رسالة إلى ابني: عندما تكمل عامك الأول اليوم في غزة، أشعر بالفرح والحزن | الصراع الإسرائيلي الفلسطيني
من كان يتصور أن الحرب سوف تخيم على عامك الأول، وأن أصوات الصواريخ والطائرات الحربية وطائرات الاستطلاع من بين أول الأصوات التي تظهر في حياتك؟
أصبحت احتياجاتك الأساسية هي معركتنا اليومية وسط الحرب حيث نكافح من أجل الوصول إلى المياه النظيفة، حليب الأطفال، الحفاضاتوملابسك للشتاء والصيف.
إن مشاهدتك وأنت تكبرين تجلب لي الفرح والحزن في الوقت نفسه. فأنت تكبرين دون ألعاب ملونة، ودون منزل دافئ يحميك، ودون ملابس جميلة وناعمة، والأمر الأكثر إيلامًا هو أنك تكبرين دون الطاقة الكاملة التي يتمتع بها والدك وأنا، حيث نعاني من الحزن والاكتئاب والظروف القاسية التي تحيط بنا من كل جانب.
يا صغيرتي المشردة، لا أدري هل أشعر بالحزن أم بالارتياح لأنك لم تفهمي بعد كل هذا الاضطراب الذي يحيط بك. ولكنني أعلم أن طفلاً في مثل سنك لا ينبغي له أن يتحمل مثل هذه الحياة القاسية.
ما لم أستطع الاستعداد له
قبل وصولك في الصيف الماضي، اشتريت لك أجمل الملابس، ورتبت سريرك في زاوية مبهجة، وركبت مكيف هواء لحمايتك من الحرارة، وجمعت العديد من الألعاب. والآن، كل ذلك أصبح أنقاضًا.
لم تكن الحرب ضمن خططي أو توقعاتي. كنت أعتقد أنك ستصلين في وقت أكثر حظًا من أختك البالغة من العمر ثماني سنوات، حيث ستتاح لك فرص أكبر للوصول إلى أساليب مختلفة من التعليم وتوافر أكبر للألعاب والكتب.
أنا شغوف بمناهج التعلم المبكر وطريقة مونتيسوري ولم أستطع الانتظار لبدء رحلتك التعليمية معك.
لن أنسى أبدًا فرحتي عندما اشتريت لك في أكتوبر/تشرين الأول، قبل أيام قليلة من بدء الحرب، كتبك الأولى باللونين الأحمر والأسود – صور عالية التباين مناسبة لعمرك وفقًا لطريقة مونتيسوري.
كان العثور على هذه الكتب في وسط مدينة غزة بمثابة انتصار. ولم أكن أعلم أن هذه ستكون المرة الأخيرة التي أشتري فيها لكم كتبًا في المستقبل المنظور.
لقد أحضرت تلك الكتب معنا عندما كنا نهجر في مدينة غزة ثم إلى منزل جدي في دير البلح بعد القصف الإسرائيلي. أوامر الإخلاءإنها ممتلكاتك الوحيدة من المنزل الذي صنعت فيه القليل من الذكريات.
واليوم، وأنت تدخل عامك الثاني، لا أستطيع أن أتخيل ما يحمله لك المستقبل.
لقد أعددت نفسي لكل شيء يا طفلي. لقد بحثت في مجال تعليم الطفولة المبكرة، لكن هذا لم يعلمني كيف أربي طفلاً أثناء الحرب. لم تظهر لي الكتب التي قرأتها والجلسات التي حضرتها كيفية تحضير وجباتك بدون فواكه وخضروات أو كيفية مساعدتك على تطوير مهاراتك اللغوية بدون أدوات مثل الأقلام أو البطاقات الملونة. لم يكن هناك أي إرشادات حول كيفية تربيتك في غياب الأشجار والملابس. طعاموالكتب والمنازل ومراكز الأطفال والموارد الأخرى.
ماذا ينبغي لنا أن نفعل عندما تحل أصوات الطائرات والقنابل محل أغاني الأطفال؟ أو عندما تصبح مشاهد المنازل المدمرة وأكوام القمامة وخيام النزوح هي أول ما يتعرف عليه الطفل في الحياة بدلاً من البحر والشوارع النظيفة والمنازل الهادئة وملاعب الأطفال؟ كيف ينبغي لنا أن نربي أطفالنا في النزوح والخيام والملاجئ؟ كيف نتعامل مع سوء التغذية وندرة المياه النظيفة؟ كيف نكافح الأمراض المعدية ونقص حليب الأطفال؟ ولم تكن هناك تعليمات بشأن ما يجب فعله مع الآلاف من الرضع والأطفال الأيتام.
لقد كان عامًا كارثيًا يا ابنتي. أنا آسفة جدًا.
لقد فُرضت علينا الحرب، وأنت وأطفال جيلك دفعتم الثمن في الأشهر الأولى من حياتكم.
جيلك
يا صغيرتي، لست وحدك في هذه المعاناة التي لا تفهمينها بعد. هناك العديد من الاطفال مثلك، أراهم في الخيام أثناء تغطيتي، يبكون من الجوع والبرد والحر، بينما تبكي أمهاتهم طلباً للمساعدة.
ويعانون من الطفح الجلدي الذي يغزو أجسادهم الصغيرة بسبب نقص الحفاضات والنظافة والمياه.
في كل مرة أقابل فيها طفلاً جائعاً، أفكر فيك وأتخيلك متعباً وجائعاً وأركض لمساعدته دون تفكير. وفي بعض الأحيان كنا نتبرع بعلب من الحليب الصناعي الصغير الذي نوفره لك لأطفال آخرين جائعين.
أسأل نفسي في كثير من الأحيان: “كيف يمكن للعالم أن يسمح للأطفال بالجوع؟ كيف يمكن للعالم أن ينام بسلام بينما يبكون الأطفال في غزة من شدة الجوع؟” جوع“التعب والألم؟”
ربما لا تصدقون ـ بعد أن تكبروا وتقرأوا هذه الرسالة ـ أن هذا الجنون استمر أكثر من تسعة أشهر وما زال مستمراً، بلا تدخل أو حماية أو رحمة أو حل، فقط مزيد من القتل والدماء والدمار والدموع.
لم يفعل أحد شيئا يا بني، لقد أدار العالم ظهره لصور الجثث وأصوات صرخات الرعب والجوع، لقد سدّ العالم آذانه وأغلق عينيه عن المعاناة.
لكن يا صغيرتي، في عامك الأول، كان وجودك بمثابة العزاء لنا في هذا الوقت الصعب.
لقد كانت ابتسامتك البريئة بمثابة بلسم لنا جميعًا وسط الحزن. لقد جلبت تصرفاتك المرحة البهجة إلى ملجأ النازحين حيث نعيش، وكان مظهرك بملابس غير مناسبة مصدرًا للضحك والمرح. عندما أعود من العمل، فإن رؤيتك ترفع من معنوياتي وتذكرني بأن هناك شيئًا يستحق العيش من أجله طالما أنك بخير.
أنت يا ابني وكل أطفال جيلك لا تستحقون سوى الحب والفرح والحياة الكاملة. أنت مستقبلنا وحاضرنا وأملنا الذي لا يتلاشى.
ستنتهي هذه الحرب في النهاية، وستبقى ضحكتك وابتسامتك رمزًا لقوتنا وصمودنا. عيد ميلاد سعيد يا صغيرتي!
المصدر
الكاتب:
الموقع : www.aljazeera.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2024-07-22 16:53:25
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
تم نشر الخبر مترجم عبر خدمة غوغل