العائدون الأمريكيون من سوريا يكشفون الكثير عن تحدي الإعادة إلى الوطن
بواسطة ديفورا مارغولين
9 أيار/مايو 2024
متوفر أيضًا باللغات:
عن المؤلفين
Devorah Margolin
ديفورا مارغولين
الدكتورة ديفورا مارغولين هي زميلة أقدم في برنامج الزمالة “بلومنشتاين-روزنبلوم” في معهد واشنطن، وأستاذة مساعدة في “جامعة جورج تاون”.
تحليل موجز
تُعد العملية الأمريكية الأخيرة لإعادة المحتجزين إلى الوطن نموذجاً مهماً يمكن أن يتبعه المجتمع الدولي، ولكن لا يزال هناك الكثير من الجهود التي يتعين بذلها لحل معضلة المعتقلين المحفوفة بالمخاطر قبل أن يتدهور الوضع في شمال شرق سوريا بشكل أكبر.
في 7 أيار/مايو، أعادت الولايات المتحدة أحد عشر مواطناً أمريكياً وشخصاً غير مواطن من شمال شرق سوريا، وهي أكبر عملية إعادة إلى الوطن لأفراد مرتبطين بتنظيم “الدولة الإسلامية” حتى الآن. وقد ضمّت المجموعة براندي سلمان وأطفالها التسعة المولودين في الولايات المتحدة (خمسة منهم أصبحوا الآن بالغين)، بالإضافة إلى طفلين قاصرين لعبد الحميد المديوم، الذي أعيد إلى وطنه في عام 2020 وأقر بذنبه في دعم الإرهاب بعد عام. وتجدر الإشارة إلى أن أحد طفلَيْ المديوم هو مواطن أمريكي، في حين أن الآخر ليس كذلك. وبعد هذه الخطوة، أصبح العدد الإجمالي للأمريكيين الذين أعيدوا إلى وطنهم واحداً وخمسين.
في الفترة بين عامَيْ 2013 و2019، انضم نحو 300 أمريكي أو حاولوا الانضمام إلى تنظيم “الدولة الإسلامية” والجماعات الجهادية الأخرى في سوريا والعراق – وهم جزءٌ من موجة تشمل أكثر من 53,000 رجل وإمرأة وقاصر من حوالي ثمانين دولة قاموا بالأمر نفسه. ومنذ سقوط “الخلافة” الإقليمية لتنظيم “الدولة الإسلامية” في آذار/مارس 2019، قادت الإدارات الأمريكية المتعاقبة جهود تشجيع هذه الدول على إعادة مواطنيها. وعلى الرغم من ضآلة عدد الأشخاص الذين شملتهم عملية الإعادة إلى الوطن هذا الأسبوع، إلا أن حالاتهم تُشكل سابقة قوية وتوضح الحاجة الملحة لتسريع وتيرة الجهود – في حين أنها تُظهِر أيضاً سبب كَوْن هذه العملية تحدياً.
مخاطر الاحتجاز لأجل غير مسمى
تظل “قوات سوريا الديمقراطية” – وهي الذراع العسكري التابع لـ”الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا” (المعروفة سابقاً بـ”الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”) – الشريكة الرئيسية للتحالف العالمي المعني بمحاربة عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية” في تلك المنطقة. وبالإضافة إلى العمليات القتالية وعمليات مكافحة الإرهاب الجارية، تدير “قوات سوريا الديمقراطية” مع شركائها مرافق تحتجز أفراداً ينتمون إلى تنظيم “الدولة الإسلامية” من العراق وسوريا ونحو ستين دولة أخرى (يُعرف مواطنوها باسم رعايا الدول الثالثة). ففي عام 2019، احتُجِز 83,000 شخص تقريباً في السجون ومعسكرات الاعتقال في شمال شرق سوريا. وبعد مرور خمس سنوات، لا يزال هناك حوالي 54,600 فرد (من بينهم ما يقرب من 10,850 مواطناً من رعايا الدول الثالثة) موجودين في أكثر من عشرين سجناً، ومعسكرين رئيسيين للاعتقال (هما “الهول” و”الروج”)، ومركزين لـ”إعادة التأهيل” الفتيان المراهقين (هما “الهوري” و”أوركيش”).
