خطأ بشري سندفع ثمنه غالياً، ومفترق استراتيجي على طريق نهاية الحرب
المصدر
- الضربة المأساوية التي تعرّض لها موظفو منظمة الإغاثة “WCK” نجمت عن خطأ بشري في تحديد الهدف، أو نتيجة سوء فهم في التواصل بين عناصر الاستخبارات، وبين الذين يوجهون النار على الأرض، وبين مشغّلي المسيّرات في سلاح الجو.
- وقع الحادث في المكان الذي يطلق عليه الجيش الإسرائيلي اسم “الخط الساحلي”، وهي الطريق التي تمر بخط الساحل في غزة في المنطقة الشمالية. منظمة “WCK” الصديقة المقربة من إسرائيل أقامت رصيفاً عائماً تُفرَّغ فيه المساعدات الإنسانية الآتية من قبرص، بعد فحصها في إسرائيل. كان من المفترض أن توزَّع المساعدات في الأساس على سكان شمال القطاع الذين “تدّعي” الأمم المتحدة أنهم عرضة لخطر المجاعة، وبالتالي فإن الهجوم على موظفي الإغاثة جرى في منطقة، وجودهم فيها معروف، والجيش على علم بذلك. لقد اعتذر الناطق بلسان الجيش، علناً، أمام المنظمة والدول التي ينتمي إليها موظفو الإغاثة الذين قُتلوا، وأعلن أن لجنة تحقيق من هيئة الأركان العامة ستحقق في الحادثة من أساسها، وأن الجيش ودولة إسرائيل سيبلّغان الدول التي ينتمي إليها ضحايا الحادثة والولايات المتحدة بنتائج التحقيق.
- كل هذا يجب أن يجري بالتأكيد من أجل تقليص الأضرار، لكن هذا الخطأ المأساوي هو أقرب إلى كارثة؛ كارثة إنسانية جرّاء مقتل أشخاص من الذين يعملون من أجل الخير وينتمون إلى منظمة صديقة لإسرائيل، وأيضاً لأن الحادث يُلحق الضرر بشرعية دولة إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ويخدم كل مَن يدّعي أن الجيش الإسرائيلي لا يحترم القانون الدولي في استخدامه للنار والقوة العسكرية في قطاع غزة.
- يجب أن نفهم أن دولة إسرائيل هي اليوم في وضع يشهد تحقيق الجيش إنجازات جيدة جداً في القتال في قطاع غزة، وعلى الساحة الشمالية أيضاً. هذه الإنجازات تقرّب إسرائيل من الانتصار في الحرب، لكن في الوقت عينه، وبينما المعركة العسكرية دائرة، وفقاً للخطة، وهناك فرصة للتوصل إلى إطلاق المخطوفين، نتكبد الخسارة تلو الأُخرى في معركة الصراع على الشرعية، هذه الخسارة ناجمة عن إخفاقات المستوى السياسي، وجزء منها يعود إلى أسباب أُخرى لها علاقة بالتيارات المعادية لإسرائيل، والمؤيدة للفلسطينيين، وسط الرأي العام الدولي. لكن الشيء المهم هو إذا كنا سنظل مهزومين في ميدان الشرعية، فإن المجتمع الدولي قد يجبرنا على وقف القتال من دون تحرير كل المخطوفين، ومن دون تحقيق أهداف الحرب في الجنوب، وفي الشمال.
- قد يكون الخطأ الذي وقع في الأمس خطأً كبيراً جداً. في حرب لبنان الثانية (2006)، وقع حادث مشابه، عندما قصف سلاح الجو، عن طريق الخطأ، مبنى كان يوجد فيه عشرات المواطنين اللبنانيين. وكانت النتيجة أن الولايات المتحدة فرضت علينا وقف القتال عدة أيام، وبفضل تدخُّل الرئيس بوش، استطاع الجيش مواصلة القتال. حادث مشابه أيضاً وقع في تسعينيات القرن الماضي، في عملية “عناقيد الغضب” في الجنوب اللبناني، حين قتل الجيش، عن طريق الخطأ، لبنانيين لجأوا إلى مكان بالقرب من موقع للأمم المتحدة [المقصود مجزرة قانا التي أودت بحياة المئات من اللبنانيين المدنيين، معظمهم من النساء والأطفال، والذين احتموا بمركز لليونيفيل قصفته إسرائيل]، الأمر الذي أدى إلى توقّف العملية.
- الحادثة التي وقعت مؤخراً، يمكن أن تكون نتائجها شبيهة بما حدث سابقاً، إذا لم تتحرك إسرائيل بسرعة لكي تثبت أنها ستبذل ما في وسعها لتفادي وقوع أخطاء مشابهة، والأهم من ذلك، أن يعمل الجيش، منذ الآن، بصورة أكثر حذراً، وأن يأخذ أكثر في حساباته موضوع المساعدات الإنسانية. من الأفضل التخلي عن اغتيال عدد من “مخرّبي حماس”، حتى لو كانوا يتحضرون للدخول في مواجهة مع قواتنا، كي لا نتسبب بإلحاق ضرر إضافي بالشرعية، يمكنه وقف الحرب…
- ولهذه الغاية، يجب إعطاء أوامر صارمة للجيش بعدم إطلاق النار في مناطق يجري فيها نقل وتوزيع المساعدات الإنسانية. ويجب على الجيش أن يزيد في وصول المساعدات إلى القطاع، ويعلن ذلك، ويفتح معابر جديدة.
- ومن الأساسي جداً، قبل القيام بمناورة في داخل منطقة رفح، أن يضمن الجيش ودولة إسرائيل انتقال أكثر من مليون نازح ولاجىء فلسطيني لجأوا إلى هناك إلى مناطق آمنة، وفي ظروف إنسانية، قبل أن تبدأ قواتنا بالتحرك.
يتعين على إسرائيل أن تقرر
- من المهم أن نذكر كل هذه الأمور في الوقت الحالي الذي تقترب دولة إسرائيل ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو و”الكابينيت السياسي والأمني” من منعطف لاتخاذ قرار خلال أسبوع، أو 10 أيام. هذا القرار له علاقة بسلّم الأولويات الاستراتيجية التي يجب القيام بها في الأشهر المقبلة. وفي الواقع، إن المطروح هو 4 مسائل.
- المسألة الأولى: هي صفقة المخطوفين، تحرير 40 مخطوفاً على الأقل من النساء والأطفال والمسنين والمرضى. فهل نحن بصدد السير فيها وإظهار مرونة في الشروط، ونحصل على ردّ من السنوار؟ أم أن السنوار، حسبما يعتقد قسم من أعضاء “الكابينيت”، بينهم رئيس الحكومة، يحاول فقط المماطلة كي يقوم الرأي العام الدولي والولايات المتحدة بوقف الحرب، حينها، يتمكن من التوصل إلى صفقة أسرى من موقع قوة؟
- المسألة الثانية: هي المعركة في الشمال من أجل ضمان أمن سكان الجليل وانسحاب حزب الله من الحدود. هناك مؤشرات تدل على أنه إذا عُقدت صفقة أسرى، واتُّفق على وقف لإطلاق النار، فإن نصر الله سيكون مستعداً لتسوية دبلوماسية، بوساطة من الولايات المتحدة، فهو و”أسياده” الإيرانيون، لا يريدون حرباً. لكن من المحتمل أن يكون هذا كله وهماً، ويضطر الجيش الإسرائيلي إلى القيام بمناورة في داخل الجنوب اللبناني لإبعاد حزب الله إلى مسافة أكثر من 10 كلم عن الحدود، بعدها يتم البحث في تسوية، بما أن الهدف في النهاية هو إعادة سكان الشمال الذين تركوا منازلهم إلى مستوطناتهم، بعد ضمان الأمن وتحسُّن شعورهم بالأمان.
- المسألة الثالثة: هي الدخول إلى رفح من أجل تفكيك الكتائب الأربع التابعة لـ”حماس”، والموجودة هناك. من دون تفكيك هذه الكتائب والتوصل إلى تسوية مع مصر بشأن الإغلاق الكامل لأنفاق التهريب من تحت محور فيلاديلفي، في إمكان “حماس” العودة وترميم قوتها في القطاع، وهذه هزيمة بالنسبة إلى إسرائيل.
- هناك إجماع في “الكابينيت” المصغر بين كل الأعضاء على أنه من دون إخراج “حماس” من رفح، ومن دون تسوية بشأن محور فيلاديلفي، والتهريب عبر معبر رفح، لا نستطيع إنهاء الحرب وتحقيق أهدافها.
- المسألة الرابعة: هي الحل في “اليوم التالي للحرب” في قطاع غزة، وفق المخطط الأميركي الذي يتضمن التطبيع مع السعودية والتعاون مع الدول العربية على إقامة حُكم فلسطيني محلي في قطاع غزة.
كل شيء مرتبط بصفقة الأسرى
- الإنجازات المطلوبة، في نظر إسرائيل، بشأن كل مسألة من هذه المسائل لا يمكن تحقيقها في وقت واحد، لذلك، يجب على إسرائيل تحديد سلّم أولوياتها الاستراتيجية فوراً من أجل تحقيق النصر في الحرب. والحل المفضل لدينا هو صفقة أسرى مرتبطة بوقف إطلاق النار مدة 6 أسابيع. يجري خلالها وقف لإطلاق النار على الحدود الشمالية، وتبدأ عملية دبلوماسية سريعة، بوساطة أميركية وعربية، من أجل إبعاد حزب الله عن الحدود. وعندما يحدث ذلك، يتعين على إسرائيل والأميركيين محاولة التوصل إلى اتفاق على حُكم جديد في غزة بواسطة قوى محلية ودول عربية صديقة، وأن يشمل ذلك التطبيع مع السعودية. إذا جرت الأمور في هذه المسارات الثلاثة كما يجب، فتستطيع إسرائيل التنازل عن خوض عملية عسكرية في رفح.
- وإذا لم يحدث هذا، فيجب إنهاء الحرب بالدخول إلى رفح، قبيل نهاية الصيف. كل ذلك بشرط عقد صفقة مخطوفين، الأمر الذي يساعد على البدء بمفاوضات بشأن إبعاد حزب الله في الشمال، وبلورة اتفاقات مع إدارة بايدن، من دون تأخير، بشأن “اليوم التالي للحرب” في قطاع غزة والتطبيع مع السعودية.
- مفتاح كل هذه العملية صفقة تبادل الأسرى. إذا اتضح خلال الأيام المقبلة أن السنوار مصرّ، ويحاول المماطلة، سيكون هناك حاجة إلى تغيير سلّم العمليات الاستراتيجية: ومن شبه المؤكد أن العملية الأولى ستكون الدخول إلى رفح لزيادة الضغط العسكري على “حماس” وإجبار السنوار على إبداء المرونة في مواقفه…
- بعد الدخول إلى رفح، من المحتمل أن تُعقد صفقة تبادل الأسرى. بعدها، سواء حدثت أم لم تحدث، سيقرر الجيش الإسرائيلي ما إذا كان سيدخل في معركة عسكرية في لبنان، أم أن هناك فرصاً حقيقية للتوصل إلى تسوية دبلوماسية تبعد حزب الله عن الحدود، وبالتالي لن يكون هناك حاجة إلى الدخول في معركة في الشمال. في جميع الأحوال، تزداد الضغوط على رئيس الحكومة ووزير الدفاع من سكان الشمال من أجل إعادتهم إلى منازلهم في تموز/يوليو، آب/أغسطس، على أبعد تقدير. سواء من خلال عملية عسكرية، أو تسوية دبلوماسية…