مع احتدام الموسم الانتخابي في أمريكا.. تعرّف علی حكاية “الأموال المظلمة”
ومع بدء الموسم الانتخابي في الولايات المتحدة وارتفاع حرارة المنافسة بين الرئيس الحالي جو بايدن، والرئيس السابق دونالد ترمب، يبدو أن المشهد لا يتسم بصراع الأيديولوجيات والأجندات السياسية فحسب، بل يتسم أيضاً بالضبابية المحيطة بـ”الأموال المظلمة” التي عادت إلى تصدُّر المشهد السياسي من جديد.
تخضع المحاكم الأمريكية لحصار من المصالح الخاصة لحزب اليمين. فاليمينيون يريدون التلاعب بالقضاء الفيدرالي لصالح كبار أرباب العمل بدلا من العمال، والبنوك الضخمة بدلا من الشركات الصغرى، ومصنعي الأسلحة بدلا من ضحاياها. ومرة أخرى، أصبحت الأجندة السياسية التي فُرضت من خلال المجتمع الفيدرالي، وهي مجموعة بذلت جهدا أكبر من الذي بذلته أي مجموعة أخرى لتحريك القضاء الفيدرالي نحو أقصى اليمين، قانون البلاد على حساب الجميع. والآن، إذا شقت هذه الأجندة طريقها نحو قضية أمام المحكمة العليا، لم تلاحظ إلا قليلاً، فإن المصالح الخفية ستعزز قبضتها على القانون الدستوري الأمريكي لأجيال قادمة.
الأموال السوداء: التبرعات التي لا يمكن تعقب جهتها المانحة. فقد قام أصحاب المصالح الخاصة ببناء شبكة ضخمة من المجموعات الأمامية للأموال المظلمة لتنفيذ كل مهمة من مهام السيطرة على المحكمة، بما في ذلك اختيار قضاتها المرشحين، واختيار القضايا التي ستنظر فيها، وممارسة الضغط من خلال موجزات تقدم من جهة صديقة للمحكمة بشأن النتائج التي يريدونها. ومن عام 2014 إلى 2018 فقط، تلقت هذه الشبكة 400 مليون دولار من الأموال المظلمة، وفقًا لشهادة الخبراء الأخيرة أمام مجلس الشيوخ.
وفی هذا الاطار كشفت شبكة “سي إن إن” في تقرير نشرته مؤخراً عن زوجين ترتبط ثروتهما باستثمارات الذكاء الاصطناعي وتداول العملات المشفرة، كانا بين أكبر الداعمين لمجموعة “المال المظلم” الرئيسية التي دعمت ومكَّنت بايدن من الفوز في الانتخابات الرئاسية على حساب ترمب قبل 4 سنوات، حسب بعض الادعاءات.
وتُظهر السجلات الضريبية التي استعرضها التقرير، التي لم يُبلغ عنها سابقاً، أن ثاني أكبر تبرع في عام 2022 للذراع غير الربحية لـ(Future Forward)، وهي لجنة العمل السياسي الكبرى الأساسية التي تدعم بايدن، جاء من جيمس ماكلاف وإميلي بيرجر، اللذَين تبرعا بمبلغ 7.2 مليون دولار، وهذا أكثر من أي مجموعة أخرى، عدا مركز سياسات المجتمع المفتوح المرتبط بجورج سوروس، الذي قدم 15.2 مليون دولار في العام ذاته.
ما “الأموال المظلمة”؟
تشير الأموال المظلمة إلى الأموال التي يجري ضخها في الحملات السياسية وجهود المناصرة من مانحين أو منظمات مجهولة، وفق موقع إنفيستوبيديا، وغالباً ما تتحايل هذه الإسهامات على متطلبات الإفصاح التقليدية، مما يترك الناخبين في حالة جهل بشأن الأصول الحقيقية والدوافع وراء الرسائل والمبادرات السياسية.
وبشكل عام، يُعزى صعود المال المظلم إلى سلسلة من الثغرات القانونية والتنظيمية، ومن أبرزها قرار المحكمة العليا المعروف باسم “المواطنون المتحدون” في عام 2010، إذ مهّد هذا الحكم التاريخي الطريق أمام الشركات والنقابات والمنظمات غير الربحية لإنفاق مبالغ غير محدودة على الأنشطة السياسية دون الكشف عن مصادر هذه الأموال في كثير من الأحيان.
ونتيجة ذلك، فُتحت أبواب الإنفاق السياسي غير المعلن على مصاريعها، مما أدى إلى تغيير المشهد الانتخابي بشكل جذري، لا سيما عند استخدامه من مجموعة “الإنفاق المستقل” التي يشار إليها عادةً باسم (Super PACs)، التي يُسمح لها قانونيّاً بتلقي وإنفاق كمية غير محدودة من الإسهامات المالية.
