ٍَالرئيسية

إبادة الكونغو تمول إبادة غزّة..ماذا تعرف عن تجارة الألماس الدموية في أفريقيا

شفقنا- كثّفت تل أبيب، خلال السنوات الأخيرة، نشاطها الاستخباراتي والديبلوماسي في غرب إفريقيا والساحل. ذلك لأهداف، أبرزها خدمة الأجندة الاستعمارية الفرنسية في المنطقة، وكبح تحرك شعوب تلك الدول نحو التحرر من مستعمرهم القديم وحلفائه.

وتكثف إسرائيل، منذ عقود، نهبها الموارد الطبيعية لجمهورية الكونغو الديمقراطية، خصوصاً الألماس الذي تجند استخباراتها، كما رجال أعمالها الفاسدين، من أجل سرقته وتهريبه، ومن مداخل بيعه نحو العالم تمول قمعها للشعب الفلسطيني وإبادتها لأهالي غزة.

التجارة غير المشروعة للكيان الإسرائيلي بالألماس الأفريقي كانت لافتة على الصعيد الدولي، إذ أطلقت عليها الأمم المتحدة اسم “تجارة الألماس الدموية”.

كان لا بد من أن يكون واقع أفريقيا مغايراً جذرياً عن واقعها الحالي، بسبب ما تمتلكه من موارد طبيعية وبشرية، تؤهل دولها لمكانة أعلى بين دول العالم. لكن القارة، التي تؤمّن أكثر من 65% من الإنتاج العالمي من الألماس، عانت تاريخياً، منذ أواخر القرن التاسع عشر، استعماراً غربياً، منعها من الاستثمار في ثرواتها. ولم تكتفِ القارة السمراء بالمعاناة من الغرب، بل على مدى عقود ماضية، وضمن مخطط ممنهج، تسلّل الكيان الإسرائيلي أيضاً إلى القارة، حاملاً استثماراً من نوع آخر.

أفريقيا: مصدر الألماس 

اكتُشفت “أكبر ألماسة على الإطلاق”، ووزنها 3106  قراريط، في “كولينان، شمالي جنوبي أفريقيا، عام 1905. وبعد اكتشافها صُنع من الحجر 9 ماسات، استُخدِمَت، للمفارقة، بعيداً عن ملوك القارة السمراء، بل زُيِّن بها التاج البريطاني! 

التقرير الصادر عن “عملية كيمبرلي”، وهي خطة دولية لإصدار شهادات الألماس الخام، بيّن أنّ بين أكبر 10 دول منتجة للألماس، 7 منها أفريقية، وهي: بوتسوانا، جنوب أفريقيا، أنغولا، جمهورية الكونغو الديمقراطية، ناميبيا، ليسوتو وتنزانيا. 

وتحتل بوتسوانا قمة دول أفريقيا فى إنتاج الألماس، بفضل جودة أحجارها. وتصنّف الثانية في العالم، إذ استُخرج منها 22.74 مليون قيراط في عام 2021، أي ما قارب 19.11% من السوق العالمية. 

وتأتي جمهورية الكونغو الديمقراطية رابع منتج عالمي بعد كندا، بإنتاج 13.01 مليون قيراط، أو 10.93% من الإنتاج العالمي. كما تختزن أكثر من 30% من احتياطي الألماس. أمّا جنوب أفريقيا، فتنتج مليون قيراط، أو 8.18% من السوق العالمية. 

التركيز الإسرائيلي على القارة الأفريقية 

إذا ما تم تجاوز فترة “المؤتمرات الصهيونية” لتأسيس كيان الإسرائيلي، في الفترة الممتدة من عام 1897 إلى 1972، وتحديداً المؤتمر السادس عام 1903، حين طُرح ما عرف بـ “مشروع أوغندا”، وهو مشروع احتلال البلاد وسط أفريقيا، واستيطان اليهود فيها، قبل فلسطين المحتلّة، فإنّ التركيز الإسرائيلي على أفريقيا بدأ في فترة الخمسينيات من القرن الماضي.

في تلك الحقبة، انعقد مؤتمر “بادندونغ”، أو “المؤتمر الآسيوي الأفريقي” لدول “عدم الإنحياز” (لا للشرق ولا للغرب خلال فترة الحرب الباردة). وشاركت فيه 29 دولة أفريقية، في العاصمة الإندونيسية جاكرتا، في نيسان/أبريل 1955، وانبثق منه بيان داعم للقضية الفلسطينية. 

