مقالات وتحليلات
الرد على إيران ليس ضرورياً الآن، وقد يمسّ بتحقيق أهداف الحرب
تاريخ المقال
17 أبريل 2024
إسرائيل والأراضي المحتلة سنة 1967
المصدر
قناة N12
المؤلف
نمرود شيف
خلال الأيام الأربعة التي تلت الهجوم الإيراني المكثف على إسرائيل، وهو هجوم لا مثيل له، وفقاً للعديد من المقاييس، تعيش إسرائيل في ظل معضلة استراتيجية: هل عليها الرد على الهجوم، أم لا؟ لماذا هناك معضلة استراتيجية؟ لأن كل قرار قد تترتب عليه إسقاطات تتجاوز مجال النشاط العسكري، وهي نابعة أساساً من عمق العمل السياسي. ولذا، في استطاعتنا إعادة ترتيب “ملعبنا” الذي يُطلق عليه اسم الشرق الأوسط؛ وترسيم حدود جديدة لاستخدام القوة، وبناء شراكات جديدة، وخلق مصالح متقاطعة في المواضع التي شهدت في الماضي التقاءً في المصالح، وغيرها من الموضوعات.
يتعين على الدولة التي تواجه مثل هذه المعضلة، أو تقف أمام الحاجة إلى الحسم (وعلينا أن نتذكر أن قرار عدم فعل شيء هو حسم بين بدائل مختلفة، ويُعتبر بحد ذاته اختياراً لطريقة عمل)، وإذا كانت لا تريد زيادة مفاقمة وضعها، أن تأخذ في حسابها سلسلة من الاعتبارات التي ستؤدي بها إلى تحقيق أهدافها السياسية، أو تطبيق استراتيجيتها.
إن الواقع الذي نعيش فيه نشأ، عملياً، في أعقاب اغتيال المسؤولين الإيرانيين السبعة في القنصلية في دمشق. يمكن الافتراض أن صانعي القرارات في إسرائيل كانوا أمام معضلة قبل تنفيذ هذا الهجوم، ولسان حال هذه المعضلة يقول “هل ضربُ هؤلاء، وفي قلب القنصلية الإيرانية في دمشق، سيؤدي إلى ردة فعل واسعة النطاق”؟ يمكن القول إن هذه المعضلة حُلّت بطريقة خاطئة. فرؤساء المؤسسة الأمنية وأصحاب القرار لم يتوقعوا أن تقوم إيران بالرد بمثل هذه القوة على إسرائيل، وما من شك لديّ في أنهم لو توقعوا أن يشنّ الإيرانيون هجمة بهذا الحجم على إسرائيل، لكانوا اختاروا طريقة عمل مختلفة.
في أي حال، وبعد أن صار من الواضح لنا أن الإيرانيين يستعدون لمهاجمة إسرائيل، كان أمام صنّاع القرار الإسرائيليين بضعة احتمالات لعملية هجومية. تراوحت هذه الاحتمالات بين الهجوم الاستباقي، الذي يتمثل في إحباط الهجوم الإيراني قبل انطلاقه، وهجوم يتمثل في ردّ فوري بعد الهجوم الإيراني (وربما بالتزامن معه). يمكن أن يستهدف هذا الهجوم المطارات والقواعد التي انطلقت منها المسيّرات وصواريخ كروز، وبطاريات صواريخ أرض – جو، ومنصات صواريخ أرض – أرض، ومراكز الرقابة والتحكم، وغيرها، وهي أهداف ترتبط كلها بالهجوم الإيراني نفسه.
