بالنسبة إلى الصهيونية الدينية، الانتقام أهم من حياة الرهائن
تاريخ المقال
11 أبريل 2024
السياسة الداخلية
اقرأ المزيد
المصدر
هآرتس
المؤلف
بريت يعاكوفي
عندما درست في المرحلة الثانوية، اعتدت وضع قلادة كُتبت عليها أسماء جنود الاحتياط زكريا بوميل وتسفي فلدمان ويهودا كاتس، الذين اختفوا في معركة السلطان يعقوب التي جرت قبل 10 أعوام من ولادتي تقريباً معركة [دارت في لبنان في 1982]. لم أكن الوحيدة- فالنضال من أجل إعادة الرهائن كان قيمة مركزية في الصهيونية الدينية، وأساساً في الوعي. وفي الأعوام العشرين اللاحقة كان يمكن ملاحظة تغيير بسيط في صفقات التبادل، وضمنه الرأي المركّب لحاخامات الصهيونية الدينية في صفقة شاليط. الآن، يبدو أن موقف المجتمع الديني القومي بشأن 133 رهينة لدى “حماس” تغيّر كلياً.
كناشطة في مجال إعادة الرهائن سُئلت، أكثر من مرة، أين الأشخاص الذين أصلّي معهم، وما هي قيمة إعادة الرهائن بالنسبة إليهم؟ عندما بدأت هجمة منسّقة على عائلات الرهائن وضد عقد صفقة لإعادتهم، كان من الصعب تجاهُل المعارضين الأبرز، وأنهم من الصهيونية الدينية. حتى في استطلاعات الرأي، يبدو أن المجتمع الوحيد الذي يعارض الصفقة بشكل واضح هو الصهيوني- الديني. ممثلو “الصهيونية الدينية” و”قوة يهودية” عارضوا الصفقة التي حررت 110 رهائن (بعدها تراجع بتسلئيل سموتريتش عن معارضته)، أمّا الوزير إيتمار بن غفير، فقال إن “هذا القرار هو ضرر لأجيال”.
حتى لو استند سلوكهم إلى مصادر توراتية، فإن معارضة الصهيونية الدينية لصفقة التبادل هي بمثابة مقياس للقيم التي تحرّك الجمهور الديني اليوم، وتعكس حالة التطرف لدى اليمين الديني القومي. التعاليم التوراتية تطرح تخوّفاً من تبادل الأسرى على صعيدين: الأول، يتطرق إلى الثمن الثقيل الذي سيدفعه الجمهور في مقابل الرهائن، والثاني، يتطرق إلى الثمن المستقبلي والخطر بمجرد التفاوض. وبحسب الحاخام شلومو أفينير، فإن التخوفين يحدثان إزاء تبادُل الرهائن في إسرائيل. وبحسب أقواله، إن إصلاح العالم هو الطريق الوحيدة التي يدفع الفرد من خلالها ثمن مصلحة الجماعة. إصلاح العالم معناه التضحية بالإنسان من أجل العالم. وفي هذه الحالة، يدور الحديث حول مصلحة العالم اليهودي. ويطالبنا الحاخام أفينير بالتنازل عن إعادة الرهينة، من أجل إصلاح “العالم” وقوانين الطبيعة.
الحاخام يعاكوف ياكير استعمل أيضاً رواية التضحية في مقالته في مجلة السبت الواسعة الانتشار “العالم الصغير”. ويقول إنه يجب التعامل مع الرهائن- وأيضاً الأطفال بينهم- كجنود يمكن التضحية بهم. عملياً، المبدأ الذي يعتبر الرهائن جنوداً رغماً عنهم، شرحه الحاخام يعاكوف أريئيل بشأن الرهائن في عنتيبي: “يجب التعامل مع الحرب على صعيد التفكير الجماهيري، حين تنطبق قوانين أُخرى… نعم، الرهينة هو جندي في جبهة. وكما في كل حرب، تُلقى على القائد المسؤولية الثقيلة، بحسب كل حالة، وحسابات الربح والخسارة في وضع معين، وأيضاً في المعركة برمتها”.
هذه المواقف التي تتعارض مع القانون الدولي- هي محاولة لتبرير التضحية بالرهائن من أجل الدولة. معنى “إصلاح العالم”- التضحية بالفرد من أجل الجماعة، هو إشكالي واستثنائي في اليهودية. هذا التفسير يكشف طريقة النظر الخاصة إلى جوهر الدولة وعلاقتها بالمواطنين. قصة التضحية، بحسب الصهيونية الدينية، لا تتطرق إلى التضحية بالفرد ذاته، إنما إلى واجب التضحية بالفرد لمصلحة الجماعة. وبحسب اليمين الديني القومي، “من الجيد أن تموت من أجل بلدنا”.
علينا أن نسأل عن ماهية الجمهور الذي يجب التضحية به، و لمصلحة أي هدف: هل هناك مطلب من الجمهور الواسع بالتضحية بأبنائه لمصلحة قيم اليمين الديني القومي؟ هل الحملة التي تطالب بالمساواة بين وضع الأسير الإداري أرئيل دانينو، الناشط في اليمين المتطرف، والرهائن في غزة، تقدس قيمة تضحية الفرد من أجل الجماعة؟ أم أن الدولة في هذه الحالة، عليها أن تضحّي من أجل مصلحة أسير واحد؟
التعامل مع قضية الرهائن يعكس مسارات اجتماعية- اقتصادية يمر بها الجمهور الصهيوني- الديني خلال الأعوام العشرين الماضية. فليس اعتباطاً أن موقف الباحثين في “معهد كوهيليت”- جمعية يمينية تدفع بقيم ليبرالية اقتصادية، كسوق حرة وخصخصة للرفاه- هو أن إعادة الرهائن هي مسار “حساس” ينبع من مشاعر، وليس من موقف عقلاني واقعي. فما تكتبه مثلاً نعاما أفيدان، باحثة في المعهد، بشأن مطلب إعادة الرهائن، الذي تعتبره “مراهقاً”: عندما نركع كالأطفال ونكرر “الآن، الآن”، فإن الكبار يحضنوننا، ويشرحون لنا أن الحياة مركّبة أكثر من ذلك. في المدرسة، نتعلم مصطلحات السبب والنتيجة: إن لم نقم في الوقت الملائم، فسنتأخر ونعاقَب. “الآن” تتحول إلى أكثر نضوجاً، ونحن نتعلم كيف نفكر في المستقبل.
يمكن أن نجد تقوية لهذا الموقف في تغريدة كتبها المحلل في “ماكور ريشون”، يهودا يفتاح: المطروح المغري في الصفقة هو أنها تطرح لنا لحظة هدوء، ليلة واحدة من الأحضان والابتسامات والدموع من أجل التفريغ العاطفي”. وبحسبه، إن إعادة الرهائن أحياء ليست أكثر من ليلة من الأحضان والسعادة. الحاخام أفينيري يشرح أيضاً معارضته للصفقة بطريقة مشابهة: “لا يمكن إدارة الدولة بالمشاعر. المشاعر تليّن القلب”. وعملياً، يتم التعامل مع إعادة الرهائن كحدث مشاعري، وليس كالتزام عميق من الدولة تجاه المواطنين. الموقف الذي بحسبه، يجب على الفرد أن يضحي من أجل الجماعة- استيطان أرض إسرائيل- يتماشى مع موقف اليمين الاقتصادي الأميركي الذي يريد تقليص مسؤولية الدولة عن الفرد.
يبدو في أوساط قيادات الصهيونية الدينية أن هناك تغييرات قيَمية أيضاً، تشدد على أهمية الانتقام. هذا ليس انتقاماً لردع العدو، إنما انتقام من أجل الانتقام. فمنذ سنة 2016، قال سموتريتش إن الانتقام هو “قيمة مهمة وإيجابية”. اليوم، يُصدر اليمين حملات كـ”شعب إسرائيل يريد الانتقام”، و”بدلاً من الصفقة الآن- الانتقام الآن”. الانتقام هو قيمة أهم من إعادة الرهائن.
ورداً على الشهادة المؤلمة التي سردتها الرهينة عاميت سوسانا بشأن “الاعتداءات الجنسية” في الأسر، غردت النائبة ليمور صون هار ميلخ بالقول إن “دولة إسرائيل ملتزمة بمحاسبة أبناء الشر المكروهين”. وهو ردّ شبيه بردّ بن غفير. فالمهم هو الانتقام “للاعتداء” على سوسانا أكثر من إعادة النساء الأخريات الموجودات في الأسر، ويمكن أن يواجهن “اعتداءات” كهذه الآن. التصحيح الأكبر للقيم اليهودية هو- الانتقام.
الباحثة راحيل فيغ فيشينيا تدّعي أن عدم تبادُل الرهائن باسم الانتصار وقصف العدو هو إحدى الروايات المركزية في الإرث الروماني، بعكس الإرث اليهودي. إذاً، هل تتبنى الصهيونية الدينية في أيامنا أفكاراً من سبارتا القتالية، ومن مناهج رومانية؟
يبدو أن خلف مصطلحات، مثل “إصلاح العالم” و”مصلحة الجماعة”، التي تبرزها الصهيونية الدينية، هناك رؤية يكون فيها الانتقام أهم من حياة الإنسان. من الجيد أن نتوقف عند هذا الموقف، والتعامل معه على أنه عقلاني، وفي المقابل، من المهم تعزيز الرؤية اليهودية القائلة إن تبادُل الرهائن هو بحد ذاته “إصلاح العالم”- وهذا الموقف ليس عاطفياً فقط، بل هو عقلاني أيضاً، وفي إطاره، لا قيمة للدولة إن لم تضع قيمة حياة الإنسان كقيمة عليا.