بينما يتجادل الجيش ونتنياهو بشأن تحديد النصر المطلق، الكارثة في رفح تذكّرنا بثمن الحرب
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- إن تفجير المدرعة في رفح، الذي أدى هذا الصباح إلى مقتل 8 مقاتلين من سلاح الهندسة في الجيش الإسرائيلي، يجسّد الثمن الباهظ الذي تواصل إسرائيل دفعه جرّاء الحرب في قطاع غزة. وبينما يستمر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في التسويق للنصر المطلق القريب الحدوث، والجيش يطلب منه إخراج وحداته القتالية من غزة، بحجة أن الهدف الأهم قد تحقق، هناك صورة الحرب بحد ذاتها. فحركة “حماس” تقلل من الاشتباك مع القوات التي تعمل في رفح، لكنها تترك وراءها ما يكفي من العبوات الناسفة الكبيرة والمنازل المفخخة لإيقاع أكبر عدد من الإصابات في الجانب الإسرائيلي.
- تستمر العمليات في رفح منذ 5 أسابيع تقريباً، بعد أن عُرقلت طوال شهرين. لقد وضعت الإدارة الأميركية عدداً من التحفظات على إسرائيل، وأعربت عن خوفها، بصورة خاصة، من المسّ بالعدد الكبير من اللاجئين الفلسطينيين الذين لجأوا إلى رفح. وبعد مغادرة أغلبية السكان المكان، تحت التهديد الإسرائيلي، بدأ الجيش بتنفيذ عملية محدودة في رفح، مستخدماً فرقة واحدة، بدلاً من اثنتين، كما كان مخططاً له في البداية. أنهت إسرائيل بسرعة سيطرتها على ممر فيلادلفيا، على طول الحدود مع مصر، لكنها تحركت داخل رفح نفسها بصورة بطيئة نسبياً.
- حتى الآن، جرى احتلال نصف المدينة. قبل الاحتلال، كانت تعمل في رفح 4 كتائب من “حماس”. وعلى الرغم من مئات القتلى الذين سقطوا للحركة، بينهم بضع عشرات، اليوم، يبدو أن قسماً كبيراً من عناصرها هرب إلى شمال القطاع، تجنباً للخسائر.
- المدرعة التي فُجّرت هذا الصباح هي من طراز نمر، وكان في داخلها طاقم من سرية الهندسة الحربية في الجيش النظامي. قُتل جميع الجنود الذين كانوا في داخلها، ضابط و7 جنود. وبحسب التحقيق الأولي، يقدّرون في الجيش أن المدرعة أصيبت بعبوة ناسفة كبيرة، أو بصاروخ مضاد للدروع. رُكبت على الجوانب الخارجية للمدرعة ألغام وحجارة مفخخة يستخدمها الجيش في تفجير المنازل والأنفاق. ومن المحتمل أن تكون العبوة التي انفجرت في المدرعة أدت إلى تفجير العبوات الأُخرى التي تحملها، الأمر الذي زاد في قوة الانفجار ونتائجه القاسية. وقعت الحادثة في ساعات الصباح المتقدمة، عندما أنهت الطواقم القتالية من اللواء المدرع 401 احتلال منازل في حيّ تل السلطان. وكانت القوات بصدد التمركز في منازل أُخرى عندما انفجرت العبوة في المدرعة التي سبق أن مرّت بالقرب منها عدة آليات مدرعة أُخرى.
- وقعت الكارثة على خلفية ازدياد الجدل حدةً بين المستويَين السياسي والعسكري. ففي الأمس، ومن على منصة “يديعوت أحرونوت”، قدم رئيس الأركان هرتسي هليفي صيغته للنصيحة التي أُعطيت للرئيس الأميركي ليندون جونسون، عندما كان بلده متورطاً في حرب فيتنام “اخرج من هناك، واعلن أننا انتصرنا”. بحسب هليفي، يوشك الجيش على إخضاع “حماس” عسكرياً، وهذا الأمر سيجري قريباً، بعد القضاء على ما تبقى من كتائب للحركة في رفح. عندها، لا خوف من إنهاء الحرب والسعي لعقد صفقة مخطوفين. وبهذه الطريقة، سيكون من الممكن التركيز على الاستعداد للجبهة التي تشهد تصعيداً في مواجهة حزب الله، وعند الحاجة، العودة إلى غزة لاستكمال ضرب “حماس”.
