عزيزي إسماعيل الغول: لقد نسينا العالم.. ولن ننساك | الصراع الإسرائيلي الفلسطيني
كنا على وشك الاحتفال بمرور 300 يوم على حرب غزة ـ وهي لحظة مأساوية. ولكن المأساة لم تنته بعد.
لقد استيقظنا يوم الاربعاء على اخبار اغتيال اسماعيل هنيةلقد كانت وجوه الناس مليئة بالحزن والإحباط عندما كنت أتحدث عن ردود الفعل على مقتله من غزة. وبينما كانوا يندبون زعيماً بارزاً، استمرت الغارات الإسرائيلية.
أنهيت مقابلاتي وذهبت إلى خيمة الجزيرة في مستشفى شهداء الأقصى للكتابة، وفي وسط عملي شاهدت سيارات الإسعاف تنقل المزيد من الجثث إلى المستشفى، ورأيت الناس يبكون وينهارون حزناً.
حدقت في صمت، ثم تذكرت مقالتي العاجلة واستأنفت الكتابة. عندما تكون صحفيًا، وتغطي الحرب وتكون في الوقت نفسه ضحية للحرب، فلا يوجد وقت لمعالجة المشاعر وسط الفوضى والجنون.
وعندما ضغطت على زر الإرسال، وصلت زميلتي هند خضري لتبدأ عملها التلفزيوني، وقد بدت علامات الإحباط على وجهها. كان حديثنا المعتاد: عن إرهاقنا النفسي وعبثية موقفنا. أنهينا المحادثة. كان لكل منا الكثير ليفعله.
عدت إلى منزلي وعائلتي وأطفالي.
وهنا بدأت الرسائل تصل على الواتساب: زملاؤنا اسماعيل الغولقُتل صحافي قناة الجزيرة، ورامي الريفي، مصوره، بعد أن قصفت إسرائيل السيارة التي كانا يستقلانها بصاروخ.
لم نكن نريد أن نصدق ذلك، ولكن بعد ذلك، جاء التأكيد من زملاء في الميدان. وسقطت على ركبتي.
لقد كانت صفعة جديدة في وجه كل الصحفيين في غزة. فوفقاً لإحصاءاتنا، قُتل 165 صحفياً منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول. ولكن في كل مرة، تكون الصدمة لا توصف.
إنها الصدمة نفسها التي تجتاحنا في كل مرة نفقد فيها زميلاً صحافياً على الرغم من إدراكنا أن الجميع تحت مقصلة الحرب وأن الجميع مستهدفون.
وهي نفس الصدمة التي تذكرنا بالحقيقة المرة وهي أن لا أحد يسمعنا، ولا أحد يهتم بنا.
قالت لي امرأة يوم الاربعاء ان العالم سئم منا ومن اخبارنا سئم من الحرب على غزة غير مبال بمعاناتنا كانت محقة!
لقد سئم العالم منا يا زميلي اسماعيل.
سئمت من رؤيتك على الشاشة لمدة 300 يوم، تبث الأخبار مباشرة على مدار الساعة من شمال غزة.
سئمت من تقاريرك، جائعًا وغير قادر على إيجاد الطعام. كتبت عن جوعك، فقدت أخاك وأباك في الحرب، اعتقلت وتعرضت للتعذيب في مستشفى الشفاء، انفصلت عن زوجتك وأطفالك النازحين في جنوب غزة.
لقد سئم العالم منك حتى عرضت الشاشة خبر مقتلك، ورأسك مقطوع عن جسدك في انعكاس وحشي للحرب التي قمت بتغطيتها.
لقد كنت زميلاً طيباً، متواضعاً ومثابراً.
أخبرتني زميلتي مرح الوادية كيف كنت تتفقد منزلها بعد كل عملية إسرائيلية في منطقتها وتطمئنها أنه بخير.
وقال زميل آخر، محمد الزعانين، إنك قمت بالاطمئنان على أسرته في الشمال وبذلت قصارى جهدك لتوفير المأوى لهم بعد هدم منزلهم. ولن ينسى محمد أيضًا كيف أحضرت الخبز لأمه.
إن موتك هو أحدث تذكير بكيفية إسكات إسرائيل للعديد منا، كثيرون لا يمكن ذكرهم، لكن كل واحد منهم سيظل محفورًا إلى الأبد في ذاكرتنا كأبطال اختفوا قبل الأوان. كل هذا من أجل ممارسة الصحافة.
منذ متى أصبح الصحافيون هدفاً للاستهداف؟ منذ أن أدار العالم ظهره لغزة، فجردنا من إنسانيتنا وحرمنا من الحماية الدولية وحقوق الإنسان في أوقات الحرب والأزمات.
ولكن من الآن فصاعدا لن أسأل أين العالم. أي عالم؟ لا يوجد عالم هنا. حتى رؤوسنا المنفوخة بزي الصحافة أو أجساد أطفالنا المقطعة لن تغير شيئا.
هذا العالم الزائف ليس مكاننا يا عزيزي إسماعيل. ربما تنام اليوم، ولأول مرة منذ 300 يوم، بسلام وراحة، مدركًا المعنى الكامل لـ “الحقيقة”.
الحقيقة التي بات كل سكان غزة يدركونها جيداً: إنها مسألة وقت فقط، فنحن جميعاً ننتظر دورنا في هذه الحرب، وفي السماء لن نسامح أحداً.
المصدر
الكاتب:
الموقع : www.aljazeera.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2024-08-01 15:32:48
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
تم نشر الخبر مترجم عبر خدمة غوغل