رغم الصعوبات.. عادات شهر رمضان المتوارثة تظل حاضرة باليمن

شفقنا – رغم أن اليمن يعيش واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية في العالم، ويكتوي بنار الحرب منذ تسع سنوات متواصلة، ويعيش غالبية السكان في ظل انهيار اقتصادي يشمل انقطاع الرواتب، وغلاء الأسعار، وتراجع قيمة العملة، وانعدام فرص العمل، فإن عادات شهر رمضان المتوارثة تظل حاضرة.

وتبدأ الأسر اليمنية الاستعداد لحلول رمضان منذ بداية شهر شعبان، فتقوم بشراء مؤنة المطبخ من المواد الغذائية المتنوعة. ومع أن الكلفة المالية تكون باهظة، لكن غالبية اليمنيين يؤمنون بالمقولة الشعبية: “رمضان يجيء برزقه”. وفي اليوم الأخير من شعبان، تقوم ربات البيوت بتنظيف المنازل وتبخيرها وإعادة ترتيبها، وتعليق الزينة استعدادا لاستقبال الشهر الكريم. وبعد رؤية الهلال، يتم إشعال النيران على رؤوس الجبال، في عادة متوارثة يطلق عليها “التنصير”.

يقول أحمد شمسان إن “إشعال النيران على قمم الجبال عادة متوارثة عن الآباء والأجداد، وكانت تستخدم في السابق بهدف إخبار الناس برؤية هلال رمضان، وكانت كل قرية يرى أهلها الهلال تقوم بإشعال النار على قمم الجبال، فيعلم الناس حينها أن الغد هو أول أيام رمضان، ورغم دخول وسائل الإعلام إلا أن هذه العادة ظلت مستخدمة في كثير من مناطق اليمن”.

إشعال النار على قمم الجبال عند رؤية هلال رمضان عادة يمنية متوارثة

بعد إعلان دخول رمضان تقوم الأسر اليمنية بتناول وجبة العشاء، والتي تكون في الغالب مائدة رمضانية مكتملة، ثم تتوجه الأسر إلى المساجد لأداء صلاة التراويح الأولى. بعدها يذهب الرجال للاجتماع في الديوان، أو المقام كما يسمى شعبياً، والذي يستخدم عادة كمكان لمضغ نبات “القات”، لكن تتحول مجالس القات إلى مجالس ذكر في رمضان، فيتم قراءة القرآن والكتب الدينية، وترديد الأذكار وبعض القصائد والتواشيح الصوفية.

وجعلت عادة اليمنيين في السهر حتى وقت السحور الحكومات اليمنية المتعاقبة تقوم بتأجيل الدوام الرسمي إلى العاشرة صباحاً وحتى الثانية من بعد الظهر، كما يتغير النظام المجتمعي بشكل كامل، فيخرج الناس بعد الدوام إلى الأسواق لشراء احتياجاتهم اليومية، ثم يقضون الوقت بين صلاتي العصر والمغرب في قراءة القرآن، أو زيارة الأرحام، بينما تنشغل النساء في هذا الوقت بإعداد مائدة رمضان التي تمتاز باحتوائها على أكلات يمنية متنوعة ملازمة لشهر رمضان، وتبرز عادة تبادل الوجبات التي يتم إعدادها منزلياً، وهكذا يتم تعاهد الأسر الفقيرة في صورة تعكس التراحم المجتمعي.

قبل أذان المغرب تجتمع الأسرة على مائدة الإفطار، والذي يبدأ بتناول التمر والماء مع الحلبة والعصيد، ثم يخرج الرجال لأداء صلاة المغرب في المسجد، وبعد الصلاة يتم تقديم مائدة الطعام الرئيسية التي تحتوي على السنبوسة والباجية والشفوت والشوربة والسلتة والأرز والدجاج أو اللحم، ويتم بعدها تقديم التحلية التي تكون عادة أطباقا من العطرية والبسبوسة والطرمبا والشعيبية والمشبك وبنت الصحن والرواني والمحلبية والجيلي والبودنج.

تقول سحر الحداد، وهي ربة بيت، إن المرأة اليمنية تتحمل أعباء كبيرة في رمضان، نتيجة كمية الطعام التي تقوم بتجهيزها، إضافة إلى أعمال البيت المختلفة، إذ تضطر إلى الاستيقاظ باكراً في رمضان على عكس الرجال. تضيف: “رمضان في الأعوام الأخيرة لم يعد كما كان في السابق، نتيجة تدهور الأوضاع المعيشية للناس، وارتفاع الأسعار، ما جعل معظم الأسر عاجزة عن توفير الاحتياجات الرئيسية”.

تحرص الأسر اليمنية على تدريب أطفالها على الصيام وتسمح لهم بالسهر

ويؤكد فيصل عبد العزيز أن “اليمنيين يعيشون أوضاعاً اقتصادية صعبة في ظل الحرب وانقطاع الرواتب وارتفاع الأسعار، لكن الأسر تمتاز بالتواد والتراحم، فتقوم الأسرة بإعداد الوجبات وتقديم جزء منها للجيران، كما أن معظم الميسورين يقومون بفعل الخير، ويراعون الأسر الفقيرة، وهذا يجعلنا نؤمن بأن الخير ما زال باقياً في الناس”.

وتحرص الأسر اليمنية على إدخال أطفالها في جو الشهر الكريم، والذي ينتظره الأطفال بلهفة، فهو مناسبة لعيش متعة من نوع آخر، إذ يتغير برنامجهم اليومي، فمعظم الأسر تحرص على تدريب أطفالها على الصوم، وتسمح لهم بالسهر، ويتم إيقاظهم قبل الفجر لتناول السحور مع أفراد العائلة، وعادة يقوم الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 8 سنوات بالصوم حتى أذان الظهر، بينما يصوم الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 11 سنة حتى أذان العصر، وفي هذا السن ينجح بعض الأطفال في صوم اليوم كاملاً.

ومن المعتاد أن يجتمع الأطفال بعد صلاة العصر للعب كرة القدم، ويستمر ذلك حتى قبيل أذان المغرب، كما يمكنهم اللعب بعد صلاة التراويح حتى منتصف الليل، وتقوم الأسر بإنارة الحارات لمساعدة الأطفال على ممارسة الألعاب، وأبرزها في رمضان الغماية، والفتاتير، والطماش.

يقول خطاب عماد (11 سنة): “بدأت التدرب على الصوم حين كان عمري سبع سنوات، وكنت أصوم حتى الظهر، وبعدها حتى العصر، وفي العام الماضي نجحت بتشجيع من والدي ووالدتي في صوم 24 يوماً كاملة، وسأحرص هذا العام على صيام الشهر كاملاً. رمضان أحلى الشهور لأننا نستمتع فيه باللعب، ونشاهد المسلسلات، ونتعلم الصوم كالكبار، كما أنني أحب الذهاب مع رجال العائلة لأداء صلاة التراويح”.

انتهی.

المصدر
الكاتب:Mohammad Falaki
الموقع : ar.shafaqna.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2024-03-13 09:42:34
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

Exit mobile version