إن مثل هذا الهجوم، لو جرى بصورة فورية وكان مرتبطاً بصورة محددة بالهجوم الإيراني، لكانت الدول الشريكة في الدفاع عن إسرائيل قد تفهّمته (الولايات المتحدة، وبريطانيا، وغيرها)، بصفته خطوة عسكرية إسرائيلية ضرورية ومفهومة ضمناً، ولحظيت إسرائيل بدعم وإسناد واسعَي النطاق. مثل هذا الدعم قد يقلل كثيراً من فرص قيام إيران بالرد. مثلاً، لو تم في ساعات الصباح المبكرة من يوم الأحد، وفور الهجوم الإيراني، إطلاق المقاتلات الجوية الإسرائيلية لقصف مسارات إقلاع المسيّرات الإيرانية التي أُطلقت نحو إسرائيل، لكان الخطاب الدولي داعماً للرد الإسرائيلي، ومختلفاً تماماً عن الحوار الدائر اليوم بشأن الرد الإسرائيلي المحتمل.
علينا أن ندرك لماذا نعمل، قبل أن نعمل
الآن أيضاً، تقف إسرائيل أمام خيارات هجومية كثيرة. يمكن أن تختار مهاجمة أهداف عسكرية، أو بنى تحتية (كمصافي النفط، ومحطات توليد الطاقة، وغيرها)، وأهداف سلطوية، كما يمكنها أن تهاجم بنيران سلاح الجو، أو أن تشن هجوماً سيبرانياً، ولعلها تختار طرقاً أُخرى. من اللائق أن نفكّر بتوازن إضافي: كلما كانت قوة الرد الإسرائيلي أقوى (“من أجل تعزيز الردع”) كلما كانت “الشهية لتنفيذ هجوم مضاد” من جانب الإيرانيين أعلى، وهكذا دواليك. إن مثل هذه الدينامية ستؤدي، باحتمالات عالية، إلى حرب مستمرة، ستكون نتائجها وخيمة على إسرائيل (على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية). وفي المقابل، كلما كان الرد الإسرائيلي محصوراً، كلما كانت فرص الرد الإيراني أقل، لكن منسوب الردع الذي سيمثله هجوم إسرائيلي من هذا النوع، سيكون أقل كثيراً، ويكون من نتائجه إضعاف الادعاء أن هدف الرد الإسرائيلي يتمثل في تعزيز توازُن الردع الذي اختل.
على مدار الأيام الأخيرة، أسمع الخطاب الشعبي المتصاعد بهذا الشأن، والذي يفتقر إلى أساس أيّ حوار عملاني وجاد يستند إلى سؤال “لماذا نقوم بما نقوم به”؟ وفي السياق الحالي، يصبح السؤال: لماذا علينا الرد على الهجوم الإيراني؟
إن الإجابة المقبولة عن مثل هذا السؤال هي “استعادة الردع الإسرائيلي” (ويُصاغ مثل هذه الإجابة أحياناً بعدم السماح للإيرانيين بتغيير قواعد اللعبة). ينتشر خطاب الردع بصورة كبيرة في الحوار بين الدول، سواء أكان الأمر متعلقاً بممارسة القوة العسكرية، أو غيرها، ومع ذلك، فإن النقاش في مسألة الردع، إسرائيلياً، هو نقاش سطحي في أغلب الأحيان. خلال نصف السنة الماضية، بات من الواضح لنا، بصورة ساطعة، أنه لم “يقتنع” أحد من أعدائنا حقاً بالردع الإسرائيلي؛ “حماس” في الجنوب؛ حزب الله في الشمال؛ الحوثيون في اليمن؛ الإيرانيون في إيران. وعلاوةً على ذلك كله، لم يقتنع الإيرانيون بخطاب بايدن الذي لخّصه بكلمة Don’t والاستخلاص البسيط والمباشر من هذا الفهم هو أن الردع، حين لا يترافق مع خطوات أُخرى، فإنه سيفشل حتماً، وبناءً على تجربتنا المريرة مؤخراً، فإن هذا الإخفاق دائماً ما سيفاجئنا. وعلى هذا المنوال، وقبل أن تتخذ إسرائيل أيّ إجراء، عليها أن تستوضح إجابة عن السؤال “ما الذي نريد أن نحققه من خلال الرد”، وهي إجابة لا يمكن أن تقتصر فقط على “استعادة قدرة الردع”.
الأهداف العاجلة حقاً
أودّ أن أقترح بضع إجابات محتملة عن هذا السؤال، وهي إجابات قد تؤثر في طبيعة الرد. إن الحالة الجديدة الناشئة في الشرق الأوسط في أعقاب الهجوم الإيراني، بمعنى: حالة تشكيل تحالف غربي – سنّي، إلى جانب ضبط نفس إسرائيلي فيما يتعلق بإيران، تقدم أدوات جديدة وإضافية للرد على السؤال “ما الذي نرغب في تحقيقه من خلال الرد الإسرائيلي على الهجوم الإيراني”، ومن ضمن هذه الأدوات أيضاً: الدعم الدولي الذي تضرّر بصورة جسيمة على مدار الأشهر الماضية.
لدى إسرائيل اليوم عدة أهداف مُلحة في السياقَين الأمني والدبلوماسي. عليها استعادة المختطفين، وإنهاء القتال الدائر في غزة بصورة صحيحة تخدم مصالحها، وإعادة سكان الشمال والجنوب إلى منازلهم، مع استعادتها الأمن والشعور بالأمان على امتداد الحدود. من شأن هذه البنود أن تمثل إجابات مهمة عن سؤال “ما الذي نريد تحقيقه في سياق الرد على الهجوم الإيراني. ويبدو للوهلة الأولى أن هذه الأمور غير مرتبطة مطلقاً بالهجوم الإيراني، لكن نظراً إلى أن إيران هي اليد التي تمسك بجميع الخيوط بصورة أساسية، يصبح السياق ساطع الوضوح.
يتعين على إسرائيل استخدام نفوذها لتحقيق هذه الأهداف، على سبيل المثال، من خلال توضيحها أنه من دون انسحاب حزب الله في اتجاه الشمال، بحيث لا يعود في إمكانه فرض تهديد على بلدات الشمال، فإننا نحن الذين سنضطر إلى دفعه شمالاً، بالقوة العسكرية. والآن، وبما أن إيران تجرأت على مهاجمة إسرائيل بصورة مباشرة، لقد انفتحت أمام إسرائيل أيضاً فرصة للعمل بصورة مباشرة في مواجهة اليد التي تحرك الخيوط في لبنان، وتقوم بتوجيه حزب الله. يمكن اتخاذ إجراء مماثل يتعلق بحركة “حماس” في قطاع غزة.
مثل هذا النمط من التفكير يتطلب تحديد رؤية سياسية ووضع أهداف محددة للحرب (أهداف لا تتمثل في شعار “النصر المؤزر” الذي لا معنى له)، وتحديد طرق لتحقيق هذه الأهداف. لقد بات من الواضح لكل مَن عاش في دولة إسرائيل على مدار الأشهر الستة الماضية، أن تحديد رؤية سياسية وأهداف للحرب، هي أمور لا تريد القيادة الإسرائيلية الحالية تحقيقها، أو لعلها غير قادرة على تحقيقها، ولو كان الحال مختلفاً، لتمكنت من تحقيق هذه الأهداف مباشرةً بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر. ولذا، فإن خيار مهاجمة إيران، لو تم تنفيذه حقاً من دون أن ترافقه إجراءات سياسية في ساحة الحرب، لما كان سوى خيار شعبوي خاطئ، لن تتمثل أهدافه في استعادة قدرة الردع، ولا في تحقيق أهداف الحرب، بل في إرضاء اليمين المتطرف داخل الحكومة، وإزالة قضية المختطفين من واجهة المطالب الإسرائيلية العامة، وإطالة عمر الحكومة، وهي خطوة ستكون الأضرار المترتبة عليها أكبر بعشرات الأضعاف من فائدتها.