منتصف الخمسينيات، وخلال الستينيات والسبعينيات، حصلت الدول الأفريقية على استقلالها من الاستعمار الأوروبي. لكنّ دول الاستعمار خلّفت سلطات “استقلال أفريقية”، بقيت تندرج تحت عباءة المستعمِرين أنفسهم، الأمر الذي سهّل الاختراق الإسرائيلي للقارة، وساعد على نسج العلاقات بها، وتعزيز النفوذ داخل الدولة العميقة لكل كيان فيها، على حدة. 

فتحت اتفاقية كامب ديفيد بين مصر والكيان الاسرائيلي عام 1979 أبواب أفريقيا أمام التغلغل الاسرائيلي فيها. وهذا ما فسّر إعادة العلاقات الدبلوماسية بين دول أفريقية كثيرة. وبعدها، أدّت الحروب الأهلية، التي نشبت في القارة الأفريقية في فترة التسعينيات، دوراً مهماً في تغلغل “الموساد” الإسرائيلي. وهذا ما حدث، على سبيل المثال لا الحصر، في الصومال عام 1991. وقتها، دخل الكيان الإسرائيلي القارة السمراء، تحت عناوين التنمية والمساعدة في عدد من المجالات، بالإضافة إلى مساعدات عسكرية وتدريب للجيوش الأفريقية.

بدأ الاهتمام الإسرائيلي بالقارة الأفريقية مع بداية تشكل الكيان، وتحول لاحقاً إلى تغلغل بعد اتفاقية “كامب ديفيد”،  ولعب ديفيد مورس، اليهودي الأسترالي، المقرب جداً إلى “الموساد”، دوراً كبيراً في هذا التغلغل، حيث أطلق نشاطه مع دخول القوات الدولية للصومال عام 1992، بحيث اندمج في الأوساط السياسية والاقتصادية تحت غطاء الأمم المتحدة. ومورس كان مفتاحاً لعناوين تشكّلت تباعاً على أرضية باتت ملائمة لرجال الأعمال اليهود، وهم يخطون من أجل السيطرة على مصادر الألماس، وغيره من الثروات الطبيعية.

إسرائيل تنهب موارد الكونغو

ليست علاقات تل أبيب بكينشاسا حديثة، بل تعود إلى عقود طويلة من الروابط الاقتصادية والعسكرية الأمنية بين دولة الاحتلال وقادة البلد الإفريقي. وحسب الإعلام الإسرائيلي نفسه، نفذت المخابرات الإسرائيلية عمليات تجسس لصالح أطراف حاكمة في الكونغو الديمقراطية، من بينها نظام الرئيس السابق جوزيف كابيلا.

ودأبت إسرائيل على جني أرباح هذه الخدمات الاستخباراتية بأذونات التعدين واستغلال موارد الكونغو الطبيعية، وعلى رأسها الألماس. وكان رجال الأعمال الفاسدون، من أمثال دان غيرتلر، هم الوجه التجاري والتنفيذي لنهب إسرائيل موارد الكونغو.

ويعد دان غيرتلر أبرز أقطاب تجارة الألماس في إسرائيل، فهو يستجلبه من الكونغو عبر عقد صفقات مشبوهة مع أطراف هناك. ونجح غيرتلر في الحفاظ على استمرار هذا النشاط منذ تسعينيات القرن الماضي، باستخدام شبكة علاقات معقّدة “أشبه بنظام سياسي موازٍ” داخل البلد الإفريقي، على حد وصف متابعين للقضية.

وجمع رجل الأعمال الإسرائيلي من صفقاته المشبوهة للألماس الكونغولي، ثروة تتخطى حاجز 1.5 مليار دولار. وفي عام 2017، فرضت الإدارة الأمريكية عقوبات اقتصادية على غيرتلر، نظراً لـ”صفقات التعدين الغامضة والفاسدة” التي جمع بها ثروته، وعادت لتطبق عقوبات أخرى في عام 2021، بموجب قانون “مانيتسكي” الذي يُعاقَب به الفاعلون الاقتصاديون الأجانب الفاسدون.

ومقابل ذلك، أسهم غيرتلر في تغذية الاقتتال في الكونغو بالأسلحة الفتاكة، وهو ما يؤكده المحلل السياسي الكونغولي كامبالي موسوفالي، بالقول: “لقد دعم غيرتلر نظام كابيلا في شراء الأسلحة، من خلال عقد تلك الصفقة (صفقة الاستحواذ على مناجم الألماس)، ما أتاح له الوصول فعليّاً إلى 

السلطة،أي إنه أصبح على اتصال مباشر بالرئيس، وكان قادراً على تحقيق ذلك بالسيطرة على تجارة الألماس في الكونغو”.

وكشفت تحقيقات صحفية أن دان غيرتلر استفاد من الدعم الدائم للموساد في تهيئة شبكة العلاقات التي خولت له استغلال ألماس الكونغو، بما في ذلك رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلي السابق يوسي كوهين. وفي عام 2019، زار كوهين الكونغو للتوسط، نيابة عن غيرتلر، لدى الرئيس جوزيف كابيلا وخليفته فيليكس تشيسيكيدي. وأصر كوهين ومحيطه مراراً على أن تدخلاته لصالح غيرتلر كانت في خدمة المصالح الوطنية لإسرائيل.

وحسب مارجوت مولات دو جوردان، ناشطة في منظمة “جلوبال ويتنس”، فإن الدولة الكونغولية خسرت نحو 1.4 مليار دولار من خلال “صفقات دان غيرتلر المشبوهة ونفوذه الضخم في قطاع التعدين في البلاد من خلال شراء أصول التعدين بأسعار مخفضة قبل إعادة بيعها”.

إبادة الكونغو تمول إبادة غزة

تعد تجارة الألماس أحد مصادر التمويل الكبيرة لدولة إسرائيل، وبلغ حجم الصادرات الإسرائيلية عام 2022 نحو 10.5 مليار دولار، ما مكنها من تحقيق أرباح ناهزت 3.2 مليار دولار، فيما تنتج إسرائيل ما يعادل 40% من مجموع الألماس المصقول في العالم.

ووفق إدارة الألماس والأحجار الكريمة والمجوهرات في وزارة الاقتصاد والصناعة الإسرائيلية، في بياناتها لعام 2016، أسهمت صادرات الألماس بما يعادل 23.1% في الناتج الخام لإسرائيل.

وحسب سايام ميهرا، رئيس المجلس الهندي للأحجار الكريمة والمجوهرات، فإن “إسرائيل تستجلب الألماس من مصادر مختلفة، بما في ذلك دول إفريقية مثل جنوب إفريقيا وليبيريا والكونغو وساحل العاج (…)وتؤدي إسرائيل دور مركز تسويق هذه الأحجار الكريمة في العالم”.

من جانبه، يقول الأكاديمي البريطاني ديفد ميلر، إنه “إذا جرت إزالة الألماس من الاقتصاد الإسرائيلي، فمن المرجح أن ينهار ذلك الاقتصاد، وبالتالي فهو مساهم مهم للغاية في استقرار البلاد(…) لذلك، لذا فاستمرار الإسرائيليين في استغلال ومصادرة هذا الألماس من البلدان الإفريقية يمثل معضلة حقيقية بالنسبة لهم”.

وتربط تجارة الألماس والصناعات الدفاعية الإسرائيلية علاقة وطيدة، إذ يعد رجال الأعمال المشتغلون في هذا الحجر الكريم أبرز المستثمرين في شركات السلاح بإسرائيل. كما يمول هؤلاء التجار أيضاً المشاريع الاستيطانية التي يطلقها الاحتلال الإسرائيلي في كل من القدس والضفة الغربية.

وتسهم صناعة الألماس الإسرائيلية بنحو مليار دولار سنويّاً في ميزانية الجيش الإسرائيلي والصناعات العسكرية الإسرائيلية، وفق الاقتصادي الإسرائيلي شير هيفر، الذي أوضح أنه “في كل مرة يشتري شخص ما ألماساً جرى تصديره من إسرائيل، ينتهي الأمر ببعض تلك الأموال في جيوب الجيش الإسرائيلي”.

TRT+الجزیرة+المیادین+وکالات

النهایة

المصدر
الكاتب:Shafaqna1
الموقع : ar.shafaqna.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2024-05-12 05:53:31
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى