مثلّث ماليزيا وإيران وإسرائيل في ظل حرب غزة
مثلّث ماليزيا وإيران وإسرائيل في ظل حرب غزة
بواسطة ريبيكا ريدليش
25 نيسان/أبريل 2024
متوفر أيضًا باللغات:
English
The national flag of Malaysia – source: World Bank
عن المؤلفين
ريبيكا ريدليش
ريبيكا ريدليش هي مساعدة باحثة في معهد واشنطن في “برنامج مؤسسة دايين وغيلفورد غليزر حول منافسة القوى العظمى والشرق الأوسط”.
تحليل موجز
تُبدي كوالالمبور مجدداً استعدادها لتسهيل الأنشطة الإيرانية غير المشروعة، ودعم “حماس”، وتضخيم الخطاب المعادي لإسرائيل فيما يتخطى ما تؤيده الدول المجاورة لها.
تتمتع ماليزيا بتاريخ طويل من السياسات المعادية لإسرائيل، وقد فتحت حرب غزة المجال أمامها لتصعيد هذا النهج. ففي 20 كانون الأول/ديسمبر، وبعد خطابات تحريضية مكثّفة حول الأزمة (انظر أدناه)، أعلنت الحكومة أنها ستحظر على سفن الشحن التي ترفع العلم الإسرائيلي دخول الموانئ الماليزية، مستهدفة على وجه التحديد شركة الشحن الدولية “زيم” (ZIM). وفي الواقع، إن آخر سفينة حاويات معروفة تنقلت بين البلدين كانت سفينة “سيسبان إميرالد” (“Seaspan Emerald”) التي ترفع علم هونغ كونغ، والتي غادرت ميناء كلانج الماليزي ورست في حيفا بتاريخ 15 كانون الأول/ ديسمبر. وكان الحظر رمزياً إلى حدٍ كبيرٍ ولم يسفر عن تكاليف اقتصادية تُذكر بالنسبة إلى جهات الشحن الإسرائيلية، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن وجود شركة “زيم” كان هامشياً في ماليزيا حتى قبل الحرب (وفقاً لموقع “مارين ترافيك” «MarineTraffic»، زارت أربع سفن تديرها شركة “زيم” البلاد في عام 2023 قبل فرض الحظر). ومع ذلك، لا تزال هذه الخطوة مهمة لفهم رد ماليزيا المحلي للحرب بين “حماس” وإسرائيل، وتاريخ السياسات المعادية لإسرائيل والموالية لإيران في ماليزيا على مدى عشرين عاماً.
ماليزيا والنزاع الإسرائيلي الفلسطيني
اعتادت كوالالمبور التهجّم على إسرائيل بسبب مجموعة متنوعة من العوامل الدولية والمحلية. فعلى الصعيد الخارجي، دافعت الحكومة عن حقوق الفلسطينيين في إطار الدفاع عن القيم الإسلامية. وعلى الصعيد المحلي، تنتهج خطاباً معادياً لإسرائيل وموالياً للفلسطينيين لتعزيز شرعيتها لدى سكان ماليزيا ذوي الأغلبية المسلمة.
وقد انعكس هذا الموقف في الخطوات الدبلوماسية التي اتبعتها الحكومة منذ عقود. فقد افتتحت كوالالمبور أول مكتب آسيوي لحركة “فتح” الفلسطينية في عام 1969، لكنها لم تُقِم بعد علاقات رسمية مع إسرائيل، حتى في ذروة “اتفاقيات أوسلو” في تسعينات القرن الماضي. وفي عام 2011، أَسست “منظمة الثقافة الفلسطينية في ماليزيا”، التي تهدف علناً لرفع الوعي المحلي بشأن القضية الفلسطينية، ولكنها اسُخدمت أيضاً كسفارة فعلية لـ “حماس”، حيث استضافت العديد من الاجتماعات السابقة بين قادة الجماعة والسياسيين الماليزيين.
وتفيد التقارير أن مقاتلي “حماس” ومسؤوليها نشطوا داخل ماليزيا أيضاً، ولكن لم يتضح ما إذا لعبت الحكومة أي دور في السماح بممارسة هذه الأنشطة السابقة أو إخفائها. وفي عام 2014، كشف تحقيق أجراه جهاز “الشاباك” الإسرائيلي أن مقاتلي “حماس” تلقّوا تدريباً على الطيران المظلي في ماليزيا – وهو الكشف الذي نفته كوالالمبور لاحقاً. وفي عام 2018، اغتيل عضو كبير في “حماس” ومهندس طائرات مسيّرة، يُدعى فادي البطش، على يد رجلين مسلحَيْن بالقرب من العاصمة. وعلى الرغم من أن عائلته والمسؤول في “حماس” إسماعيل هنية نسبا مقتله إلى جهاز “الموساد”، إلّا أن المسؤولين الإسرائيليين نفوا أي تورط في ذلك.
وفي الوقت نفسه، أصبح “الحزب الإسلامي الماليزي” الفصيل المفضل لمعظم المسلمين “في قلب ماليزيا الريفي”، وتفوّق على الأحزاب الأخرى في عدد المقاعد البرلمانية التي فاز بها في الانتخابات الفيدرالية لعام 2020. ويشكل بروز “الحزب الإسلامي الماليزي” دافعاً أساسياً وراء تبني رئيس الوزراء أنور إبراهيم لوجهات النظر المتشددة المناصرة للفلسطينيين، والتي يعتبرها ضرورية للحفاظ على الدعم في الداخل.
وقد اشتد هذا الموقف خلال أزمة غزة. فبعد يومٍ واحدٍ فقط من هجوم “حماس” على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر، أصدرت وزارة الخارجية الماليزية بياناً أشارت فيه إلى الحكومة الإسرائيلية على أنها “إدارة فصل عنصري” تُخضِع الفلسطينيين “لاحتلال غير قانوني طويل الأمد وتفرض عليهم الحصار والمعاناة”. وبعد شهرٍ من ذلك التاريخ، تَعهّد إبراهيم علناً بمقاومة الضغوط الأمريكية الرامية إلى قطع علاقات كوالالمبور مع “حماس” – وهي العلاقة التي توسعت بعد زيارة رئيس وزراء ماليزي سابق لغزة في عام 2013، مما جعله ثاني زعيم عالمي (بعد أمير قطر) يقوم بذلك. ولتحقيق هذه الغاية، رفض إبراهيم “قانون منع التمويل الدولي لـ « حماس »” الذي يشق طريقه حالياً عبر الكونغرس الأمريكي.
كما حث رئيس الوزراء وسائل الإعلام المحلية على تجنّب الإشارة إلى عناصر “حماس” على أنهم “مقاتلون”، مشبّهاً المنظمة الإرهابية بحزب “المؤتمر الوطني الأفريقي” خلال سنواته كحركة مناهِضة للفصل العنصري. وفي سياقٍ متصلٍ، أعربت حكومته عن دعمها للقضية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام “محكمة العدل الدولية” في كانون الأول/ديسمبر، ووصفت الدعوى القضائية الجارية بأنها “خطوة ملموسة اتُّخذت في الوقت المناسب لمحاسبة إسرائيل قانونياً على الفظائع التي ارتكبتها في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة بشكلٍ عام”.
وقد يؤدي حادث وقع مؤخراً إلى تعزيز التوترات مع إسرائيل. ففي 27 آذار/مارس، ألقت السلطات الماليزية القبض على المواطن الإسرائيلي شالوم أفيتان بتهمة الإتجار غير القانوني بالأسلحة النارية والذخيرة. وتكهنت التقارير الأولية أن المعتقَل كان جاسوساً، لكن الشرطة الماليزية تعتقد الآن أنه عضو في عصابة إجرامية، “وكان في طريقه لاغتيال أحد أفراد عائلة إجرامية منافسة”. ولم يتبيّن بعد ما إذا كان تَعامُل الحكومة مع هذه القضية سيتضخم ويتحوّل إلى شكوى ثنائية أخرى وسط أزمة غزة، على الرغم من أن صمت إسرائيل بشأن هذه المسألة يجعل هذا السيناريو غير مرجح.