- يوجد كثير من المنطق في اقتراح رئيس هيئة الأركان، وهذا ما اقترحه رئيس هيئة الأركان السابق غادي أيزنكوت في الأشهر الأخيرة، عندما كان عضواً في “كابينيت الحرب”. لكن حتى لو قُتل أكثر من ثلثَي القوات المسلحة لحركة “حماس”، بحسب تقديرات الجيش الإسرائيلي، فإن هذا لا يعني هزيمة كاملة للحركة، لأنه من الصعب قياس المعركة بالمقاييس التي تُقاس بها المواجهة مع جيش نظامي. استبدلت “حماس” في أماكن كثيرة أسلوبها العسكري، كتنظيم فضفاض لقوات “إرهابية” تخوض حرب عصابات. ويبدو أنها لا تشكو من نقص في أعداد المنضوين الجدد الذين خضعوا لعملية تدريب قصيرة، ويتقاضون رواتب ضئيلة، وهم يحملون أسلحة بسيطة (بندقية كلاشينكوف وصاروخ آر بي جي)، ويتحركون ضد الجيش الإسرائيلي. ويجب ألّا نتجاهل أمراً هو أنه في داخل القطاع، وخصوصاً في العمليات الهجومية، تكون القوات الإسرائيلية عرضةً للهجوم، نسبياً. تستغل “حماس” جيداً نقاط الضعف المتعلقة بالاستنزاف وكثرة المهمات الملقاة على القوات. جزء كبير من الهجمات التي تتعرض لها القوات تجري من فتحات الأنفاق، ومن خلال الاختباء في منازل مدنيين، أو من مواقع الأمم المتحدة التي تأوي آلاف العائلات الفلسطينية.
- اقتراح الجيش التركيز على مفاوضات الأسرى ناجم عن الواجب الأخلاقي الكبير حيالهم، الذي تشعر به القيادة العليا المسؤولة عن “المذبحة ” التي جرت في 7 أكتوبر. وهو يعتمد على الإدراك أنه لا يمكن في وقت قريب، وبصورة أكبر، تكرار عملية الإنقاذ المدهشة لأربعة مخطوفين من مخيم النصيرات في يوم السبت الماضي. والمشكلة أن نافذة فرصة التوصل إلى صفقة جرى تضييعها إلى حد كبير. لقد تعمّد نتنياهو تأخير مساعي التوصل إلى صفقة في الأشهر الأولى من سنة 2024، وفي الأسابيع الأخيرة، تشددت “حماس” في مطالبها. والآن، من الواضح أن قيادة “حماس” ليست مستعدة للصفقة، إذا لم تتضمن تعهداً لوقف إطلاق نار شامل ومتواصل، مع ضمانات للاتفاق من جانب دول أجنبية.
- جبهة رفح ليست وحدها التي تزعج إسرائيل كثيراً. التوتر الشديد على الحدود مع لبنان مستمر منذ اغتيال قائد وحدة النصر التابعة لحزب الله طالب عبد الله يوم الثلاثاء الماضي… وبالاستناد إلى تصريحات وزير الدفاع يوآف غالانت وكبار قادة الجيش الإسرائيلي، يبدو أنهم يؤيديون تصعيد حدة الهجمات. والسؤال المطروح: هل هذه العمليات ستردع حسن نصر الله، وستوقف التصعيد، أم ستؤدي إلى نتيجة عكسية، وتتسبب بالتدهور إلى حرب شاملة؟ حتى اليوم، لا يبدو أن سياسة الاغتيالات الواسعة النطاق تؤدي إلى لجم حزب الله. وفي المقابل، يصرّح قادة التنظيم الشيعي بأنهم لن يتراجعوا، وسيواصلون هجماتهم، ما دام الهجوم الإسرائيلي على القطاع مستمراً.
- من المحتمل ألّا يكون هناك خيار لإسرائيل في النهاية سوى الحرب في الشمال. لكن مَن يدعو إلى ذلك، يجب أن يأخذ في حسابه الأضرار الكبيرة المتوقعة التي ستتكبدها الجبهة الداخلية (ووسط البلد) جرّاء عشرات الآلاف من صواريخ الحزب، وصعوبة نشر الجيش قواته على جبهتين. إن التقديرات التي تقول إن الجيش قادر، بسهولة نسبية، التغلب على حزب الله في الجنوب اللبناني منقطعة عن الواقع، وتعتمد على معرفة غير صحيحة بالقوة العسكرية الإسرائيلية.
- في غضون ذلك، تتواصل المساعي الأميركية والفرنسية للتوصل إلى اتفاق يوقف النار، قبل اندلاع حرب شاملة. فجأة قرر غالانت، في الأمس، مهاجمة فرنسا واتهامها بأنها معادية لإسرائيل. لكن الصعوبة الأساسية تتعلق بالعلاقات مع الولايات المتحدة: لا تخفي الإدارة في واشنطن تحفّظها عن شنّ عملية إسرائيلية استباقية، تعتمد على الأميركيين، إلى حد كبير، في كل ما له علاقة بتزويد الجيش الإسرائيلي بالسلاح.