ففي كانون الثاني/يناير، افتتح مودي المعبد الجديد الذي أقيم على أنقاض مسجد بابري في أيوديا. وقد حوّل مودي المعبد الجديد إلى عنصر أساسي في حملته الانتخابية، فيما يحاول أنصاره عمل نفس الشيء في فراناسي.
وأشار إلى أن مودي زَعَمَ، منذ صعوده السريع إلى السلطة، أن الإله “ماغانجا”، إله الأنهار، استدعاه لكي يمثل فراناسي، المدينة الأقدس لدى الهندوس في البرلمان.
وفي يوم الثلاثاء، رشّ على نفسه الماء المقدسة من نهر الغانج، قبل أن يتقدم بالأوراق الرسمية للترشح كنائب في البرلمان عن مدينة فراناسي، حيث وقت ترشيحه بتكهنات من المنجمين والكتب المقدسة لتعظيم أهمية المناسبة.
وصلّى مودي، الذي يعتبره أنصارُه أعظم رئيس وزراء يمرّ على الهند، ويصفه نقاده بالديماغوغي والطائفي، الليلة التي سبقت تقديمه طلب الترشيح، في أهم معبد بالمدينة، بعدما تلقاه بحر من أنصاره الذين ارتدوا زيّاً بلون الزعفران ورشّوه ببتيلات الورد وعزف الأبواق وصوت الطبول النشاز.
وتقول الصحيفة إن الهدف من هذه الأفعال الرمزية لحملته هو إرسال رسالة أبعد من دائرته الانتخابية، حيث يبدو انتصاره مؤكداً في آخر يوم من الاقتراع في 1 حزيران/يونيو.
ومع تجاوز الانتخابات مرحلة النصف في فترة تصويت على مدى 44 يوماً، هناك حس بالعصبية داخل حزبه بهارتيا جاناتا بأنهم لن يحصلوا على فوز ساحق طالما توقعوه.
وكان مركز الاستعراض الانتخابي على مدى يومين في فراناسي، مسيرة شوارع تدفق إليها الحشود والأنصار الذين يرتدون قبعة مودي، ويلّوحون بعلم بهارتيا جاناتا، وكلّها مزينة بلون الزعفران، شعار القوميين الهندوس، ولم تمنعهم الشمس الحارقة التي وصلت إلى 40 درجة مئوية. واتخذ العرض مسيرته طريق الحج الذي يسلكه الحجاج الهندوس عبر العصور، وانتهى في معبد كاشي فيشنواث المكرس للرب شيفا، أقوى الآلهة في الدين الهندوسي، إله الخلق وقاتل الشياطين.
وفي طريقه إلى فيشنواث، مرَّ رئيس الوزراء بأسلاك حديدية عالية تفصل المجمع الهندوسي عن قباب ومنارات مسجد غيانفابي، الذي يعود إلى القرن السابع عشر.
وقد تحول المسجد إلى ساحة معركة قضائية بين الهندوس الذين يشكلون غالبية سكان الهند ، 1.4 مليار نسمة، والمسلمين، الذين يمثلون نسبة 14%.
ويطالب الهندوس بهدم المسجد، ويزعمون أن إمبراطوراً مغولياً مسلماً بناه على أنقاض معبد هندوسي. وتعكس الدعوى القضائية الأحداث التي جرت على بعد 130 ميلاً في أيوديا، حيث افتتح مودي معبد رام، الذي أقيم على أنقاض مسجد مزّقه المتطرفون الهندوس في عام 1992.
وقد استخدم مودي أيوديا في حملته الانتخابية، حيث أشار للمسلمين بأنهم “متسلّلون” في رسالته الإحيائية للقومية الهندوسية.
وفي الطريق إلى فراناسي، أكد عددٌ من أنصاره ثقتهم بأن المحاكم ستحقق ما حققه الرعاع قبل ثلاثة عقود. وبعد ثلاثة أيام من افتتاح معبد أيوديا، سمح قاضٍ للهندوس بالصلاة في قبو مسجد غيانفابي الأرضي.
وقال فيفك، البائع المتجول الشاب الذي يبيع أيقونات هندوسية: “لا شك، سيتم تدمير المسجد بقرار من المحكمة واستبداله بمعبد”. وأضاف: “هو موقع قديم لمعبدنا، كانت فراناسي تعجّ بالحياة بعد افتتاح معبد الرب رام، وقد جاء دورُنا الآن”.
وقال المحامي سانجيف شوساري إن هدم المسجد “مطلبٌ عام”، و”مودي هو أعظم رئيس وزراء للهند، ونحن أمة هندوسية، وجَعَلَنا فخورين بأننا هندوس”.