العامل الإيراني
بِغَضّ النظر عن العوامل الداخلية، فإن مواقف ماليزيا المعادية لإسرائيل ليست مفاجئة نظراً لعلاقاتها الوثيقة مع إيران. فقد وسّع البلدان علاقاتهما الاقتصادية بثبات، وتُعَدّ إيران حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لماليزيا في الشرق الأوسط، بعد الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. والأهم من ذلك، لطالما كانت ماليزيا من الدول القليلة التي يستطيع مواطنو إيران زيارتها بدون تأشيرة – وهو الترتيب الذي شجع حوالي 200 ألف إيراني على الإقامة هناك، من بينهم أصحاب الأعمال والسياح والطلاب في الجامعات الناطقة باللغة الإنجليزية. ومن المؤسف أن هذا الموقف الترحيبي قد أتاح أيضاً لعناصر “فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري الإسلامي الإيراني” إمكانية الوصول إلى كل دول جنوب شرق آسيا.
وتُعد ماليزيا أيضاً بيئة متساهلة لمبيعات النفط الإيراني غير المشروعة، مما يمكّن طهران من تفادي العقوبات الأمريكية. ووفقاً لبعض التقارير، تُشكل البلاد نقطةً لإعادة شحن النفط الإيراني المتجه إلى الصين، مما يخفي مصدر الشحنة من خلال إعادة تصنيفها سراً على أنها قادمة من دول الأطراف الثالثة مثل عُمان والإمارات وماليزيا نفسها. ومن المثير للاهتمام أن الصين استوردت رقماً قياسياً بلغ 1.2 مليون برميل يومياً من النفط من كوالالمبور في تشرين الثاني/نوفمبر 2023، وهو ضعف كمية النفط التي أنتجتها ماليزيا فعلياً (حوالي 600 ألف برميل يومياً). وفي الوقت نفسه، وصلت صادرات النفط الإيرانية الشهرية – والتي يذهب 91% منها إلى الصين – إلى أعلى مستوى لها منذ خمس سنوات في شهر آب/أغسطس الماضي.
ردود متناقضة في جنوب شرق آسيا
يبرز رد ماليزيا لأحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر مقارنةً بالدول المجاورة لها. فقد أدانت كمبوديا وسنغافورة وتايلاند – وجميعها تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل – “الهجمات الإرهابية” و”التصعيد المأساوي”، بينما أدانت الفلبين “حماس” وأعربت عن دعمها لحق إسرائيل في الدفاع عن النفس.
وفي إندونيسيا، أدانت الحكومة باستمرار سلوك إسرائيل في زمن الحرب، ولكن وفقاً لبعض التقارير أجرت أيضاً محادثاتٍ مع القدس قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر بشأن إمكانية إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات الثنائية بينهما. وفي 11 نيسان/أبريل، صرّح مسؤول إسرائيلي بأن جاكرتا لا تزال تُخطط لتطبيع العلاقات مقابل الانضمام إلى “منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية”، على الرغم من نفي وزارة الخارجية الإندونيسية لهذه التقارير.
الخاتمة
سعت الولايات المتحدة مراراً وتكراراً إلى الحد من علاقات كوالالمبور المتنامية مع إيران من خلال فرض عقوبات على كيانات مختلفة مقرها في ماليزيا. وفي شباط/فبراير 2023، أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية ثلاث شركات في ماليزيا وسنغافورة على لائحة العقوبات بتهمة “التسهيل المزعوم لعمليات بيع ما قيمته ملايين الدولارات من النفط والبتروكيماويات وشحنها نيابةً عن شركة لها صلات معروفة بإيران”. وفي كانون الأول/ديسمبر، تم فرض عقوبات على أربع شركات إضافية في ماليزيا وواحدة في إندونيسيا بسبب انخراطها في تسهيل البرنامج الإيراني الخاص بالطائرات المسيّرة.
أما بالنسبة لإجراءات كوالالمبور الموالية لـ”حماس” والمعادية لإسرائيل، فقد حدّت إدارة بايدن من تدخلها في هذه الأمور حتى الآن، وأرسلت إشعارات دبلوماسية إلى وزارة الخارجية واستدعت السفير الماليزي في واشنطن. وكما أشير أعلاه، ركّز المسؤولون الأمريكيون معظم إجراءاتهم العقابية على المجالات التي تهدد فيها القرارات الماليزية بشكلٍ مباشرٍ الأهداف الأمريكية، مثل تسهيل مبيعات النفط الإيراني غير المشروعة وإنشاء بيئة متساهلة للتهرب من العقوبات.
ريبيكا ريدليتش هي مساعدة باحثة في “برنامج مؤسسة دايين وغيلفورد غليزر” حول “منافسة القوى العظمى والشرق الأوسط” التابع لمعهد واشنطن.