تجميد تزويد إسرائيل بالسلاح الهجومي يمكن أن يحسم مصير الحرب

تجميد تزويد إسرائيل بالسلاح الهجومي يمكن أن يحسم مصير الحرب
المواضيع
  • تأخير إمداد إسرائيل بالسلاح الهجومي بقرار من الرئيس الأميركي جو بايدن يثير غضباً كبيراً، وإحساساً بخيبة الأمل والخيانة، إلى جانب مخاوف وشكوك بشأن موقف الإدارة الأميركية في واشنطن. يأتي هذا إلى جانب الانتقادات المتزايدة في العالم لسلوك إسرائيل في غزة، وخصوصاً العملية في رفح، بالإضافة إلى الادعاءات أن أنواعاً معينة من السلاح الأميركي، الذي تزودت به إسرائيل، استُخدم في قتل مدنيين غزّيين. وأشار تقرير نشرته الخارجية الأميركية، هذا الأسبوع، إلى أن ما يجري “انتهاك للقانون الدولي”، وهو ما يشكل دليلاً إضافياً على الشرخ الناشىء في العلاقات الأميركية  الإسرائيلية.
  • تُظهر نظرة عن قرب أن تأخير إرسال 3500 قذيفة وقنبلة، للمرة الأولى منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، وخصوصاً الآن، في ضوء اشتداد الحرب في غزة وازدياد حدة المواجهة مع إيران، بمثابة خطوة جذرية ذات أهمية كبيرة. وفي الوقت عينه، فإن هذا يعكس معضلة استراتيجية وأخلاقية مصيرية تواجهها إدارة بايدن. من جهة، هناك تنكُّر للوعود التي قدمتها الإدارة إلى حكومة نتنياهو في الشهر الماضي، كما أن هذه الخطوة الاستفزازية والمسيئة تعكس عدم الثقة بين الزعيمين، وهذا الموضوع له تداعيات خطِرة كثيرة وبعيدة المدى.  فما يجري هو خرق لقرار الكونغرس الأميركي بشأن تحويل مساعدة أمنية طارئة إلى إسرائيل بقيمة 14 مليار دولار منذ نشوب الحرب. والمقصود مساعدة مهمة وذات قيمة، ويمكن أن تصل إلى أكثر من 45 مليار دولار، وتتضمن مساعدة سنوية تُقدّر بـ3.8 مليارات دولار…
  • من وجهة نظر إسرائيلية، إن ادعاءات الإدارة الأميركية تزيد في إصرار حكومة نتنياهو على العمل بأيّ ثمن ضد “حماس”. لكن ما يجري ليس سوى “السنونوة الأولى” التي يمكن أن تقود إلى فرض عقوبات، وتهديدات بالحظر، وادّعاءات أُخرى مشابهة ومهمة من طرف الولايات المتحدة ودول أُخرى (مثل كندا) تزود إسرائيل بالسلاح والعتاد المهم. وهذا بدوره، يمكن أن يُلحق ضرراً واسعاً بإسرائيل، عسكرياً وأمنياً واقتصادياً، وأن ينعكس على قوتها، وعلى الاقتصاد الإسرائيلي برمته، كما سيؤدي، لاحقاً، إلى إلحاق الضرر بالتعاون مع الصناعات الأمنية وصناعة السلاح في الولايات المتحدة، والتي تعتمد عليها إسرائيل اعتماداً كبيراً (المساعدة الأميركية التي أقرّها الكونغرس تشكل 40% من نفقات حرب “السيوف الحديدية”، حتى الآن).
  • والأخطر من ذلك، هو أن التدخل الأميركي المباشر والأحادي الجانب في اتخاذ القرارات وإدارة الحرب والعمليات العسكرية للجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، يزيد في تبعية إسرائيل وضعفها وعزلتها. هذه التبعية والضعف يقوضان صورتها كدولة قوية، ويُضعفان مكانتها الدولية، ويشجعان أعداءها (مثل إيران و”حماس” وحزب الله) على الاستمرار في مهاجمتها في مختلف الجبهات.
  • وعلى غرار الخطوات العقابية التي اتخذتها الولايات المتحدة ضد أعدائها، وبينهم أنظمة استبدادية، مثل روسيا وإيران وكوريا الشمالية، فإن المقصود استخدام السلاح الهجومي والسلطة الرئاسية كأداة ضغط عسكري ونفسي، هدفها التأثير في الموقف الإسرائيلي، وثني إسرائيل عن تنفيذ خططها وشنّ عملية واسعة النطاق في رفح، من خلال تقييد خطواتها ومنع تحرُّكها. كل ذلك استجابة للضغوط الداخلية والدولية، سواء من جانب شخصيات رفيعة المستوى في الحزب الديمقراطي والكونغرس والإدارة الأميركية، أو من جانب الرأي العام الأميركي والدولي عموماً.
  • وليس عبثاً ازدياد الأصوات التي ترى أن تهديدات الرئيس الأميركي وخطواته هي بمثابة طعن في ظهر إسرائيل، وأنها تكشف الوجه الحقيقي لقادة الولايات المتحدة والإدارة في واشنطن.

 

صورة نصر مزيف

  • من وجهة نظر استراتيجية واسعة النطاق، يبدو الآن أنه كلما واصلنا صراعنا ضد “حماس”، كلما ازدادت الشكوك في الولايات المتحدة، سواء بشأن التوجهات القتالية الإسرائيلية وعمليات الجيش في القطاع وخطواته من أجل احتلال رفح، وازدياد حدّة المواجهات، وتفاقُم حجم الأزمة الشرق الأوسطية وتحوُّلها إلى حرب إقليمية شاملة. هذا التدهور الأمني الخطِر يهدد كل الأرصدة والمصالح والأهداف الأميركية، ويزيد في وجود الولايات المتحدة في المنطقة، ويؤدي إلى تعميق تورُّطها في نزاع يشتد اشتعالاً. يجري هذا كله مع اشتداد حدّة الحرب في أوروبا والمواجهة مع الصين، في شرق جنوب بحر الصين، ومسألة أزمة تايوان.
  • وتُظهر نظرة فاحصة أن الإدارة بقيادة جو بايدن، الذي يُعتبر الزعيم “الصهيوني”، والمؤيد الكبير لإسرائيل، تعمل بقوة، علناً ومن وراء الكواليس، لكبح خطوات حكومة نتنياهو، من خلال المناورة بين الطرفين، ومجموعة متنوعة من المواقف والمصالح المتعارضة. فهي تناور بين استمرار التأييد لإسرائيل، وقيادة عملية مفاوضات بشأن استعادة المخطوفين لدى “حماس”، وإلى جانب الدعوة إلى وقف الحرب، فهي تبلور مخططاً استراتيجياً بشأن “اليوم التالي للحرب”، وتعمل على دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، والدفع قدماً بفكرة “الدولتين” وقيام دولة فلسطينية مستقلة. كل هذا بالإضافة إلى الدفع بعملية التطبيع مع السعودية وتوسيع “اتفاقات أبراهام”، وتوثيق التعاون الأمني مع دول عربية معتدلة، وخصوصاً دول الخليج، وترسيخ اتفاق دفاع جوي قوي ضد إيران.
  • ليس عبثاً، والحال هذه، أن تستخدم الإدارة الأميركية الضغوط على الحكومة الإسرائيلية، وتقدم لها أيضاً معلومات استخباراتية قيّمة ومهمة. الولايات المتحدة بحاجة، اليوم أكثر من أيّ وقت مضى، إلى نصر إسرائيلي في غزة، يلجم الصراع ضد “حماس”، ويمنع تعاظُم النزاع في الشرق الأوسط.
  • من وجهة نظر جيوسياسية واستراتيجية واسعة النطاق، فإن “الانكفاء” الإسرائيلي والخضوع للإملاءات والعقوبات الأميركية، يمكن أن يبدو “انتصاراً” مهماً لإدارة بايدن والسياسة التي تنتهجها. وهذا النصر سيؤكد أن الولايات المتحدة، وعلى الرغم من كل العقبات والتحديات الداخلية والخارجية، فإنها قادرة على قيادة خطوات دولية وتحقيق انتصارات، وليس “خسائر”، أو “حائطاً مسدوداً” (مثل الحرب في أوكرانيا). وهذه الخطوات تطمس ضعفها، وتغطي على الاختلافات العميقة والتدهور الخطِر في العلاقة بإسرائيل. لكن في الوقت عينه، من ناحية أُخرى، فإنها تُظهر قدرتها على التأثير في إسرائيل والسيطرة عليها، وعلى الوضع الجيوسياسي المعقد الناشىء في الشرق الأوسط.
  • … وما يدعو إلى السخرية أنه بسبب قرب إسرائيل، وكونها حليفة تاريخية، يفضل الرئيس الأميركي استخدام الضغوط الكبيرة عليها واتخاذ خطوات ضدها، وهذه الخطوات الحساسة تضرّ بالأمن القومي لإسرائيل، وتزيد في الخطر الوجودي عليها، كل ذلك، فقط من أجل التوصل إلى اتفاق تاريخي مع السعودية. لقد تحدثت تقارير حديثة عن التوصل إلى تفاهمات بين مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى وبين سعوديين بشأن اتفاق يساهم في إنهاء الحرب في غزة، ويتعهد قيام دولة فلسطينية. وهذا مزيج من خطوات استراتيجية تقيد إسرائيل وتضعها في موضع “الرافض”، إذا لم تتعاون.
  • من الناحية الاستراتيجية، ما يجري هو السير على “حبل رفيع” واتخاذ خطوات تهدف إلى التخفيف من الانتقادات الموجهة إلى موقف الولايات المتحدة وسياستها المؤيدة لإسرائيل، وإنقاذ سمعتها، وتحسين وضعها الجيوسياسي في الشرق الأوسط، وفي العالم كله. بالإضافة إلى تحسين صورة إدارة بايدن في نظر شرائح مختلفة من الجمهور الأميركي، ووسط الجمهور الفلسطيني والعربي والإسلامي.
  • ويتضح أن استعداد الإدارة الأميركية للتضحية بأمن إسرائيل وتفضيل دوافعها السياسية الضيقة، هو “ثمن” قليل نسبياً، تستعد لدفعه في مقابل الفائدة الكبيرة التي ستجنيها الولايات المتحدة جرّاء تجميد شحن السلاح الهجومي. وهذه الخطوة الخطِرة، من المتوقع أن تحسم مصير الحرب، وتؤثر في مستقبل إسرائيل في الشرق الأوسط.
Exit mobile version