ورحّب مودي باستقباله في المدينة التي يطلق عليها كاشي، وهو اسمها القديم وأصبح متداولاً بين القوميين الهندوس لأنه يعيد الأيام قبل المغول والبريطانيين.
ويعتبر الحج إلى فراناسي حلم المؤمنين الهندوس، حيث يعني الاستحمام في مياه النهر تطهيراً من الذنوب والموت فيها تحرراً من دورة الولادة الجديدة أو موكشا. وتشهد المحارق الجنائزية “غاتس” أو الدرجات الحجرية المصطفة على ضفاف النهر على اسم المدينة بأنها “مدينة الموتى”.
وتعود الحياة في الليل إلى الدرجات، حيث يصطف الناس لحضور طقس أرتي، والذي يقدس النهر عندما يلوح الكهنة بالنار، ويطلقون الأناشيد الدينية، ويدقون الطبول ويقرعون الأجراس. وهي تذكير بأن المدينة، كما قال الكاتب الأمريكي مارك توين في 1896، بأنها “أقدم من التاريخ، وأقدم من التقاليد، وأقدم حتى من الأسطورة”، وهي تعبيرات استخدمها مودي في حملته الانتخابية السابقة.
وعلى خلفية هذا التاريخ، تدور المعركة على المسجد، حيث يقول سيد محمد ياسين، الأمين العام لمسجد جيانفابي، بأنه يقاتل على 30 جبهة في المحاكم المحلية إلى المحكمة العليا في نيودلهي.
وهناك حالات أخرى في شمال الهند لهدم مساجد مغولية يزعم أنها بنيت على معابد قديمة، رغم القانون الذي يحمي أماكن العبادة التي كانت موجودة قبل الاستقلال عام 1947.
وقال ياسين: “يريدون السيطرة على المسجد، ويستخدمون المحاكم لعمل هذا”، و”كمسلمين نتلقى أحكاماً غير عدالة وديني في هذا البلد يتحطم”، وأضاف أن “مودي هو من وضع الأجندة ضد المسلمين، ومن هم في السلطة يعتقدون أن هذه هي الطريقة للبقاء في الحكم، ولكنهم يمزقون النسيج الاجتماعي لبلدنا، وأخشى أن يخرج الأمر يوماً عن السيطرة”.
وبعد افتتاح معبد أيوديا، سار الشبان الهندوس بدراجاتهم النارية وهم يهتفون أمام بيوت المسلمين في فراناسي: “دفعة أخيرة، حطّموا مسجد غيانفابي”.
وفي حفلة دينية، في نيسان/أبريل، حَمَلَ رجل دين سيفاً خارج المسجد وهتف: “كاشي هي التالية”.
وفي الوقت الحالي، يجب أن يمر المسلمون وسط إجراءات أمنية مشددة للصلاة في المسجد، وحوله مشاريع مودي، مثل ممر معبد كاشي فيشواناث، وهو ممر يسهل على الحجاج الهندوس الوصول من المعبد إلى نهر الغانج. وعندما افتتح، عام 2021، اعتبره مودي “بعثاً للحضارة الهندية المجيدة”.
وكان واضحاً في خلاف المعبد- المسجد رغبة مودي بتحويل الهند من دولة علمانية إلى هندوسية. وكان ممر كاشي دفعة للحكومة كي تروج للسياحة الدينية، التي جذبت أكثر من 70 مليون زائر، وبزيادة عشرة أضعاف عن 2019. وفي ولاية أوتار براديش الواسعة يعتبر الممر الأكثر زيارة، مع أن تاج محل في أغرا هو الأكثر جذباً للسياح الأجانب، لكنه لا يعتبر أولوية لحكومة بهارتيا جاناتا، لأنه معمار يذكر بأيام المغول.
وهناك في فراناسي من انتقد تدمير المواقع القديمة والبيوت والمعابد الهندوسية لفتح المجال أمام بناء الممر، والذي يبدو بشاشاته الإعلانية ومحلاته مثل مركز تسوّق لا روح فيه. لكن فترة مودي كنائب عن المدينة جلبت الكثير من المنافع للسكان، مثل تجديد المطار، وبناء الطرق، والمستشفيات، وتنظيف ماء النهر، إلى جانب أنه يمثل الإحياء الهندوسي. وهذه هي الصورة التي يروج لها الحزب الحاكم، حيث تهيمن صورة مودي على اليافطات المنتشرة في الشوارع السريعة، وأكياس تقديم المساعدات للفقراء.
انتهى
المصدر
الكاتب:Sabokrohh
الموقع : ar.shafaqna.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2024-05-16 08:33:10
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي