على كفة الميزان الاستراتيجي- صفقات وقوة، أو تصعيد وضعف
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- إسرائيل في حالة انتظار التطورات في عدة مسارات متزامنة، ويمكن أن تصل إلى مرحلة الحسم خلال الأيام، أو الأسابيع القادمة، وسيكون لذلك تأثير في مكانتها الاستراتيجية والبنية الإقليمية للسنوات المقبلة. أولاً، الحديث يدور حول مداولات بشأن خطة جديدة لإعادة الرهائن، وأيضاً التصعيد في مواجهة حزب الله في الشمال، وإمكان التطبيع مع السعودية. وهذا كله يحدث في الوقت الذي نشهد خطر إصدار محكمة الجنايات الدولية في لاهاي مذكرات اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين كبار. وللوهلة الأولى، يبدو أن هذه المسارات مختلفة، لكنها مرتبطة فيما بينها، عملياً، وكلّ تطور في أحد المسارات سيؤثر في المسارات الأُخرى بشكل مباشر ودراماتيكي.
- المفتاح المركزي يكمن في النجاح، أو الفشل في التوصل إلى صيغة جديدة لإعادة الرهائن. النجاح في هذا الأمر سيؤدي إلى وقف إطلاق نار مستمر في غزة، وأيضاً في الشمال، بسبب العلاقة المباشرة التي أرساها نصرالله بين الجبهات، وهو ما يمكن أن يفتح الطريق للدفع قدماً بخطة بايدن الكبيرة التي تقوم على حلف بين إسرائيل والدول العربية والتطبيع ضد المحور “المتطرف”، بقيادة إيران. وزير الخارجية بلينكن أوضح أنه من دون وقف إطلاق نار في غزة، لا يمكن الدفع قدماً بالتطبيع بين إسرائيل والسعودية. ومن جانب آخر، إن الفشل في التوصل إلى صفقة يؤدي إلى تصعيد واسع في غزة (حملة في رفح)، ومن الممكن أيضاً في الشمال، وسيؤثر سلباً في إمكان التطبيع.
- وأكثر من ذلك، إن إسرائيل أمام طريقَتين مركزيتين لتغيير الواقع الأمني في الشمال، وهو ما سيسمح بعودة عشرات الآلاف من المواطنين إلى منازلهم. الأولى، هي عبر الوصول إلى ترتيبات مع حزب الله وسحب قواته إلى شمالي نهر الليطاني. شرط تحقيق هذا الأمر هو وقف إطلاق النار في غزة. أمّا الثاني، فهو عبر حملة عسكرية يمكن أن تؤدي إلى حرب واسعة مع حزب الله. لذلك، فإلى جانب التحضيرات العسكرية، على إسرائيل العمل على إعداد الجبهة الداخلية والغطاء الدولي والأمني والاقتصادي من الولايات المتحدة.
- يمكن أن يكون للحملة على رفح إسقاطات سلبية أيضاً على العلاقات، المتوترة أصلاً، مع الأردن، وفي الأساس مع مصر، وذلك بسبب التخوف من موجات لاجئين سيحاولون الوصول إليها. ومن المهم التشديد على أن التنسيق والتعاون مع مصر ضروريان للدفع بالحملة على رفح، من أجل بناء عائق يمنع استمرار التهريب عبر محور فيلادلفي (في الأساس عبر الأنفاق)، كمركّب مركزي لتفكيك القدرات العسكرية لحركة “حماس”.
- الحملة على رفح يمكن أن تؤثر سلباً، وتسرّع المسارات في المحكمة الدولية في لاهاي، وذلك بسبب التخوف من الضرر الذي سيلحق بالمدنيين وجعل الوضع الإنساني أصعب، وحتى أنها يمكن أن تؤدي إلى إصدار مذكرات اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين كبار. الحديث يدور حول ضرر استراتيجي متعدد الأبعاد، سيلحق بدولة إسرائيل ويؤثر، ليس فقط في قدرتها على الاستمرار في القتال، بل أيضاً في التعاون ما بين إسرائيل والدول الغربية، وبصورة خاصة، ليس فقط في المجالات الأمنية والعسكرية.
- الرئيس بايدن يطمح إلى الدفع باتفاق مع السعودية قريباً، وذلك بسبب جدوله الزمني في انتظار الانتخابات الرئاسية التي ستجري في تشرين الثاني/نوفمبر هذا العام. وعملياً، يبدو أن أمام بايدن مدة شهرين فقط للتوصل إلى اتفاق، قبل أن تصبح المعركة الانتخابية في ذروتها. وبحسب رؤية الرئيس، فإن للاتفاق مع السعودية إسقاطات سياسية واقتصادية وأمنية مهمة بالنسبة إلى مكانة الولايات المتحدة على الساحة الدولية عموماً، وبشكل خاص في الشرق الأوسط، ويبدو أنه مصمم على الدفع بها قدماً. لذلك، فإن سيناريو استمرار القتال في غزة يمكن أن يدفع بايدن إلى الذهاب إلى اتفاق ثنائي مع وليّ العهد السعودي، يقوم على حلف دفاعي بين الدولتين، ويمكن أن يتضمن أيضاً مركّبات إضافية تتعلق بصفقات السلاح، وبخطة نووية مدنية في المملكة.
- في ظل هذا الواقع، كلّ قرار سيتخذه رئيس الحكومة نتنياهو سيكون له إسقاطات بعيدة المدى على قوة، أو ضعف دولة إسرائيل الاستراتيجية لسنوات طويلة مستقبلاً. يقف نتنياهو أمام فرصة تاريخية لقيادة إسرائيل نحو القوة الاستراتيجية والقيام بتغييرات بعيدة المدى، وعلى رأسها بناء حلف إقليمي واسع ضد الخطر الإيراني المتصاعد. هذا هو وقت اتخاذ قرارات شجاعة ومصيرية وتبنّي استراتيجيا إقليمية واسعة، تكون أهم من السياسة المحلية. كل قرار آخر يمكن أن نندم عليه أعواماً طويلة.