التواصل العربي مع الأسد على مدى عام باء بالفشل
لم تؤد مقاربة “الجزرة” إلا إلى تشجيع النظام السوري على زيادة تهريب الكبتاجون والأسلحة، لكن “عقوبات قيصر” الأمريكية تبقى بمثابة عصا قوية.
من المقرر أن يحضر الرئيس السوري بشار الأسد قمة “الجامعة العربية” في البحرين هذا الأسبوع، بعد مرور ما يقرب من عام على إعادة انضمام بلاده إلى الجامعة العربية في القمة التي انعقدت في السعودية عام 2023. ومع ذلك، فإن إلقاء نظرة سريعة على أعمال “لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا” التابعة للجامعة العربية، إلى جانب الزيادة الأخيرة في الضربات العسكرية الأردنية ضد شبكات تهريب الكبتاغون عبر الحدود، تُظهر أن الانخراط العربي مع الأسد قد فشل في إعادة تأهيل النظام. ومع بدء النظر في اتخاذ تدابير أكثر صرامة ضد دمشق في “الكابيتول هيل” (مقر الحكومة الأمريكية في واشنطن)، فمن الضروري أن تعمل الولايات المتحدة على التوصل إلى إجماع بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي بشأن تمديد “عقوبات قيصر” لضمان المساءلة عن الفظائع الجماعية التي ارتكبها نظام الأسد. ويجب على واشنطن أيضاً اتخاذ خطوات عاجلة لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية الحيوية إلى سوريا والتشاور مع شركائها العرب بشأن تطوير استراتيجية لما سيأتي في المرحلة القادمة – بما في ذلك خطة شاملة لمكافحة تهريب المخدرات والأسلحة إلى خارج سوريا.
التطبيع العربي والرد الأمريكي
في عام 2021، بعد عشر سنوات من تعليق “الجامعة العربية” عضوية سوريا بسبب القمع الوحشي الذي مارسه النظام السوري ضد الانتفاضة التي أشعلت الحرب الأهلية، بدأ الأردن ومصر تقارباً مشروطاً مع دمشق. وفي محاولة يائسة لإعادة فتح الحدود الشمالية، وتعزيز التجارة، وتسهيل عودة اللاجئين السوريين، أصدرت عمّان ورقة بيضاء حول الانخراط تضمنت خطة معقدة لنقل الكهرباء الأردنية والغاز الطبيعي الإسرائيلي والمصري عبر سوريا إلى لبنان. وما وقف في طريق ذلك هو عزلة الأسد الإقليمية والعقوبات الأمريكية التي فرضها “قانون قيصر”، والذي يقيد الاستثمار في إعادة الإعمار في الأجزاء التي يسيطر عليها الأسد في سوريا إلى أن تتم محاسبة شخصيات النظام والتوصل إلى تسوية سياسية قابلة للتطبيق.
وفي ذلك الوقت، كانت إدارة بايدن تدعم مبادرة الطاقة كوسيلة لتحسين الوضع الإنساني المحلي. وللتغلب على عقوبات الكونغرس، فوفقاً لبعض التقارير اعتبر مسؤولو الإدارة الأمريكية أن شروط الصفقة، وهي نقل الغاز والكهرباء عبر سوريا مقابل تسديد دفعات عينية إلى دمشق تصل إلى 8 في المائة من الطاقة المنقولة، لا تشكل “صفقة كبيرة” بموجب “قانون قيصر”. وفي النهاية، لم تترجَم الفكرة على أرض الواقع، ويرجع ذلك جزئياً إلى عدم قدرة الإدارة الأمريكية على تقديم ضمانات مكتوبة حازمة بأن المعاملات المخطط لها سوف تكون معفاة من العقوبات.
وحتى عندما كان المسؤولون العرب يحاولون تنفيذ صفقة الطاقة هذه في الفترة 2022-2023، كانت شبكات نظام الأسد تزيد بشكل كبير من إنتاج الكبتاغون، المنشط الاصطناعي المسبب للإدمان الشديد، وتهريب كميات هائلة منه إلى جميع أنحاء المنطقة. ومن الصعب تحديد حجم الإيرادات التي حققتها هذه العملية (ولا تزال تحققها) للنظام السوري بدقة، لكن المناطق التي يسيطر عليها الأسد في سوريا كانت تنتج الغالبية العظمى من تجارة الكبتاغون غير المشروعة في العالم، والتي قُدرت قيمتها بنحو 5.7 مليار دولار في عام 2021. وفي المملكة العربية السعودية وحدها، تم ضبط 107 ملايين حبة في عام 2022، والتي كانت ستصل قيمتها إلى 2.7 مليار دولار بسعر تقريبي في الشارع يبلغ 25 دولاراً للقرص الواحد. وفي عام 2023، فرضت الولايات المتحدة و”الاتحاد الأوروبي” عقوبات على شقيق الأسد ماهر لاستخدامه “الفرقة الرابعة” في الجيش السوري لتسهيل إنتاج الكبتاغون وتهريبه بمساعدة “حزب الله” اللبناني وميليشيات إيرانية أخرى.
ومع خروج مشكلة الكبتاغون عن نطاق السيطرة، وتدهور الوضع الإنساني في سوريا بعد الزلزال الكبير الذي ضرب سوريا في شباط/فبراير 2023، وعدم إحراز أي تقدم نحو تسوية سياسية سورية، قررت السعودية استئناف العلاقات مع الأسد ودعم إعادة انضمام بلاده إلى “الجامعة العربية” في قمة جدة عام 2023. وكان الهدف من هذا النهج، الذي طرحته الإمارات العربية المتحدة للمرة الأولى، حل الكثير من المشاكل المستعصية في وقت واحد من خلال منح الأسد حوافز إيجابية لتغيير سلوكه. وبناءً على ذلك، تم إنشاء “لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا” في مؤتمر القمة، والتي تضم الأمين العام لجامعة الدول العربية وممثلين عن مصر والعراق والأردن ولبنان والسعودية وسوريا. وكُلّفت اللجنة بأربع مهام رئيسية: (1) الحد من إنتاج الكبتاغون وتهريبه، (2) إعادة اللاجئين إلى سوريا، (3) دفع عجلة العملية السياسية السورية عبر اللجنة الدستورية، و (4) تشكيل لجنة لـ”تنسيق الأمن الإقليمي”. ولم يتم تحديد هدف معيّن ولكنه كان مدرجاً في المبادرة وهو تقويض نفوذ إيران و”حزب الله” المتوسع في سوريا، والذي يشمل على سبيل المثال لا الحصر شبكات الكبتاجون.
ورداً على إعادة انضمام سوريا، طرح المشرعون الأمريكيون في مجلس النواب “قانون مناهضة التطبيع” مع نظام الأسد، الذي سعى إلى معالجة أو الحد من الثغرات والإعفاءات التي مكنت الدعم الأمريكي لمبادرات مثل خطة الطاقة الأردنية المصرية. ومع ذلك، لم تتم الموافقة على مشروع القانون من قبل مجلس الشيوخ الأمريكي، حيث أصبح موضع جدال مهم بين مجموعات الإغاثة القلقة بشأن تأثيره على القضايا الإنسانية والمنظمات الأمريكية السورية التي تطالب بالمحاسبة عن فظائع الأسد.
تزايد إنتاج الكبتاغون والضربات الأردنية
في أعقاب الاجتماع الافتتاحي في القاهرة في آب/أغسطس الماضي، وُلدت “لجنة الاتصال” ميتة في الأساس بسبب استمرار تدفق الكبتاغون إلى الخارج، مما أجبر الأردن على اتخاذ إجراءات عسكرية متزايدة. وبحلول نهاية أيلول/سبتمبر، كانت قوات المملكة قد أسقطت أربع طائرات بدون طيار انطلقت من الأراضي التي يسيطر عليها الأسد، وشنت غارات جوية على منشآت إنتاج المخدرات بالقرب من قرية أم الرمان الحدودية السورية. ورداً على ذلك، اعترف وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، الذي أيد صراحةً إشراك الأسد، علناً بأن تهريب المخدرات قد زاد في السنوات التي تلت افتتاح عمان لمحادثات التطبيع. وتوسَّع هذا النشاط بصورة أكثر في الأشهر اللاحقة، حيث ساعد ظهور الضباب الشتوي المهربين على التهرب من الدوريات وكاميرات الحدود.
في 17 كانون الثاني/يناير، أدت غارة جوية أردنية ضد مستودعات للمخدرات في محافظة السويداء السورية إلى مقتل عشرة مدنيين، مما أثار حرباً كلامية علنية نادرة بين دمشق وعمّان. فقد أعربت وزارة الخارجية السورية عن “استغرابها” من الضربات “غير المبررة” واتهمت عمّان بتجاهل تواصل النظام المفترض بشأن قضايا التهريب وأمن الحدود. كما أشارت الوزارة إلى أن الأردن كان قد سمح في السابق لـ”الإرهابيين” بالعبور إلى سوريا – وهي الكلمة الرمزية التي استخدمها النظام السوري لعناصر المعارضة المسلحة خلال الحرب الأهلية. ورداً على ذلك، أكدت وزارة الخارجية الأردنية أن المخدرات والأسلحة المهربة من سوريا تشكل تهديداً للأمن القومي للمملكة، مشيرةً إلى أن دمشق لم تتخذ أي إجراء لمعالجة هذه المشاكل على الرغم من تلقيها معلومات استخباراتية مفصلة من عمّان (على سبيل المثال، أسماء المهربين المعروفين ومؤيديهم ومواقع التصنيع والتخزين وخرائط طرق التهريب).
وأفادت التقارير أن الأردن قد نفذ بالمجمل ما لا يقل عن ثماني ضربات جوية ومدفعية في جنوب سوريا منذ آب/أغسطس الماضي وحده. كما شاركت قواته في العديد من الاشتباكات الحدودية الكبرى مع مهربي المخدرات، الذين يمكن أن يصل عدد أفراد جماعاتهم المداهمة إلى 400 مسلح. وخلال الفترة ذاتها، أعلن نظام الأسد عن سبع عمليات ضبط للمخدرات، وهو إجمالي ضئيل نظراً للارتفاع الهائل في نشاط التهريب، والذي يتضمن الآن مجموعة مذهلة من التكتيكات لتجنب الحظر (على سبيل المثال، قطعان الحمام الزاجل).
تهريب الأسلحة
تشعر السلطات الأردنية بقلق أكبر إزاء تزايد مصادرة الأسلحة المهربة من سوريا، إذ يمكن استخدام أي أسلحة يتم تهريبها عبر الحدود محلياً أو نقلها إلى الضفة الغربية لتأجيج التوترات الإسرائيلية الفلسطينية بصورة أكثر وسط الحرب مع “حماس”.
وكشفت مصادر أردنية هذا الأسبوع عن ضلوع إيران على ما يبدو في تسهيل عمليات النقل هذه. فقد أشارت المصادر، في تقاريرها عن المخبأ الذي تم ضبطه في آذار/مارس، إلى أن الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا قد أرسلت أسلحة إلى خلية تابعة لجماعة “الإخوان المسلمين” مرتبطة بـ”حماس” في الأردن. وفي ضوء هذه التفاصيل، ربما لم تعد عمّان قادرة على التزام الصمت الحذر بشأن التواطؤ الإيراني في مجموعة التهديدات الصادرة من سوريا.
المحاولات الدبلوماسية الأخيرة؟
في البداية، خطط الدبلوماسيون العرب لمعالجة هذا التصعيد في الاجتماع الوزاري الثاني لـ “لجنة الاتصال” الذي كان مقرراً عقده في 7 آذار/مارس، لكن الاجتماع ألغي بعد امتناع دمشق عن الرد على أسئلة اللجنة بشأن الكبتاغون وقضايا أخرى. وبدلاً من ذلك، أرسل النظام السوري وزير الخارجية فيصل المقداد إلى الرياض لمعالجة هذه الأمور شخصياً عبر محادثات مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان والسفير السوري الذي تم تعيينه مؤخراً أيمن سوسان.
وأعيد بعد ذلك تحديد 8 أيار/مايو موعداً للاجتماع الوزاري في بغداد، لكن سوريا امتنعت مجدداً عن تقديم رد مكتوب على أسئلة اللجنة، مما دفع المسؤولين إلى إلغاء الحدث بناءً على طلب عمّان. وفي 13 أيار/مايو، التقى المقداد بالصفدي مباشرةً، لكن بياناً أردنياً لاحقاً أشار ضمناً إلى عدم إحراز أي تقدم بشأن أي من طلبات اللجنة القائمة منذ فترة طويلة.
توصيات في مجال السياسة العامة
بغض النظر عما ستؤول إليه قمة المنامة، أثبت نظام الأسد أن الحوافز الإيجابية لن تغير سلوكه بشأن تهريب الكبتاغون، وتهريب الأسلحة، وغيرها من التهديدات. فقد استمرت هذه المشكلة حتى عندما سُمح لدمشق باستخدام قناتها المفضلة للانخراط الدبلوماسي المستقل من أعلى المستويات إلى أدناها مع الرياض بدلاً من الاستجابة للنهج القائم على الشروط بقيادة الأردن. يجب على إدارة بايدن استخدام الأدلة الوافرة التي تدعم هذا الاستنتاج لثني شركائها العرب عن مواصلة مسار التطبيع مع الأسد، ومساعدتهم بدلاً من ذلك على تطوير استراتيجية مشتركة فعالة لمكافحة إنتاج الكبتاغون والاتجار به، من بين قضايا أخرى.
وفي واشنطن، من المقرر أن تنتهي عقوبات قيصر في كانون الأول/ديسمبر، في حين لا يزال “قانون مناهضة التطبيع” مع نظام الأسد ينتظر مناقشته في مجلس الشيوخ بعد أن أقره مجلس النواب بأغلبية ساحقة في شباط/فبراير. ووفقاً لبعض التقارير، كانت قيادة الحزب الجمهوري في مجلس النواب تعتزم إدراج مشروع القانون ضمن حزمة المساعدات التكميلية التي وقعها بايدن في 24 نيسان/أبريل، لكن يبدو أن قيادة الحزب الديمقراطي في مجلس النواب أزالته بناءً على طلب البيت الأبيض لتجنب تعقيد السعي المستمر للتوصل إلى صفقة دبلوماسية ضخمة مع السعودية. ومع ذلك، واعترافاً بمشكلة التهريب المتزايدة، تم إدراج نص من مشروع قانون “قمع الإتجار غير المشروع بالكبتاغون” لعام 2023 في الملحق.
وفي المرحلة القادمة، يجب على واضعي السياسات في الولايات المتحدة أن يفعلوا ما هو مطلوب لتمديد “قانون قيصر” ليشمل التاريخ المقترح لـ “قانون مناهضة التطبيع” في عام 2032. وإذا لم يحدث تغيير غير متوقع في سلوك الأسد، يجب عليهم إغلاق أي ثغرات تسمح بإعادة فتح “خط أنابيب الغاز العربي” عبر سوريا. وفي الوقت نفسه، يجب على الكونغرس الأمريكي أن يتبع نهجاً دقيقاً تجاه استمرار أنشطة “إزالة المخاطر” من قبل المصارف التي تتجنب المعاملات مع المنظمات غير الحكومية التي تقدم المساعدات لسوريا خوفاً من انتهاك العقوبات الأمريكية. ويعني ذلك التفكير بشكل أكثر إبداعاً في العقوبات، بما في ذلك “القناة البيضاء” المحتملة للمساعدات الإنسانية التي من شأنها إنشاء آلية دفع للصادرات المشروعة إلى سوريا مع تجنب تلاعب نظام الأسد. ويظل “قانون قيصر” الممتد على فترة أطول والأكثر دهاءً أفضل وسيلة لممارسة الضغوط اللازمة للتوصل إلى حل عملي للحرب السورية.
أندرو جيه تابلر هو زميل أقدم في برنامج الزمالة “مارتن ج. غروس” في “برنامج «روبين فاميلي» حول السياسة العربية” في معهد واشنطن حيث يركز على سوريا والمشرق العربي وسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.