ٍَالرئيسيةمقالات

يمكننا مواجهة الضرر العسكري، لكن المشكلة تكمن في أن الرياح مؤاتية للسنوار، وفي خطورة الحظر العالمي

يمكننا مواجهة الضرر العسكري، لكن المشكلة تكمن في أن الرياح مؤاتية للسنوار، وفي خطورة الحظر العالمي
تاريخ المقال
9 مايو 2024

إسرائيل والأراضي المحتلة سنة 1967

المصدر
يديعوت أحرونوت
المؤلف
رون بن يشاي
لم تُفاجأ القدس بالتهديد الذي أطلقه الرئيس الأميركي جو بايدن الليلة (ليلة الأربعاء – الخميس) بتأجيل إرسال شحنات الأسلحة الأميركية إلى إسرائيل، في حال شنّت هذه الأخيرة عملية واسعة النطاق في رفح. فالمحادثات في هذا الشأن، طوال الأسابيع الأخيرة، لم تكن سوى حوار طرشان، عندما حاولت إسرائيل، من دون جدوى، أن تعرض على مسؤولي الإدارة الأميركية خطط عمل مختلفة، يكمن في صلبها الجهد الهادف إلى تلافي أذية نحو مليون مهجّر ولاجئ فلسطيني نزحوا إلى المدينة. لقد تجلى هذا الأمر أيضاً خلال اليوم الماضي، عندما امتنع الجيش من شنّ عملية واسعة النطاق للسيطرة على منطقة رفح بكاملها، بل قام، بدلاً من ذلك، بنشاط مكثف بعيداً عن المدينة، في منطقة الممر الواقع جنوبي مدينة غزة.
يتمثل الهدف الآن في تجنُّب أذية المدنيين، وفي الوقت نفسه، مواصلة ممارسة الضغط العسكري على “حماس” من أجل الدفع قدماً بالمفاوضات وصفقة التبادل. وفي إطار الجهود المبذولة لإقناع الإدارة الأميركية بأنه في الإمكان تجنُّب وقوع كارثة إنسانية في حال شنّ هجوم شديد على رفح، عززت إسرائيل إدخال شحنات الإغاثة إلى القطاع، ولهذا الغرض، قامت بفتح معبرَي إيرز وكرم أبو سالم، وساعدت الولايات المتحدة في إنشاء ما يشبه ميناءً إنسانياً. وفي أي حال، تم تصميم المخطط العسكري للعمل في رفح على مراحل، بحيث تشمل كل مرحلة عملية إجلاء للسكان المدنيين، وخصوصاً من شمالي مدينة رفح، إلى مناطق لجوء جديدة في منطقة خان يونس، وشمالي منطقة المواصي، التي أصبحت مأوى للاجئين منذ الآن.
إن أحد أسباب توقُّف الفرقة 98 عن العمل في خان يونس طوال الشهر الماضي تمثل في إتاحة المجال أمام المهجرين للانتقال من رفح، مسافة قصيرة، نحو الشمال والشمال الشرقي، في اتجاه المناطق المفتوحة التي تم إخلاؤها، وهذا ما جرى فعلاً. كما أن إسرائيل جنّدت كلاً من مصر والإمارات لإنشاء مخيمات لجوء جديدة للمهجرين، كما جنّدت منظمات الإغاثة الدولية لتوفير الماء والمستشفيات الميدانية والحاجات الأساسية الأُخرى لتلك المخيمات. لكن، بحسب قول مصدر أمني مطّلع، بسخرية مُرّة، في أثناء لقاء مغلق: “يريد الأميركيون منا أن ننشئ معسكرات إقامة مثالية، وأن نضع لكل لاجئ أيضاً حبة شوكولا على وسادته”.
عرض كلٌّ من عضو مجلس “الكابينيت” رون ديرمر، ورئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي، معاً مع منسق أعمال الحكومة في المناطق غسان عليان وآخرين، هذه المخططات في محادثات عبر تقنية زوم، وخلال زيارات قاموا بها إلى واشنطن، لكن الأميركيين رفضوا جميع هذه المخططات، باعتبارها غير قابلة للتطبيق. في تلك الأثناء، تضخمت مفاعيل النشاط العسكري في رفح، وتحول الأمر إلى موضوع مبدئي يثير معارضة، ليس فقط لدى الإدارة والتقدميين في الولايات المتحدة، بل أيضاً في أوساط الزعماء والرأي العام في أوروبا، والدول العربية، والأمم المتحدة (صرّح أمينها العام بأن الأمر سيشكل “كارثة”). إن الإعلانات العاجلة الصادرة عن نتنياهو بشأن دخول إسرائيل إلى رفح، على الرغم من المعارضة الدولية، ساهمت إلى حد كبير في تحوُّل معارضة دخول رفح إلى موضوع خلافي أساسي بين إسرائيل والدول الديمقراطية الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
أمّا البنتاغون بالذات، فقد كان متفهماً لحاجة الجيش إلى العمل في رفح من أجل تقويض قوة “حماس” والجهاد الإسلامي نهائياً، والقضاء على منصات إطلاق الصواريخ المتبقية هناك. فضلاً عن الحاجة الاستراتيجية المتمثلة في وقف تهريب السلاح والمال إلى حركة “حماس”، عبر معبر رفح ومحور فيلادلفي. لكن وزارة الخارجية الأميركية، وخصوصاً الوزير بلينكن ومستشار الأمن القومي ساليفان، من المعارضين لذلك بشكل حازم.
أدى هذا كله إلى اقتراب تنفيذ التهديد الذي نقلته إدارة بايدن إلى إسرائيل في محادثات خلف الكواليس، وتحوُّله من مجرد تلميح إلى واقع.
نهج الإسراف الباذخ في الجيش الإسرائيلي