وأصبحت تداعيات هذا الوضع مثيرة للقلق بشكلٍ متزايد. فقد أدت الزيادة السكانية المفاجئة وممارسات الاحتجاز إلى أجلٍ غير مسمى في مخيم “الهول” إلى إنشاء ظروف إنسانية مزرية ومخاوف أمنية لسكان المخيم. وتُعتَبَر الظروف في مخيم “الروج” الأصغر حجماً “أفضل إلى حدٍ ما”، لكن إمكانية الوصول إلى الرعاية الصحية والمياه والتعليم لا تزال محدودة فيه. كما حذّر التحالف من أن المشاكل في كلا المخيمين تجعل السكان الأصغر سناً عرضةً لتلقين تنظيم “الدولة الإسلامية”. وفي أماكن أخرى، يُحتجَز الرجال والفتيان المراهقون المنتمون إلى تنظيم “الدولة الإسلامية” في أكثر من عشرين سجناً محفوفاً بالمخاوف الإنسانية والصحية. وقد أدت ردود الفعل الدولية العنيفة في النهاية والمتعلقة باحتجاز القاصرين في هذه المرافق إلى إنشاء المزيد من مراكز “إعادة التأهيل” للفتيان المراهقين المنتمين إلى تنظيم “الدولة الإسلامية”، لكن بعض هؤلاء الفتيان ما زالوا في السجون إلى جانب الرجال البالغين.
الاحتجاز من قِبَل جهة غير حكومية: التعقيدات القانونية
حصلت “الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا” على استقلال ذاتي فعلي في عام 2012 خلال الحرب الأهلية في سوريا، لكن صفتها غير الحكومية تُعقّد وضع الاحتجاز والإعادة إلى الوطن. فعلى سبيل المثال، ترى تركيا المتحالفة مع “الناتو” أن القوات المسلحة الخاصة بـ”الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا”، أي “قوات سوريا الديمقراطية”، هي كيان معادٍ مرتبط بـ”حزب العمال الكردستاني” الذي تُصنّفه الولايات المتحدة على قائمة الإرهاب. وترفض أنقرة العمل مع “قوات سوريا الديمقراطية” في القضايا الأمنية والإنسانية، وتشن هجمات دورية على الجماعة. بالإضافة إلى ذلك، ليس لدى “الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا” أي أسس قانونية لإبعاد الأشخاص قسراً من الأراضي التي تطالب بها، أو محاكمة غير السوريين على الجرائم المرتكبة في ظل سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية”، على الرغم من تهديدها المتكرر بالقيام بذلك. كما أن صفتها غير الحكومية ومعسكرات الاعتقال المغلقة تمنع الهيئات الدولية مثل “الأمم المتحدة” من العمل في هذه المرافق، مما يحدّ من مصادر المساعدات.
ومما زاد من تفاقم هذه المشاكل هو أن علاقة واشنطن بـ”قوات سوريا الديمقراطية” تبدو فاترة في الآونة الأخيرة، إذ تم توجيه انتقادات مشروعة طالت استخدام تلك الجماعة للأموال وقدرتها على حراسة مرافق الاحتجاز. كما اتُهمت “قوات سوريا الديمقراطية” بفصل العائلات، وإنشاء أوضاع معيشية غير إنسانية، وتعذيب بعض المعتقلين. إلا أن الجماعة أنكرت أسوأ هذه الاتهامات وردّت على الانتقادات، مشيرةً إلى أنها تتعامل منذ عدة سنوات مع وضعٍ لا يُحتمَل لأن الدول ترفض إعادة مواطنيها.
الفصل والمواطنة والتعقيدات الأخرى
عندما ألقت “قوات سوريا الديمقراطية” القبض على آلاف الأفراد في قرية الباغوز السورية في آذار/مارس 2019، من بينهم العائلتان اللتان أعيدتا إلى وطنهما هذا الأسبوع، نفّذت سياسة أدت إلى تقسيم العائلات. فقد أرسلت الرجال البالغين والفتيان المراهقين – من بينهم عبد الحميد المديوم وأحد الأبناء المراهقين لبراندي سلمان – إلى سجون مختلفة، بينما تم إرسال النساء ومعظم القاصرين الآخرين – من بينهم سلمان والأفراد المتبقين من عائلتها – إلى مخيّمَيْ “الهول” و”الروج”. ودفعت بعض الظروف إلى اعتماد خيارات أخرى؛ على سبيل المثال، تم نقل طفلين قاصرين من أولاد المديوم إلى دارٍ للأيتام.
وأدى تَعَدُّد المرافق والعدد الهائل من الأشخاص المحتجزين هناك إلى تصعيب مهمة تَعَقُّب الأفراد المعتقلين على مر السنين، من بينهم المواطنون الأمريكيون. وقد عثرت واشنطن على عائلة سلمان بعد أن أُخِذ أحد أبنائها من مخيم “الهول” ووُضِع في مركز “الهوري” المخصص لـ”إعادة التأهيل” في عام 2020 – ويستند ذلك جزئياً إلى سياسة تزعم “الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا” أنها تنفّذها لأسباب أمنية، وأيضاً بسبب التقارير التي تفيد بأن الفتيان المراهقين يتعرضون للاستغلال الجنسي في مخيم “الهول”. وكما أشير سابقاً، اعتادت “قوات سوريا الديمقراطية” على نقل هؤلاء الفتيان إلى السجون مع الرجال البالغين، لكن ردود الفعل المعارضة لهذه الممارسة دفعتها إلى البدء بوضع هؤلاء الفتيان في مراكز “إعادة التأهيل”.
بالإضافة إلى ذلك، يسلّط وضع المديوم الضوء على التعقيدات التي تطرحها قضايا المواطنة. فهو مواطن أمريكي متجنس، وقد انضم إلى تنظيم “الدولة الإسلامية” أولاً في العراق ثم في سوريا، ثم تزوج لاحقاً من مواطِنة غير أمريكية لديها طفل من زواج سابق. وبعد ذلك، أنجبا طفلاً لهما، لكن الأم قُتلت في النهاية أثناء الحرب. وأدت هذه الممارسة الشائعة إلى قيام وضعٍ يحمل فيه العديد من الأطفال المحتجزين جنسيات معقدة، أو تتم تربيتهم على يد ولي أمر قد لا يحمل نفس جنسيتهم. وفي حالة المديوم، فإن ابن زوجته البالغ من العمر تسع سنوات ليس مواطناً أمريكياً، في حين أن ابنه البيولوجي البالغ من العمر سبع سنوات هو مواطن أمريكي. وقد أعادت الولايات المتحدة كلا الصبيين إلى الوطن بموجب “إفراج مشروط ذو منفعة عامة كبيرة”، والذي يسمح بإعادة الأشخاص “لأسباب إنسانية ملحة أو لمنفعة عامة كبيرة”.
التداعيات السياسية
منذ عام 2019، تم إعادة حوالي 3,570 مواطناً من رعايا الدول الثالثة أو إعادتهم إلى وطنهم من سوريا والعراق، لكن العملية لا تزال بطيئة للغاية ولا تراعي النوع الاجتماعي بشكل مناسب، حيث تُشكل فئتا النساء والقاصرين الغالبية العظمى من عمليات الإعادة إلى الوطن. من الضروري على الولايات المتحدة وشركائها أن يعملوا على تسريع وتيرة عمليات الإعادة الشاملة إلى الوطن، وإدراج المزيد من الرجال فيها. وقد أخذت واشنطن زمام المبادرة في هذا الصدد، إذ أحضرت عدة رجال لمحاكمتهم في الولايات المتحدة، وحتى مواطنين غير أمريكيين في بعض الحالات. وفي المرحلة التالية، من الضروري زيادة التمويل والاهتمام والتنسيق الأمريكي لإنجاح عملية الإعادة إلى الوطن. فالاعتقال بدلاً من ذلك إلى أجلٍ غير مسمى هو أمر غير إنساني ويشكل خطراً أمنياً.
علاوةً على ذلك، فإن العودة إلى الوطن ليست سوى خطوة أولى ضمن عملية طويلة من المساءلة وإعادة الإدماج. فقد تمت محاكمة غالبية البالغين الذين أعادتهم الولايات المتحدة إلى وطنهم بتهمة تورطهم مع تنظيم “الدولة الإسلامية”. ولم يتم حتى الآن توجيه التهم إلا إلى واحدة فقط من العائدين هذا الأسبوع، وهي حليمة سلمان ابنة براندي التي تبلغ من العمر 25 عاماً، والتي سافرت إلى أراضي تنظيم “الدولة الإسلامية” في السابعة عشرة من عمرها، واتُهِمت بتلقي التدريب على يد “كتيبة نسيبة” التابعة لتنظيم “الدولة الإسلامية” بعد أن بلغت الثامنة عشرة من عمرها. وعلى الرغم من أن العديد من الأمريكيين سافروا إلى أراضي تنظيم “الدولة الإسلامية” كقاصرين ثم عادوا كبالغين – من بينهم بعض أطفال سلمان التسعة – إلا أن حليمة ليست سوى ثاني شخص منهم متهم بارتكاب جرائم عندما أصبح بالغاً، وثالث امرأة أمريكية تواجه اتهاماتٍ عند إعادتها إلى الوطن. (كما أن والدتها قد تواجه في النهاية المحاكمة أيضاً، حيث تنتظر السلطات الأمريكية أحياناً قبل توجيه مثل هذه الاتهامات). ويُعَدّ نهج واشنطن الذي يركز على المساءلة نموذجاً مرحباً به، لكن يتعين على المسؤولين بذل المزيد من الجهود في هذا الصدد لكسب ثقة الناس، ومنع تسييس القضية، وتسهيل عملية إعادة الإدماج للبالغين.
وبالنسبة للقاصرين، ركزت الحكومة الأمريكية على إعادة التوطين وإعادة الإدماج. وعند تعليق المسؤول في “مكتب مكافحة الإرهاب” بوزارة الخارجيةالأمريكية إيان موس على عمليات الإعادة إلى الوطن التي تمت هذا الأسبوع، أشار إلى أن العائدين يتلقون مجموعة واسعة من الدعم، بما في ذلك من خلال “المتخصصين النفسيين والاجتماعيين والأخصائيين الاجتماعيين”. كما شدد على أهمية إعادة توطين عائلات بأكملها قائلاً: “إن ذلك يعني حتماً أن الدول ستحتاج إلى إعادة توطين الأفراد الذين ليسوا من مواطنيها – تماماً كما فعلت الولايات المتحدة”. وفي الواقع، لكي تنجح عملية إعادة الإدماج، يجب أن تتمحور حول الأُسَر، وأن تتبنى نهجاً قائماً على النوع الاجتماعي، وتوفر رعاية مستنيرة للصدمات. ومن أجل تشجيع المجتمع الدولي على أن يحذو حذو ما حدث هذا الأسبوع، يتعين على واشنطن زيادة شفافية برامج الإعادة إلى الوطن وإعادة الإدماج الخاصة بها من خلال نشر ما تنطوي عليه كل عملية.
ويتطلب تحقيق النجاح أيضاً التنسيق والتمويل عبر مستويات حكومية متعددة. ففي عام 2022، رعى السيناتوران ليندسي غراهام (جمهوري عن ولاية كارولينا الجنوبية) وجين شاهين (ديمقراطي عن ولاية نيو هامبشاير) مشروع قانون من الحزبين يدعو إلى تعيين “منسق كبير جديد لعملية الإعادة إلى الوطن”. لكن العملية المشتركة بين الوكالات ما زالت حالياً تحت قيادة “مكتب مكافحة الإرهاب” التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، الذي يعمل جنباً إلى جنب مع وزارة الدفاع (التي تدير عملية نقل الأفراد العائدين إلى الولايات المتحدة)، ووزارة العدل (التي تقود جهود المساءلة)، و”مكتب التحقيقات الفيدرالي”، و”إدارة الجمارك وحماية الحدود”، و”دائرة خدمات الجنسية والهجرة”، ووزارة الصحة والخدمات البشرية. وتتطلب هذه العملية المعقدة تنسيقاً هائلاً بين الوكالات وموارد هائلة حتى بالنسبة لمجرد عدد صغير من الأفراد العائدين إلى وطنهم.
وهذا الأسبوع أقرت واشنطن بأن نحو عشرين أمريكياً ما زالوا محتجزين في سوريا. وكما أشار موس: “كلما وجدنا أمريكيين، نعمل بأسرع ما يمكن لإخراجهم”، لكن التحديات لا تزال قائمة في كل مرحلة من مراحل العملية. وتُعتبَر الحالات السابقة في النظام الأمريكي حالات “سهلة” بشكل أساسي، لأن عمليات الإعادة إلى الوطن هذا الأسبوع عالجت تحدياتٍ أكثر صعوبة مثل توزّع العائلات على مرافق متعددة أو اختلاف الجنسيات التي تحملها. وربما ستكون الحالات المستقبلية أكثر تعقيداً، إذ قد تشمل عدم رغبة الأفراد في العودة إلى أمريكا أو في خضوعهم للمساءلة.
وفي ظل مواجهة هذه التحديات، تحتاج واشنطن أيضاً إلى إدارة علاقتها المعقدة مع “قوات سوريا الديمقراطية”. فمن جهة، يعني ذلك التنسيق مع تلك الجماعة لتسهيل عمليات الإعادة إلى الوطن، ودعم جهود “قوات سوريا الديمقراطية” الرامية إلى الحفاظ على مرافق الاعتقال في غضون ذلك. ومن جهة أخرى، لا يمكن تجاهل سياسات “قوات سوريا الديمقراطية” المثيرة للجدل والظروف الإنسانية الصعبة داخل مرافقها. يتعين على الولايات المتحدة أيضاً مساءلة هذه الجماعة عن معاملة الأفراد الخاضعين لرعايتها، مع حث الدول الأخرى في الوقت نفسه على تخفيف وطأة المشكلة من خلال تسريع جهود إعادة هؤلاء الأفراد إلى وطنهم.
ديفورا مارغولين هي هي “زميلة أقدم في زمالة بلومنشتاين-روزنبلوم” في معهد واشنطن.