكومة طالبان

شفقنا-نظرا لمكانة العسكريين التي تقع ضمن طبقة “النخبة الحكومية” وبعض الخصائص التي تضعهم في موقع أعلى مقارنة بفئات النخبة الأخرى في المجتمع، فإن قضية العلاقة بين العسكريين وبنية النظام السياسي تكتسب أهمية كبيرة. تبدو قضية هذه العلاقة بسيطة جدا في الوهلة الأولى؛ فالسياسيون هم الذين يحددون الأهداف والغايات، والعسكريون هم من يضمنون تنفيذها.

ومع ذلك، فإن تشابك حدود السلطة السياسية والتنفيذية خلق اختلافات في هذه العلاقات. في مثل هذه الحالة، بالنسبة للعلاقات وتوزيع السلطة بين المؤسسات السياسية والعسكرية، يتم أخذ معيار مهم بعين الاعتبار، وهو نسبة سيادة القانون أو السلطة على أساس الدستور. وبناء على ذلك فقد تم ذكر ثلاثة نماذج للأنظمة السياسية؛ الأنظمة الديمقراطية والحكومات الشمولية والحكومات التقليدية.

وبهذا التفسير قد يكون من الممكن تحليل موقع الجيش في هيكل إمارة طالبان الإسلامية. ولا شك أن غياب الدستور والقوانين المدنية في نظام طالبان، والافتقار إلى إطار ونطاق واضحين لسلطات النخبة السياسية والعسكرية، يبعدها عن النموذج الأول.

 وفيما يتعلق بالنموذج الثاني، لا بد من القول إنه على الرغم من وجود بعض أوجه التشابه، مثل التشابك الحالي بين النخب السياسية والعسكرية، فضلا عن سيطرة شخص أو مجموعة واحدة على هيكلية الحكومة، إلا أنه لا يمكن تجاهل بعض الاختلافات الجوهرية اذ ان عملية الانفصال الأخيرة، بين النخب السياسية والعسكرية والضعف الشديد للتنظيم والتشكيلات العسكرية لا تتناسب مع خصائص هذا النموذج.

 وأخيرا، يبدو أن النموذج الثالث يشترك في العديد من السمات مع نظام طالبان السياسي. فغياب القانون، والفصل النسبي بين النخب السياسية والعسكرية، والدور الرئيس للجيش في إضفاء الشرعية على الحكومة والنخب السياسية، والأهداف والمصالح والأيديولوجية المشتركة بين الجيش والطبقة الحاكمة، وأخيرا الضعف التنظيمي للقوات المسلحة، التي وفرت الظروف الملائمة لهيمنة النخب السياسية؛ كلها تشكل جزءا من هذه المشتركات.

سيطرة الطبقة الناشئة

بناء على ما فات يمكن الاستنتاج أنه في ظل الظروف الحالية لنظام إمارة طالبان الإسلامية، أصبحت القوات المسلحة والجيش تحت تأثير وسيطرة الطبقة الناشئة من النخب السياسية. في الوقت نفسه، بما أن النظام يمر بظروف انتقالية ولم يصل رسم الحدود بين النخب السياسية والعسكرية إلى مرحلة الشفافية الكاملة، ومن ناحية أخرى، لا تزال مواقف ووجهات نظر العسكريين قريبة من النظام السياسي، فهناك احتمال لتشكيل عملية المنافسة وحتى المواجهة بين النخب العسكرية والحكام السياسيين في المستقبل القريب.

 لكن هذا الوضع يمكن أن يكون غير مستقر، خاصة إذا نأت النخب السياسية وقادة الإمارة بأنفسهم عن المصالح والأهداف المشتركة مع المقاتلين السابقين والعسكريين الحاليين فعليا. كما أن تقدم القوات المسلحة تنظيميا وفي جانب القدرات العسكرية، في ظل غياب المؤسسات والتنظيمات المدنية والقانونية، يمكن أن يؤدي على المدى الطويل إلى تفوق التنظيم العسكري المطلق داخل البنية السياسية، ونتيجة لذلك، فقد يؤدي إلى إمكانية مشاركتهم بشكل أكبر في السلطة السياسية؛ وهذا ليس بعيد المنال بالنظر إلى النهج الذي تتبعه حركة طالبان وخططها الواسعة لتعزيز القوات المسلحة.

 الهيكل العسكري لطالبان والتسلسل الهرمي

قبل سقوط النظام الجمهوري واستعادة السيطرة على أفغانستان، لم يكن لطالبان تنظيم معقد من الناحية العسكرية. وعلى هذا الأساس، في البنية السياسية التي أنشأتها حركة طالبان، والتي اعتمدت على تشكيل عدة لجان؛ وكانت اللجنة العسكرية تعتبر أهم دائرة ويبدو أنها مسؤولة عن جميع المقاتلين. وتم اختيار أعضاء اللجنة على يد زعيم طالبان وربما بالتشاور مع مجلس القيادة.

وكان الملا يعقوب، نجل الملا عمر، آخر رئيس لهذه اللجنة، وكان برفقته ثلاثة نواب. ومن الناحية العملياتية، كانت هناك منظمات داخل البلاد تضم ميليشيات مسلحة، ونظام استخبارات، وحكومة ظل. تم تقسيم أفغانستان بأكملها إلى عدة مناطق عملياتية رئيسية، كان كل منها مسؤولا عن قائد عسكري بارز.

لا توجد معلومات مفصلة عن سلطة اللجنة ومدى طاعة القادة والميليشيات لها، لكن من الواضح أن القادة كانوا يتمتعون بقدر كبير من الاستقلالية في مناطق عملياتهم. بالإضافة إلى ذلك، أطلق بعض القادة العسكريين، مثل سراج الدين حقاني، تشكيلات عسكرية خاصة بهم، مثل كتيبة البدري 313، التي تلقت الأوامر مباشرة من حقاني وكانت مختلفة بشكل واضح عن بقية قوات طالبان من حيث التماسك والتنظيم.

إن تغيير وضع طالبان من قوة ميليشيات إلى حكومة قائمة يتطلب منهم تغيير وتطوير تنظيمهم وتشكيلاتهم العسكرية لتصل مستوى الحكومة وإدارة البلاد. وقد أظهر أداء حركة طالبان خلال السنوات الثلاث الماضية إصرارها على استمرار النموذج التنظيمي والتشكيلات العسكرية التي كانت سائدة في عهد الجمهورية.

وبناء على ذلك فإن تعيين زعيم طالبان بدلا من رئيس الجمهورية على رأس القيادة العامة للقوات المسلحة يجب أن يعتبر مجرد تغيير للمسمى، وبقيت بقية الألقاب والتنظيم العسكري بقيت كما كانت في فترة الجمهورية. فتقسيم المهام العسكرية والأمنية بين المؤسسات الثلاث وزارة الدفاع والداخلية (الدولة) والاستخبارات، مع الاحتفاظ بالمنصب التنظيمي لرئيس الأركان (رئيس الأركان المشتركة) وإجراء بعض التغييرات الوجيزة في التقسيم الجغرافي للتنظيمات العسكرية/الجيش الوطني، كلها دليل على هذا التوجه من حركة طالبان.

ورغم هذا التوافق العام للبنية العسكرية لطالبان مع النظام الجمهوري، يبدو أن بعض نقاط التمييز تنكشف من خلال الدخول في التفاصيل. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى قرار زعيم طالبان بتشكيل قوة خاصة تتلقى الأوامر منه مباشرة.

 ويقارن البعض تشكيل مثل هذه القوة بتشكيل الحرس الرئاسي في عهد النظام الجمهوري، أو قبل ذلك بالقوة الملكية في عهد الأمير عبد الرحمن خان؛ لكن بحسب الإحصائيات والأخبار التي تنشر عن عدد هذه القوة الخاصة، وكذلك التركيبة العرقية ونوع علاقاتها مع تنظيمات الإمارة الأخرى، فإنه من المستبعد إمكانية ضمها إلى قائمة القوات الخاصة العسكرية.

 بالإضافة إلى ذلك، لا تزال هناك شكوك حول الموقع وكيفية اعتماد الوحدات/الكتائب الخاصة مثل بدري 313 في الهيكل العسكري الجديد.

التسلسل الهرمي للتنظيم العسكري

لكن هناك بعض النقاط في مجال التسلسل الهرمي للتنظيم العسكري لإمارة طالبان الإسلامية. على سبيل المثال، ينبغي القول إنه بناء على الهيكل الحالي، فإن قيادة طالبان هي المسؤولة عن القيادة العامة. واستخدم خلال هذه الفترة أدوات مختلفة مثل إصدار الأوامر العسكرية والإقالة والتنصيب والتواصل المباشر مع العسكريين (على شكل زيارات ميدانية لوحدات جيش طالبان) لممارسة هذه السلطة. ومع ذلك، يرى البعض أن نفوذ القيادة الشخصي لا يمكن مقارنته بالملا عمر، الزعيم السابق لطالبان.

 وهذه نقطة ربما يمكن فهمها من رسالة زعيم طالبان هذا العام بمناسبة عيد الأضحى؛ حيث يقول بوضوح: “لا أريد الخلافات، [إذا] في يوم من الأيام توحدتم وطردتموني، سأكون سعيدا [باتحادكم] [لكن] لن أكون سعيدا إذا كان هناك انقسام وشقاق بينكم.”

كما أشار “معهد دراسات السلام والحرب” في تقرير له إلى أنه على الرغم من الجهود التي يبذلها ملا هبة الله لتعزيز السلطة، فإن قادة الرتب المتوسطة في طالبان، الذين يستفيدون من علاقة وثيقة مع كبار قادة مؤيديهم، لم يمتثلوا لأوامر زعيم طالبان وأحيانا يخالفون أوامره.

على أية حال، وعلى الرغم من عدم تقديم أي دليل موضوعي وموثوق بشأن عصيان قادة طالبان والمستويات العسكرية المختلفة لأوامر زعيم طالبان، إلا أن مجموعة التطورات الداخلية وتصريحات المسؤولين العسكريين في الإمارة يمكن أن تؤكد وجود من بعض المشاكل في هذا المجال. وفي هذا الصدد يمكن أن نذكر الاجتماع الذي عقد هذا الشهر بمشاركة مئات من المسؤولين العسكريين في طالبان وبحضور ملا هبة الله.

وفي هذا الاجتماع يطلب زعيم طالبان صراحة من القادة العسكريين عدم “تفسير” أوامر الشيوخ وابداء المثابرة، لأن ذلك سيعتبر جهادا بالنسبة لهم. كما ذكر نور محمد ثاقب وزير الإرشاد والحج والأوقاف في طالبان أن طاعة الأمراء هي مفتاح نجاح طالبان وأكد أن العديد من الحركات كانت مكونة من العلماء لكنها دمرت لأنها لم تطع القادة.

وفي هذا اللقاء، أكد حتى سراج الدين حقاني، الذي سبق أن أعرب عن تظلماته من احتكار السلطة، على قيادة الأمير وعلى نعمة الوحدة بين طالبان.

إرث النظام الجمهوري

وفي الوقت نفسه، تواجه حركة طالبان تحديات مماثلة على المستويات الأدنى. على سبيل المثال، هناك مشاكل تتعلق بصلاحيات ومسؤوليات وزارة الدفاع ووزارة الداخلية. وربما يرجع جزء من هذا الوضع إلى إرث النظام الجمهوري، حيث في الوقت نفسه، تم تغيير الإشراف على قوات الحدود عدة مرات بين منظمتي وزارة الدفاع والدولة.

 ولا شك أن الانفلات الأمني ​​الداخلي الواسع النطاق والحاجة المستمرة والملحة لتدخل وزارة الدفاع والجيش الوطني في مختلف المجالات الداخلية، كان لهما أثر كبير في هذا المزيج. ولكن الآن وقد أصبح الوضع الأمني ​​الداخلي قريبا إلى حد ما من الاستقرار، فإن الحاجة إلى الفصل بين المهام وتحديد نطاق سلطة طالبان أصبحت محسوسة أكثر من أي وقت مضى، خاصة عندما تم إسناد مهمة وزارة الداخلية إلى شخص مثل سراج الدين حقاني.

ان شخصية حقاني المستقلة وتشكيلاته العسكرية الخاصة والمتقدمة التي أطلقها سابقا على شكل وحدات خاصة مثل بدري 313، تجعل من الصعب الاعتقاد بأنه سيتولى وزارة داخلية غير فعالة أو تحت تأثير وزارة الدفاع. 

 وفي الوقت نفسه، هناك شك حتى في مجرد الانصياع لقيادة طالبان، خاصة أنه ينتقد احتكار السلطة وفرض وجهات النظر من قبل قيادة طالبان. وربما كان هذا هو السبب وراء ظهور تحركاته السياسية ورحلاته الخارجية بشكل كبير على أعتاب لقاء الدوحة الثالث. والآن، إذا جمعنا هذه الحالات على خلفية الخلافات في الرأي بين الملا يعقوب وحقاني، فسنرى أن تنظيم طالبان العسكري لديه القدرة اللازمة على خلق الخلافات والانقسامات على مستوى التسلسل الهرمي وتقسيم المهام.

 وبطبيعة الحال، في الحالة الأخيرة، قد لا يكون هذا الاختلاف مزعجا للغاية بالنسبة لزعيم طالبان لأنه يستطيع استخدامه لخلق توازن في القوى بين المسؤولين السياسيين والعسكريين البارزين وتعزيز استقرار موقفه. وهي قضية يصر ملا هبة الله بشدة على دحضها عندما قال: “أيها الإخوة، يمكن أن نحكم بوجود الاختلاف بشكل جيد، إذا أدخلت إخوتي في صراع فيما بينهم ولكنني لا أريد هذا، هذه سياسة فرعون، إنها سياسة شيطانية، هذه ليست سياسة إسلامية”.

المصدر: مطالعات شرق

————————

المقالات والتقارير المنقولة تعبر عن وجهة نظر مصادرها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع

————————–

النهاية

المصدر
الكاتب:Shafaqna1
الموقع : ar.shafaqna.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2024-08-22 23:31:28
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

Exit mobile version