من المهم الإشارة هنا إلى أن الحديث لا يدور حول حظر شامل للأسلحة على إسرائيل، بل هو إعلان لوقف الإمداد بالذخائر الجوية المتمثلة في الصواريخ الدقيقة الإصابة، من زنة طن وربع طن، وحتى هذا الحظر، فإنه سيُنفّذ فقط في حال توسيع النشاط في رفح إلى ما يتعدى محور فيلادلفي (لا خلاف بشأن النشاط في المحور مع الولايات المتحدة التي تتفق مع إسرائيل على ضرورة العمل هناك من أجل قطع إمدادات السلاح والمال عن “حماس”، وإنهاء قدرتها على إجلاء جرحاها وقادتها الكبار إذا ما استدعت الحاجة، إلى خارج القطاع).
أمّا إذا تجاهلت إسرائيل التهديد المذكور، ووسّعت نطاق العملية، فمن المحتمل أن يؤدي ذلك، على ما يبدو، إلى حظر لا يقتصر على أنواع محددة من القذائف، بل على جميع الذخائر الجوية، وهي ذخائر تحتاجها إسرائيل، وتُعد الولايات المتحدة مصدرها الوحيد. مثلاً، هناك صواريخ Hellfire التي تُطلق من المروحيات بوتائر عالية، وتمثل سلاحاً دقيق الإصابة، يتيح القضاء على “مخربين” يتمركزون في الطبقات العليا من المباني، بدقة شديدة، قبل أن يتمكن هؤلاء من ضرب مقاتلي الجيش الإسرائيلي بمضادات الدروع والذخائر الأُخرى.
في المرحلة الراهنة، في إمكان إسرائيل التعايش مع التبعات العسكرية للحظر الأميركي على الأسلحة الهجومية. أسباب ذلك؛ أولاً، مخازن الجيش لا تزال مليئة بسبب الإمدادات الشاملة التي وصلت طوال الأشهر الماضية. وحتى لو تم شن حرب واسعة النطاق على الحدود اللبنانية، فإن الجيش الإسرائيلي سيكون قادراً على أداء مهماته النارية من الجو والبر. لكنه سيضطر إلى اعتماد سياسة تقنين للذخيرة.
يستخدم الجيش الإسرائيلي الأسلحة الدقيقة الإصابة بصورة مبالَغ فيها، بل مسرفة، من أجل الحفاظ على أمن المقاتلين، والحيلولة، بقدر الإمكان، دون وقوع اشتباكات مع “المخربين” وجهاً لوجه. الشاهد على ذلك يتمثل في العدد المنخفض نسبياً للخسائر الإسرائيلية، نظراً إلى شدة القتال. فإذا توقف إمداد قنابل JDAM، فلن يكون في إمكان الجيش إلقاء قنبلة دقيقة الإصابة يبلغ وزنها طناً على مبنى تمكنت الاستخبارات من كشف وجود “المخربين” فيه، بل سيضطر إلى الاكتفاء باستخدام النيران الأرضية والذخائر الأُخرى الأقل دقة. وفي موازاة ذلك، سيتم الاعتماد أكثر على المسيّرات التابعة لسلاح الجو، فصواريخ هذه المسيّرات توفرها الصناعات الأمنية الإسرائيلية.
إن تقنين استخدام الذخائر الذي سيتعين على الجيش الإسرائيلي تبنّيه منذ الآن، وخصوصاً خلال الغارات الموضعية على المواقع التي تشير إليها الاستخبارات، سيؤدي إلى عدد أكبر من الضحايا، ليس فقط في صفوف مقاتلي “حماس”، بل أيضاً في صفوف المدنيين الفلسطينيين. وللمفارقة، فإن الأميركيين، من خلال حظرهم الأسلحة الدقيقة، يزيدون في الخطر والضرر الجانبي اللاحق بالمدنيين. هكذا تحقق الولايات المتحدة هدفاً معاكساً لما أرادته، إذ سيكون الجيش أقل حذراً ودقة بكثير، وسيضطر إلى استخدام مخزون هائل من القنابل والصواريخ “غير الذكية” الموجودة في مخازنه. ولن يكون في إمكان المروحيات القتالية العمل بصورة دقيقة من دون تزويدها بصواريخ Hellfire.
إنه التاريخ أيها السادة

لكن، وكما أسلفنا، وبغض النظر عن تقنين استخدام الذخائر وتغيير طرق العمل ضد “المخربين” الذين يتم كشف مواقعهم استخباراتياً، لن يكون هناك آثار عملية فورية ودراماتيكية في نشاط الجيش، نتيجة خطاب بايدن الليلة. لقد خبِرنا مثل هذه الحالات في الماضي. ففي حرب “الاستقلال” [1948] انصاعت الولايات المتحدة لقرار حظر السلاح الذي فرضته الأمم المتحدة على إسرائيل التي كانت تقاتل دفاعاً عن حياتها، ولم تبدأ بتوفير السلاح بكميات كافية لها إلا بعد حرب الأيام الستة. ومنذ ذلك الحين، كان هناك حالتان إضافيتان قام خلالهما رئيسان أميركيان بوقف شحن السلاح إلى إسرائيل: حظر يشمل المقاتلات الجوية (في عهد جيمي كارتر بسبب سياسات الاستيطان، وفي عهد رونالد ريغان خلال حرب لبنان الأولى).
الفرق الآن، أن الرأي العام في الولايات المتحدة، آنذاك، وخصوصاً رأي المشرّعين الأميركيين من كلا الحزبين، عارض حظر السلاح، وكان الدعم الموجّه إلى إسرائيل غزيراً وثابتاً. لكن الوضع مختلف اليوم. فحظر توريد السلاح إلى إسرائيل اليوم، حتى لو كان جزئياً، أو تم استخدامه كمجرد تلميح من أجل تجنّب توسيع نطاق العمل العسكري الإسرائيلي في رفح، يشكل رسالة إلى العالم، وخصوصاً بريطانيا وغيرها من الدول الأوروبية، بضرورة منع توريد السلاح وقطع الغيار إلى إسرائيل. ينطوي الأمر على خطر في المدى البعيد، في ظل علمنا بأن مواجهتنا الكبرى مع إيران لا تزال مصلتة فوق رؤوسنا، ويمكن أن تحدث في وقت أبكر بكثير مما تقدّره المنظومة الأمنية الإسرائيلية.
لكن الخطر الرئيسي والفوري المترتب على إعلان بايدن، يتمثل في تطويع الريح لتلائم “حماس”. فرئيس الولايات المتحدة ضرب فرص التوصل إلى صفقة لإطلاق سراح المختطفين وإنهاء الحرب، من خلال تشجيعه المعنوي والعملي ليحيى السنوار، عبر وقف شحن الأسلحة. يبدو أن زعيم “حماس” في القطاع يدرك أن كل ما عليه فعله هو كسب مزيد من الوقت، إذ ستتيح له الإدارة الأميركية، بدعم من الرأي العام العالمي، إنهاء الحرب، وهو لا يزال مسيطراً على غزة، الأمر الذي يجبر إسرائيل على الرضوخ لجميع مطالبه… فيما يتعلق بالمختطفين.
ما يقوم به بايدن، هو أنه يطلق النار على أقدامنا وعلى قدميه، لأن سلوكه حيال رفح يتناقض مع هدف تقويض “حماس” كقوة عسكرية وسلطة مدنية في غزة. هذا الهدف مشترك بين الولايات المتحدة وإسرائيل، كما أعلن بايدن نفسه في بداية الحرب. والآن، يجعل تحقيقه بعيداً عن متناول إسرائيل، كما أنه يعرقل احتمالات إطلاق سراح المختطفين.
بايدن لا يقوم بذلك، حاشا لله، لأنه يكره إسرائيل. فهو رئيس صهيوني بكل المعايير، لكنه واقع تحت ضغوط هائلة من التيار التقدمي في الحزب الديمقراطي، في ظل تصاعُد تظاهرات الطلاب في الجامعات الأميركية، فضلاً عن أنه يواجه الآن، في السنة الانتخابية، شعبية ترامب المتصاعدة. إن بايدن والتقدميين في إدارته، يصدّرون مشاكلهم السياسية الداخلية إلى الشرق الأوسط، وبهذا، هم يضرّون بصدقيتهم لدى دول الإقليم.
في هذه الأثناء، يمكن للجيش التعامل مع حظر جزئي للسلاح، ما دام يتلقى مساعدات ضخمة في مجال صواريخ الدفاع الجوي وغيرها من الوسائل الدفاعية، بما يشمل الدور الأميركي في الحؤول دون تنفيذ هجوم على إسرائيل. من ناحية سياسية أيضاً، يمكننا أن نرى علامات الصحوة في الولايات المتحدة، حيث يهاجم المشرّعون في مجلسَي النواب والشيوخ، وهم في معظمهم من الجمهوريين، الرئيس وإدارته، بادّعاء أنهما يتركان إسرائيل لمصيرها. هذا أمر يتعين على بايدن أن يأخذه في الحسبان أيضاً، ضمن حسابات معركته الانتخابية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى