كيف يمكن لحملة إسرائيل في رفح أن توجه عمليات “حزب الله”؟
قد يؤدي الخلاف بين الولايات المتحدة وإسرائيل حول كيفية التعامل مع جنوب غزة إلى تشجيع “حزب الله” على تسريع وتيرة عملياته المتصاعدة أساساً، على الرغم من أن رسم خطوط ردع واضحة يمكن أن يساعد في الحد من التصعيد.
منذ الخطاب الأول لقائد “حزب الله” حسن نصر الله حول هذا الموضوع في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، ربط نصر الله حرب غزة بالمواجهة التي يخوضها حزبه مع إسرائيل، وتؤكد العمليات الأخيرة التي قامت بها الميليشيا هذا الارتباط. وبينما ينفذ الجيش الإسرائيلي تحركاته الأولى في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، يعلن “حزب الله” عن استخدام أسلحة جديدة في الهجمات عبر الحدود الشمالية، ويدعو إلى المزيد من تعبئة القوات، ويعطي إشارات أخرى عن تصعيد وشيك. وسواء كانت هذه التحركات المبكرة حقيقية أو رمزية إلى حد كبير، فهناك خطر كبير في أن يحاول الحزب استغلال حملة رفح من أجل تعميق التوترات بين إسرائيل وواشنطن والمجتمع الدولي الأوسع نطاقاً. أما الحكومة الإسرائيلية فتحاول من جانبها تحقيق توازن صعب، حيث تواجه ضغوطاً متزايدة من السكان النازحين من شمال البلاد للتصدي لتهديد “حزب الله” لكي يتمكنوا من العودة إلى ديارهم، حتى مع أن العديد من عناصر الجيش الإسرائيلي قد يكونون الآن مقيدين في رفح لأسابيع أو شهور. ومن شأن جميع هذه العوامل أن تزيد من خطر سوء التقدير والحرب الشاملة ما لم يتم استخدام الدبلوماسية الصارمة لمعالجة الوضع.
التصعيد منذ نيسان/أبريل
يعتمد “حزب الله” على قوته القتالية الأساسية منذ اندلاع حرب غزة في تشرين الأول/أكتوبر، ولكن حالما أعلنت إسرائيل عن بدء حملة رفح، دعا الحزب إلى التعبئة العامة، مما يعني عادةً تفعيل عناصره الاحتياطية. ويمكن أن يكون ذلك مجرد تعبئة خطابية – فبدلاً من ينشر “حزب الله”جميع احتياطياته فعلياً على جبهة القتال، ربما يواصل ببساطة استراتيجيته المتمثلة في البيانات والإجراءات المدروسة رداً على التطورات المتغيرة مع الابتعاد عن التعبئة الكاملة والحرب الشاملة، على الأقل في الوقت الراهن. ومع ذلك، وبغض النظر عن نوايا الحزب، تشير التغيرات على الأرض خلال الأيام القليلة الماضية إلى تزايد خطر الحرب سواء أرادت الأطراف ذلك أم لا.
وفي 13 أيار/مايو، أفادت قناة “الميادين” اللبنانية أن “حزب الله” كشف عن استخدام صاروخ ثقيل جديد (باسم “جهاد مغنية”) للمرة الأولى. كما أشارت إلى أنه يتم استخدام طائرة بدون طيار جديدة (“شهاب”) لاستهداف منظومة القبة الحديدية الدفاعية الإسرائيلية.
في 8 أيار/مايو، قُتل رقيب في الجيش الإسرائيلي خلال غارة لـ”حزب الله” على قاعدة في المالكية، في حين قُتل جنديان آخران في موقعهما بالقرب من متولا في 6 أيار/مايو، ليصل إجمالي عدد القتلى في صفوف الجيش الإسرائيلي على الجبهة اللبنانية إلى أربعة عشر قتيلاً منذ تشرين الأول/أكتوبر. كما قُتل تسعة مدنيين إسرائيليين.
وتتكشف هذه التطورات في أعقاب تبادل إطلاق النار المباشر الذي وقع الشهر الماضي بين إيران وإسرائيل، والذي سلط الضوء على أهمية دور “حزب الله” وحساسيته باعتباره الوكيل الإقليمي الأول لطهران. فقد كشف الهجوم بالصواريخ والطائرات بدون طيار الذي وقع في 13 نيسان/أبريل على إسرائيل عن عدم كفاية القدرات العسكرية الإيرانية. وإذا كانت طهران تأمل في اختراق دفاعات الحلفاء في عملية أوسع نطاقاً أو حرب مستقبلية محتملة، ستحتاج على الأرجح إلى انضمام “حزب الله” إليها مع ترسانته الضخمة. ويعني هذا الإدراك أيضاً أن أسلحة الحزب تظل بمثابة درع دفاعي رئيسي وبوليصة تأمين لإيران، وهو ما يكره النظام الإيراني إنفاقه نيابة عن غزة أو “حماس”. ومع ذلك، ففي الوقت نفسه، من المحتمل أن يشعر “حزب الله” بأنه لا يستطيع الاستمرار في تلقي الضرر من إسرائيل إلى أجل غير مسمى. ولذلك يبدو أن الحزب اختار المسار الأوسط المتمثل في التصعيد الواضح ولكن بحذر بعد 13 نيسان/أبريل، وقد حذت إسرائيل حذوه.
على سبيل المثال، يستخدم “حزب الله” طائراته بدون طيار من الجيل الثالث للمرة الأولى. ففي 17 نيسان/أبريل، شن غارة دقيقة نسبياً بطائرة مسيّرة على بلدة عرب العرامشة الحدودية، مما أدى إلى إصابة ثمانية عشر إسرائيلياً (معظمهم من جنود الاحتياط في الجيش الإسرائيلي). وجاء ذلك في أعقاب غارة مماثلة بطائرة مسيّرة بالقرب من بيت هليل وكريات شمونة في اليوم السابق. وفي كلتا الحالتين، استخدم الحزب نوعاً أكثر تقدماً من طائرات “أبابيل” الانتحارية المسيّرة القادرة على تحديد أهداف معيّنة.
وفي 22 نيسان/أبريل، زعم “حزب الله” أنه قصف قاعدة شمال عكا، في أعمق هجوم شنه على إسرائيل منذ بدء حرب غزة. وبالإضافة إلى الإشارة إلى أنه تم نشر أسلحة أكثر تطوراً، أظهرت هذه الحادثة أيضاً أن الحزب مستعد لتبني قواعد جديدة للاشتباك وتوسيع رقعة الأعمال العدائية. ومن الجدير بالملاحظة أن كل ذلك حدث بعد وقت قصير من إصابة أربعة جنود إسرائيليين أثناء توغلهم عبر الحدود داخل لبنان.
حسابات رفح بالنسبة لـ “حزب الله”
يُعتبر بدء حملة رفح حيوياً بالنسبة لـ “حزب الله” لسببين رئيسيين. أولاً، كانت ردود الفعل الدولية على العملية شديدة اللهجة نظراً للعواقب الإنسانية المحتملة، مما دفع الحزب إلى الاستنتاج بأن إسرائيل قد أصبحت الآن أكثر عزلة وعرضة للخطر. حتى أن إدارة بايدن انتقدت العملية علناً وأوقفت شحن بعض الذخائر إلى إسرائيل، في قرار اعتبره على الأرجح “حزب الله” وإيران والجهات الفاعلة الأخرى بمثابة تحول في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، على الرغم من استئناف معظم عمليات نقل الأسلحة، إن لم يكن جميعها وفقاً لبعض التقارير. وفي خطاب ألقاه نصر الله في 13 أيار/مايو عقب تحرك الجيش الإسرائيلي نحو رفح، أعاد تأكيد العلاقة “الحاسمة” بين الجبهة اللبنانية وجبهة غزة، مشيراً إلى أن “العالم كله يتحدث اليوم عن حق الفلسطينيين في أن تكون لهم دولة” بسبب الجهود الجماعية لـ “حماس” و”حزب الله” وحلفائهما في محور «المقاومة».
ثانياً، على الرغم من أن إسرائيل قد تواصل نشاطها العسكري على مستوى منخفض في غزة لأشهر مقبلة، إلا أن حملة رفح قد تنبئ بانتهاء عملياتها القتالية الرئيسية هناك. ويعني ذلك أن الجيش الإسرائيلي قد يتمكن قريباً من إعادة تركيز المزيد من الموارد وصب الاهتمام على الجبهة اللبنانية بهدف إعادة سكان شمال البلاد إلى منازلهم. وفي الواقع، تدل مؤشرات وتصريحات متعددة على تصعيد إسرائيلي ضد “حزب الله” بعد رفح.
وإذا استشعر نصر الله بأن إسرائيل تستعد لمهاجمة “حزب الله” كخطوة تالية، سيجد نفسه أمام خيارين غير مرغوب بهما، وهما إما الدخول في حرب واسعة النطاق أو قبول الشروط التي اقترحها الدبلوماسيون الأمريكيون والفرنسيون مؤخراً. ويعني السيناريو الأخير الانسحاب من الحدود (أو على الأقل الالتزام بذلك على الورق) مع التوصل إلى معادلة ردع جديدة.
من هذا المنطلق، قد يشعر “حزب الله” بأنه مضطر إلى استعراض عضلاته خلال حملة رفح من أجل فرض شروط على إسرائيل وواشنطن وباريس. وسيفضل الحزب على الأرجح العودة إلى الوضع الذي كان قائماً قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر دون الاضطرار إلى الانسحاب علناً من الحدود (على الرغم من أن إسرائيل لن تقبل هذا الشرط أبداً). ويتعين عليه أيضاً التأكد من ردع الجيش الإسرائيلي عن ضرب إيران بشكل مباشر أو تقليص الوجود الإيراني ونفوذه في المنطقة بشكل كبير.
خيارات السياسة الأمريكية
في الأشهر الأولى من حرب غزة، كان دعم إدارة بايدن القوي لإسرائيل، والرسائل الصارمة التي وجهتها لإيران و”حزب الله”، والنشر المكثف للسفن الحربية والطائرات المقاتلة في المنطقة، يشكل رادعاً قوياً. وقد أدرك “حزب الله” المخاطر المرتبطة بتحدي هذا الموقف. واليوم، يبقى الردع الأمريكي القوي أساسياً، ليس لمنع نشوب حرب أوسع نطاقاً فحسب، بل أيضاً لتسهيل التوصل إلى اتفاق فعال لوقف إطلاق النار على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية، مع احتمال إقناع الحزب بالحد من تصعيده في الوقت نفسه. وقد التزم الحزب أساساً بوقف هجماته عند انتهاء الحرب في غزة، وبالتالي سيتجاوب بالتأكيد مع المفهوم العام المتمثل بوقف التصعيد.
ولتحقيق هذه الأهداف، ينبغي على واشنطن تركيز جهودها على عدة جوانب:
• تجنب تقديم تنازلات سياسية أو اقتصادية لـ”حزب الله” ومؤسسات الدولة اللبنانية المتعددة التي يسيطر عليها فعلياً. وفي الواقع، يجب على المسؤولين الأمريكيين أن يعلنوا بشكل واضح وعلني أنه لن يتم تنفيذ أي خطة إنقاذ اقتصادي تدعمها الولايات المتحدة إذا عمد الحزب إلى التصعيد.
• تكثيف الضغوط على مختلف ركائز قوة “حزب الله” في لبنان، بما في ذلك ترسانته العسكرية (من خلال تقييد تدفق الأسلحة من إيران)، وحلفائه السياسيين في الداخل، وسيطرته على الطائفة الشيعية.
• تنسيق الضغط الشعبي والبيانات العلنية مع الشركاء الأوروبيين والعرب لتقديم جبهة موحدة.
• الحفاظ على الوجود العسكري الأمريكي المكثف في المنطقة وإجراء تدريبات مشتركة مع القوات الشريكة كلما أمكن ذلك.
• تكرار تحذير “لا تفعلوا” الذي أطلقه الرئيس بايدن في نيسان/أبريل بصورة أقوى وأكثر وضوحاً، مع الإشارة إلى أن إيران وأصولها الإقليمية قد لا تنجو من العواقب إذا قام “حزب الله” بالتصعيد. وسيكون لهذه الرسالة فائدة إضافية تتمثل في إظهار أن الخلاف الحالي بين الإدارة الأمريكية وإسرائيل بشأن شحنات الأسلحة لن يستمر في حال نشوب أي نزاع مع “حزب الله”.
في الواقع، يمكن للإدارة الأمريكية أن تستمر في دعم اتفاق وقف إطلاق النار لمنع الحرب مع تأكيدها بأنها ستدعم إسرائيل في حال اندلاع الحرب. ففي 14 أيار/مايو، أكد مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان أن الولايات المتحدة لن تسمح لإيران ووكلائها بالنجاح: “«حزب الله» يهاجم كل يوم… ونحن نعمل مع إسرائيل وشركاء آخرين على تأمين الحماية من هذه التهديدات ومنع التصعيد إلى حرب إقليمية شاملة، من خلال الاستخدام المدروس لكل من الدبلوماسية والردع وتعديلات وضع القوة، واستخدام القوة عند الضرورة لحماية شعبنا والدفاع عن مصالحنا وحلفائنا”.
من الضروري توجيه مثل هذه الرسائل إلى إيران و”حزب الله” بوتيرة أكبر، لا سيما فيما يتعلق باستعداد واشنطن للجمع بين الدبلوماسية واستخدام القوة. وعلى الرغم من عدم إحراز تقدم في التوصل إلى اتفاق بشأن لبنان، إلّا أن هذه العملية قد طمأنت “حزب الله”، وربما إلى حد كبير، حيث أوحت له أن منع الحرب هو الأولوية الوحيدة للمجتمع الدولي. ولذلك، قد يكون من المفيد زعزعة هذه الطمأنينة بعض الشيء من خلال الإشارة إلى أن إسرائيل ستحصل على دعم أمريكي كامل إذا فشلت الدبلوماسية، ولو كان النزاع الناتج عن ذلك غير مرغوب به. وإذا ثبتت صحة هذه التحذيرات، فقد يعتبر “حزب الله” أن الخطر كبير للغاية وبالتالي يخفف من تصعيده قصير الأجل وفقاً لذلك. وفي الواقع، يسري القول المأثور الروماني القديم في هذه الحالة أيضاً: إذا أرادت إدارة بايدن السلام، فعليها الاستعداد للحرب.
حنين غدار هي زميلة أقدم في برنامج الزمالة “فريدمان” في “برنامج «ليندا وتوني روبين» حول السياسة العربية” في معهد واشنطن، حيث تركز في عملها على السياسة الشيعية في مختلف أنحاء منطقة المشرق.