المال والسياسة
يعتمد المرشحون والأحزاب السياسية في الولايات المتحدة على الإسهامات والنفقات التي تقدمها أطراف ثالثة لدعم الحملات الانتخابية ماليّاً، بينما تعد الملايين التي تتدفق عبر لجان العمل السياسي غير الربحية مثالاً على كيفية استخدام المانحين الأثرياء المال المظلم لتشكيل السياسة الأمريكية مع البقاء في الخفاء.
وعلى الرغم من انتقاد الديمقراطيين استخدام ما يسمى “المال المظلم”، محذرين من أن المليارديرات الذين ينفقون مبالغ غير محدودة من خلال المنظمات غير الربحية الخاضعة للتنظيم الفضفاض يخاطرون بإفساد السياسة الأمريكية، فإنهم من أكبر المستفيدين من هذا النظام.
وقد تبنى المانحون والنشطاء الديمقراطيون إنفاق الأموال المظلمة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، متجاوزين إنفاق الجمهوريين في عام 2020، وفق ما ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” العام الماضي، نقلاً عن تحليل الإقرارات والبيانات الضريبية.
وأظهر تقرير الصحيفة الأمريكية أن 15 من المنظمات غير الربحية الأكثر نشاطاً المرتبطة بالديمقراطيين أنفقت أكثر من 1.5 مليار دولار في ذلك العام، مقارنة بـ900 مليون دولار أنفقتها أكبر 15 مجموعة متحالفة مع الحزب الجمهوري في عام 2020.
ومن المقرر أن يستمر هذا الاتجاه هذا العام، فقد أعلنت شركة (Future Forward) عن خطط لإدارة أكبر حملة إعلانية سياسية على الإطلاق من حملات سوبر باك (Super PAC) في عام 2024، وفق شبكة “سي إن إن”.
أبرز المتبرعين
في متاهة الأموال المظلمة، يبرز بعض الأفراد والكيانات بإسهاماتهم الكبيرة وتأثيرهم الكبير، وفي حين يظل عديد من المانحين مختبئين وراء عباءة عدم الكشف عن هويتهم، فقد صعد بعضهم إلى دائرة الضوء، ولو على مضض.
ومن المانحين شبكة “كوخ”، التي تعد من أشهر اللاعبين في عالم المال المظلم، وهم الأخوة كوخ تشارلز والراحل ديفيد كوخ، ومن خلال شبكتهم مترامية الأطراف من المنظمات المحافظة، ومراكز الأبحاث، ومجموعات المناصرة، مارست عائلة كوخ نفوذاً هائلاً على السياسة الأمريكية لعقود من الزمن. وقد مولت جيوبهم العميقة مجموعة واسعة من القضايا، بدءاً من إلغاء القيود التنظيمية وتخفيض الضرائب إلى إنكار تغير المناخ والجهود المناهضة للنقابات.
وكان عملاق صناعة الكازينو شيلدون أديلسون شخصية بارزة في السياسة الجمهورية حتى وفاته عام 2021، إذ حوَّل أديلسون، إلى جانب زوجته ميريام، الملايين إلى الحملات المحافظة ولجان العمل السياسي الكبرى، مما شكّل أجندة الحزب الجمهوري بشأن قضايا مثل إسرائيل، والسياسة الخارجية والمقامرة عبر الإنترنت.
وعلى الطرف الآخر من الطيف السياسي، برز جورج سوروس ثقلاً موازناً ليبراليّاً للمحافظين ذوي الوزن الثقيل من المال المظلم، من خلال مؤسسات المجتمع المفتوح التابعة له وغيرها من المشاريع الخيرية، إذ دعم سوروس القضايا التقدمية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك إصلاح العدالة الجنائية، وحقوق المثلية.
ومن الجهات المانحة أيضاً الرابطة الوطنية للبنادق (NRA)، وعلى الرغم من أنها ليست جهة مانحة فردية في حد ذاتها، فإن الآلية السياسية الهائلة التي تتمتع بها الجمعية جعلت منها قوة لا يُستهان بها في السياسة الأمريكية، ومن خلال شبكتها الواسعة من الأعضاء وجماعات الضغط، مارست جمعية السلاح الوطنية نفوذاً كبيراً على سياسة الأسلحة في الولايات المتحدة.
المصادر: تی ار تی+ وکالات
المصدر
الكاتب:Shafaqna1
الموقع : ar.shafaqna.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2024-03-24 03:21:10
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي