حتى لو خسرت جنوب أفريقيا في لاهاي، فهي لا تزال منتصرة على إسرائيل
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- خلال المداولات التي جرت أمس في المحكمة الدولية في لاهاي، طرحت جنوب أفريقيا ادّعاءاتها بشأن المطلب الإضافي (الرابع) لإصدار قرارات موقتة ضد إسرائيل.
- وشرح ممثلو جنوب أفريقيا لماذا يبرر الواقع اليوم إصدار قرارات جديدة، وبصورة خاصة بعد دخول الجيش إلى رفح، أو على الأقل، تحديث القرارات السابقة. ومن المهم التذكير بأن الحديث لا يدور حول التحرك الرئيسي بشأن ما إذا كانت إسرائيل ترتكب إبادة جماعية، إنما تحرك موقت من أجل إصدار مذكرات موقتة، لا تتطلب أدلة متينة من جنوب أفريقيا لإثبات هذه الادعاءات.
- طلبت جنوب أفريقيا من المحكمة إصدار أوامر موقتة تفرض على إسرائيل، أولاً، وقبل كل شيء، وقف القتال في رفح وانسحاب القوات الإسرائيلية، بالإضافة إلى السماح لجهات دولية إنسانية والأمم المتحدة بالدخول إلى غزة بحُرية، والسماح للجان التحقيق الدولية والصحافيين بجمع الأدلة والشهادات وتوثيقها، وألّا يعمل الجيش على إحباط هذه المهمات. ممثلو جنوب أفريقيا طرحوا، على مدار ساعتين، تفسيرات بشأن أهمية استجابة المحكمة لهذا الطلب.
- ولتبرير طلب اصدار الأوامر الجديدة، ادّعت جنوب أفريقيا أن إسرائيل لم تلتزم القرارات السابقة التي أصدرتها المحكمة، وأن هناك حاجة مُلحة إلى قرارات جديدة لإنقاذ الفلسطينيين في غزة من الهجمات الإسرائيلية. وقدموا أدلة محدّثة وذات صلة، بينها الوضع الإنساني الصعب في قطاع غزة، وعدد القتلى والمصابين، والمقابر الجماعية التي تم الكشف عنها، مؤخراً، في خان يونس ومجمّع الشفاء. كما قدمت جنوب أفريقيا أيضاً تصريحات جنود وسياسيين، وضمنها تصريحات رئيس الحكومة نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، التي تعكس نية إبادة غزة وسكانها، بحسب ادّعائهم.
- ومثلما جرى في المرة السابقة، طرح ممثلو جنوب أفريقيا صورة أحادية الجانب، ولم يتطرقوا قط إلى دور “حماس” وأحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر، أو وضع الرهائن في إطار القتال الإسرائيلي في قطاع غزة. الإشارة الوحيدة إلى ذلك أن إسرائيل تدّعي أنها في حالة دفاع عن النفس، فالدفاع عن النفس لا يبرر الإبادة الجماعية. فضلاً عن أن ممثلي جنوب أفريقيا لم يتطرقوا إلى أن مصر هي التي تمنع فتح معبر رفح، وأن هجمات “حماس” على معبر كرم أبو سالم هي التي دفعت إلى إغلاقه موقتاً لأسباب أمنية.
- ومن المهم الإشارة إلى أن جميع الادّعاءات التي طرحتها جنوب أفريقيا “مضللة”، أو غير صحيحة. يوجد في منطقة رفح مئات الآلاف من النازحين، والوضع الإنساني هناك صعب ومعقد جداً. وكلما قامت إسرائيل بتوسيع العمليات في هذه المنطقة، فإن الجيش سيكون أكثر حذراً، تلافياً لارتكاب جرائم حرب خلال هذه العملية والامتناع من إلحاق الضرر المباشر وغير المتوازن بالمدنيين. هذا بالإضافة إلى أن جزءاً من التصريحات الصادرة عن المسؤولين ومحاولات المتظاهرين منع دخول شاحنات المساعدات الإنسانية إلى غزة، فعلاً، تعرّض إسرائيل لخطر خرق التزامها القرارات السابقة الصادرة عن المحكمة الدولية.
- التحدي القضائي الأساسي بالنسبة إلى جنوب أفريقيا هو تبرير طلب إصدار قرارات والمسار القضائي ذاته، فهي لا يمكنها الاستناد فقط إلى اتهامات بالقيام بجرائم حرب. لا يوجد لدى المحكمة الدولية نفسها أيّ صلاحية بشأن نقاش جرائم حرب في السياق الإسرائيلي. فالإطار الوحيد القضائي الذي يمكن للمحكمة أن تناقشه هو إطار الإبادة الجماعية، على أساس معاهدة الإبادة الجماعية التي انضمت إسرائيل إليها.
- اليوم، سيطرح مندوبو إسرائيل موقف الدولة ضد إصدار قرارات تطالب بها جنوب أفريقيا. سيكون على إسرائيل أن تطلب، أولاً، التشديد على أن كل عملياتها في غزة هي عمليات شرعية وقانونية. وكلما ازدادت الشكوك أكثر بشأن خرق قوانين الحرب، فيجب التحقيق فيها (وإسرائيل تحقّق في ذلك)، في إطار خرق قوانين الحرب، ولذلك، لا مكان لتدخُّل المحكمة في هذه المسائل، لأنها لا تدخل ضمن الإطار القانوني للإبادة الجماعية.
- هذا بالإضافة إلى أنه يتوجب على إسرائيل أن تشدد على أن التحذيرات التي يتم توزيعها على سكان قطاع غزة للإخلاء، قبل عمليات الجيش، تثبت أنه لا توجد نية إبادة جماعية، بل على العكس، إسرائيل تقوم بجهود كبيرة للامتناع من إلحاق الضرر بالمدنيين. وأكثر من ذلك، فإن مندوبي إسرائيل سيحاولون أن يثبوا أن التصريحات [الإسرائيلية] أُخرجت من السياق، وأن كميات المساعدات الإنسانية التي تدخل إلى غزة بشكل دائم، وضمنها الغذاء والوقود، تستجيب لمطالب المحكمة والمعايير الدولية والحاجات الإنسانية في غزة.
- المسار القضائي الرئيسي لقضية الإبادة الجماعية سيحتاج إلى أعوام طويلة، وفي نهايته، أنا على قناعة بأن المحكمة ستحكم لمصلحة إسرائيل. وفي حال كان الظهور الإسرائيلي اليوم ناجحاً ومقنعاً، فإن الانتصار الأساسي الذي ستحققه جنوب أفريقيا هو ليس بالضرورة أن يكون الحصول على قرارات جديدة من المحكمة، بل مجرد القدرة على جرّ إسرائيل، المرة تلو الأُخرى، إلى مداولات في لاهاي بوتيرة سريعة كهذه، من أجل مواجهة مطالب جديدة بشأن قرارات موقتة. وعلى الرغم من أنه لا يجب التعامل مع هذه المداولات على أنها موقف من قضاة المحكمة الدولية ضد إسرائيل، فإن ما يجري هو، من دون شك، يتعلق بأداة فعالة جداً في يد جنوب أفريقيا لإلحاق الضرر بمكانة إسرائيل في المجتمع الدولي.